تقرّر أن نلتقي ثلاث مرّات في الأسبوع للاحتكاك، وفي الوقت نفسه أتعلّم السحر.
أصرّ أشيريل على القدوم كلّ يوم، لكنّني قلتُ إنّ هاروت ووليّ العهد قد يعترضان إن فعل.
لحسن الحظّ، ما إن ذكرتُ الاثنين حتى اقتنع بثلاث مرّات.
إن كان يعاني من ألم يشبه الضرب بمطرقة على الرأس، فأنا أفهم الآن لماذا أصبح شخصيّته معطوبة هكذا، ولماذا يتمسّك بي.
لكنّ سؤالًا واحدًا ظهر في ذهني، فلم أستطع أن أشفق عليه ببراءة تامّة.
أليس السبب في وقوع أشيريل في حب بطلة الرواية الأصليّة هو أنّها تزيل آلامه؟
إن كانت هي أكثر فائدة، فسيفقد اهتمامه بي حتماً، لذا لن أفتح أبدًا ذلك الصندوق المدفون في أعماق قلبي.
«سأذيب ماناي في محلول خاصّ وأعطيك إيّاه. إن شربتِ كثيرًا دفعة واحدة فقد يصيبكِ ضرر، لذا يجب التحكّم في الكميّة.»
«حسنًا.»
«وإن اختلطت مانا أخرى بمانا لم تستقرّ بعد، فلن تستطيعي استخدام السحر أبدًا، فلا تفكّري بفعل شيء مع ذلك الوغد هاروت.»
«هذا صحيح فعلًا، أليس كذلك؟ أم أنّك تقوله خوفًا من أن أصبح صديقةً لدوق ستيا؟»
رفع أشيريل يده اليمنى وتمتم بشيء. فجأة لمع ضوء ذهبيّ ثم اختفى.
«قسم بالحقيقة.»
متى سأتمكّن من فعل شيء كهذا؟
بينما كنتُ أحدّق بذهول في بقايا الضوء الذي اختفى، نقر أشيريل خدّي برفق.
«لكن يا ليز، هل ستظلّين رسميّة هكذا حقًّا؟ كنتِ تبتسمين لي كثيرًا في السابق.»
بالطبع، لأنّك كنتَ صديق صاحب عملي، وأنا مجرّد خادمة!
بالتأكيد لا يزال الفارق بين قويّ خارق وضعيفة كما هو، لكنّ وجود شيء يمكنني مبادلته معه يمنحني بعض الراحة.
«ابتسامتي لن تزيل ألمك يا دوق، فما الفرق؟»
«هذا صحيح، لكن…»
تألمتُ قليلًا من تأكيده الصريح.
«ومع ذلك، أفضّل أن تبتسمي لي.»
أشيريل الذي يسند ذقنه ويحدّق بي هكذا كان جميلًا بشكل غير ضروريّ، فكدتُ أبتسم لكنّني تمالكتُ نفسي.
«لكن هذا غير عادل. أنت من يقرّر ذاتيًّا إن كانت حالتك كما هي أم تحسّنت. إن كذبتَ، كيف سأعرف؟»
«اكتشفتِ ذلك الآن فقط؟»
أشيريل الذي يبتسم ابتسامة عريضة كان مزعجًا وجميلًا بشكل مفرط.
«أقسم بالحقيقة أنّني سأقول الصدق.»
«لا أريد.»
رسم أشيريل عينيه كالهلال وشبك أصابعه بيده اليمنى.
«أليس خطأكِ يا ليز أنّك لم تلاحظي مبكّرًا؟»
رغم أنّه يمسك يدي لسبب، إلّا أنّ قلبي لم يفهم الرسالة وبدأ ينبض بسرعة، فأحرجني ذلك.
«قلنا إنّنا سنبدأ بأطراف الأظافر.»
سحبتُ يدي بسرعة، فحوّل أشيريل عينيه إلى شقّين.
«يا ليز، أنا أعاني حقًّا الآن. تظنّين أنّه صداع فقط؟ إنّه شعور بأن إبرًا تخزّ جسدي كلّه باستمرار. وكأنّ أحدًا يقطع أوتاري أحيانًا.»
«إذن اليوم فقط. اليوم فقط سنمسك الأيدي.»
«لا أريد.»
عبستُ، لكنّ أشيريل لم يتراجع.
«حتى الأظافر لها مفعول، لكن يجب لمس مساحة أوسع كي يدوم التأثير أكثر، لذا لا يمكن.»
ماذا؟ إذن كان يعرف كم يجب اللمس وكم المساحة اللازمة، ومع ذلك تظاهر بالجهل؟
تنهّدتُ ومددتُ يدي، فأمسكها الطرف الآخر بكلتا يديه كمن كان ينتظر ذلك.
«بالمناسبة ليز، ماذا لو أصبحتِ دوقة ديلات؟ فكّري في الأمر جديًّا.»
مع التكرار، بدأتُ أشعر بمدى قيمة قدرتي لأشيريل، لكنّني خفتُ بنفس القدر.
ماذا لو ظهر شخص آخر يملك قدرتي؟
«سأرفض.»
في حياتي السابقة، خرجتُ من بيت عمّتي متظاهرةً باللامبالاة، لكنّني بكيتُ كثيرًا ذلك اليوم. كنتُ أظنّ أنّ عمّتي – آخر عائلتي المتبقيّة في هذا العالم – كانت طيّبة معي دون سبب، فحزنتُ جدًّا عندما اكتشفتُ السبب.
عندما طلبت المال، رفضتُ بصراحة، لكنّني كنتُ متردّدة داخليًّا.
ألا يمكنني إعطاءها بعد خصم رسوم الفصل الدراسيّ الأوّل؟ إن نجح عمل عمّي، يمكنني طلب الرسوم لاحقًا.
لو اعتذرتْ لي ولو ظاهريًّا بعد أن طلبت المال، لكنتُ أعطيتُها كلّ التأمين.
وبعد ذلك، كنتُ سأُرمى لأنّني لم أعد نافعة.
«أنا أحبّ ليز. وليز تحبّني أيضًا، أليس كذلك؟»
«كلّا، أنا لا أحبّك يا دوق.»
«وكلّ الابتسامات التي منحتِني إيّاها حتى الآن؟ لماذا كنتِ تبتسمين؟»
«لأنّ وجهك وسيم.»
لا أريد أن أُترك مرّة أخرى.
لا أريد أن أمنح قلبي لأحد وأتأذّى.
لذا لن أحبّ أحدًا بصدق مهما كان الأمر.
«يسرّني أنّ وجهي يعجبك. هل أجرب إغراءك بجسدي بعد ذلك؟»
«إن كنتَ ستستمرّ في قول الهراء، فارجع.»
«تبدين واثقة لأن هاروت ووليّ العهد خلفك، لكن ماذا لو حملتُكِ على ظهري وهربتُ الآن؟»
ها قد كشف هذا الوغد أخيرًا عن نواياه الخبيثة!
شعرتُ حقًّا أنّني قد أُخطف، فاخترتُ كلماتي بحذر، لكنّ أشيريل تراجع خطوة أوّلًا بشكل غير متوقّع.
«حسنًا، لن أفعل. فلا تحدّقي هكذا.»
فرك إصبعه الطويلة بين حاجبيّ.
«عندما تنظرين إليّ بنظرات كراهية، أشعر بضيق. بل بالأحرى… أشعر أنّ طاقتي تنفد.»
همس أشيريل وهو يخفض رموشه الطويلة كطفل فقد أمّه.
«سأحاول ألا أفعل ما تكرهينه، فلا تكرهيني.»
أمسك أشيريل يدي بهدوء لنحو عشرين دقيقة ثم غادر قصر الكونت كايدن.
***
بعد أن غادر قصر الكونت كايدن، توجه أشيريل إلى قصر الساحر الأعظم غريتون في شرق العاصمة.
كان ظهور أشيريل فجأة أمرًا يحدث أحيانًا، فلم يتفاجأ الساحر العجوز. لكنّ مظهره الذي يبدو خاملًا بعض الشيء كان غريبًا جدًّا.
«كنتُ على وشك شرب الشاي، هل تشرب معي؟»
«نعم. أعطني كأسًا.»
قدّم غريتون لأشيريل شايًا مرًّا مستخلصًا من عشبة مستوردة حديثًا من الشرق. كان يريد معرفة مدى مرارته.
أعدّ غريتون شاي البابونج لنفسه، وهو يراقب أشيريل بقلب يدقّ من الحماس.
عادةً كان أشيريل سيلاحظ فورًا ما في كأسه، لكنّه رفع الكأس بذهول.
في اللحظة التي تحرّك فيها حلق أشيريل، قبض غريتون قبضتيه من النشوة.
«آغغغ، مرّ!»
بصق أشيريل الشاي فورًا وحطّم الكأس.
«ما الذي وضعته فيه، أيّها العجوز اللعين!»
«ههههههه! لم أكن أظنّ أنّني سأرى يومًا تهزم فيه! هاهاهاهاها!»
ضحك غريتون بجنون وهو يدفع كرسيّه إلى الخلف رويدًا. توقّع أن يحطّم التلميذ الطاولة انتقامًا، لكنّه اكتفى بتنهيدة مزعجة فحسب.
«ما الذي حدث؟ هل هناك شيء فعلًا؟»
أمام سلوك تلميذه الذي يراه لأوّل مرّة، أعدّ غريتون شاي أعشاب حقيقيًّا، وأخرج قطعة من كعكة التوت المخبأة بعناية.
نظر أشيريل إلى مقطع الكعكة المزيّن بالكريمة والتوت، ثم تنهّد مجدّدًا.
«هي أيضًا تحبّ الكعك. هل ستفرح لو أحضرتُ لها كعكة توت؟»
«هي؟»
«تلميذتي.»
«لقد أخذتَ تلميذًا؟»
انتقل غريتون فورًا أمام أشيريل بعينين لامعتين.
«ابتعد، إنّه أمر مزعج.»
«كنتُ أتوسّل إليك أن تأخذ تلميذًا ولم تستمع! انتظر، ألم يكن هناك شخص قلتَ إنّك تريد رؤيته سابقًا؟ هل مللتَ منها بالفعل؟»
«هي هي تلك الفتاة.»
نقر غريتون بلسانه قائلًا: «كما توقّعت منك»، ثم لمعت عيناه.
«أوهو، يبدو أنّ هناك تقدّمًا.»
«لا يوجد.»
ظهرت علامة استفهام فوق رأس غريتون.
«قالت إنّ علينا بناء الثقة أوّلًا، فظننتُ أنّها تقصد أن نصبح عشّاقًا، لكنّها رفضتْ حتى عرض الزواج الذي قدمته كي أحتفظ بها.»
«أيّها الأحمق، يجب أن تبني الثقة ثم تصبحان عشّاق!»
«هكذا؟»
مالت رأس أشيريل، فتمايل شعره الجميل.
«لكنّني كشفتُ لها أكبر أسراري، ومع ذلك قالت إنّها تكرهني.»
«حقًّا…؟»
لو كان سرّ شخص عاديّ لما اهتممتُ، لكن أكبر سرّ لأشيريل… شيء فضوليّ ولا أريد معرفته في الوقت نفسه.
أكبر سرّ له قد يكون شيئًا مثل «هوايتي السريّة هي قطع رقاب البشر الأحياء».
«قلتُ لها إنّني سأعطيها كلّ شيء، ومع ذلك رفضت.»
مع وجهه وقدراته ومنصبه، لا يوجد من لا يقع في غرامه.
«تلك الآنسة… أي تلميذتك، إنسانة فعلًا، أليس كذلك؟»
خاف غريتون أن يكون الشخص الذي وقع فيه تلميذه سمكة في أعماق البحر، فسأل بحذر.
«أجل. سيدة لطيفة ومحبوبة جدًّا.»
«أوهو، إن كانت سيدة فهناك أمل. سأعطيك نصيحة خاصّة من أجلك.»
أنّ الساحر الأعظم غريتون، قبل خمسين عامًا، كان أفضل عريس في المجتمع، لكنّه كان فاشلًا في الحبّ إلى درجة أنّ الإمبراطور الأقلّ وسامة وشعبيّة منه سرق منه الفتاة التي أحبّها.
التعليقات لهذا الفصل " 43"