عند سماع خبر أنّ قائد الفرسان تقدّم بإجازةٍ طويلة، توتّر وليّ العهد لكنّه لم يتمكّن من التحرّك تعسّفيًّا.
رغم أنّه صنع نقطة ضعف للأمير الثالث، إلّا أنّ موقفه لم ينخفض بعد إلى درجة تسمح له بترك مكانه.
«اللعنة.»
تفوّه بكلامٍ قاسٍ لا يليق بطبعه اللطيف.
كان قد تلقّى خبرًا بأنّ هناك من يعرف أمر امرأةٍ مشابهة في الوصف خلف الحدود الجنوبيّة، في الدوقيّة.
وبعد فترة قصيرة، سمع أنّ شخصًا يُعتقد أنّه قائد الفرسان مرّ من بوّابة العاصمة الجنوبيّة، فمن الواضح أنّ دوق ستيا تلقّى خبرًا مشابهًا.
كلّما مضغ الأيّام التي قضاها مع المرأة الحكيمة ذات الطباع الرقيقة والعيون اللطيفة، أصبحت الذكريات أكثر وضوحًا في ذهنه.
<لو كان الأمر حدث بين عامّة مثلي، لكنتُ أمسك رأس أخي الصغير وأطرده خارج المنزل دون اكتراث. سواء تحوّل المنزل إلى فوضى أم لا. لكنّ عائلة السيّد كبيرة جدًّا، وهناك الكثير من التابعين، لذا أعتقد أنّ هناك أوقاتًا يجب فيها التفكير بعقلانيّة رغم الألم.>
هل هذا كلامٌ يمكن أن تقوله خادمة تبدو صغيرة السنّ بعد؟
لا.
قال له الماركيز غيلين، أقرب المقرّبين، إنّ العائلة الإمبراطوريّة يجب أن تحتوي النبلاء والشعب معًا وتحكمهم، لذا يجب التفكير بعقلانيّة.
إذا تصرّف بعاطفة واصطدم بالإمبراطورة الجديدة والأمير الثالث، فستنخفض هيبته كوليّ عهد، وقد تنقسم العائلة الإمبراطوريّة.
سمع هذا الكلام منذ الطفولة، فظنّه طبيعيًّا…
التفكير بعقلانيّة والتعامل مع الإمبراطورة الجديدة والأمير الثالث بهدوء أفضل للعائلة الإمبراطوريّة والإمبراطوريّة، أليس كذلك؟
«بالطبع لن أعيّن تلك الخادمة فورًا، لكنّني أريد سؤالها بعض الأمور الأخرى…»
بما أنّها خادمة يقدّرها الدوق، فمن غير المحتمل أن يتركها بسهولة، فازداد توتّره.
سخر من دوق ستيا قائلًا إنّه لا يعرف قيمتها، لكنّه ربّما كان يعرف بالفعل.
«لو كانت قوّة روحي أقوى قليلًا، لتمكّنتُ من العثور عليها بسهولة.»
كان يشعر بالأسف أكثر من أيّ وقتٍ مضى لأنّه متعاقد مع ملك أرواح الرياح لكنّه يستطيع استخدام قوّة محدودة فقط.
«أرجوكِ، ليجد الشخص الذي أرسلته أوّلًا…»
مشى وليّ العهد في الغرفة بخطى متوترة.
***
حان يوم التنزّه مع سار. ارتديتُ ملابس على طراز أراهين اشتريتها منذ زمن بدلًا من زيّ المقهى، فشعرتُ بالحماس بعد وقتٍ طويل.
«أختي!»
كنتُ أنتظر قرب المقهى الذي أعمل فيه، فركض سار نحوي.
«وااه، بنيّ حقًّا!»
كنتُ قد أخبرته بلون شعري الأصليّ.
«غريب؟»
«لا، يناسبكِ جدًّا. تشبهين السناجب!»
…هكذا إذن.
«اركبي، أختي.»
كان سار قد أعدّ حتّى جملًا. الجمال وسيلة نقل مفيدة في الصحراء، تبدو شائعة لكنّها غالية.
ابن اتحاد تجاريّ ثريّ، يبدو أنّه كذلك حقًّا.
هناك علامة على أنّه جمل شخصيّ. وهناك دليل أيضًا!
للاحتياط، تحقّقتُ ممّا إذا كانت الكرة التي أعطاني إيّاها أشيريل في صدري. بغضّ النظر عن ثقتي بسار، فقد أواجه موقفًا خطيرًا.
«أختي، لحظة.»
غطّاني سار برداءٍ أعدّه.
«قد تدخل الرمال في الفم، هذا أيضًا.»
ثمّ علّق شيئًا مثل غطاء وجه رقيق على فمي. عندما نظرتُ، كان سار قد غطّى فمه بقماش أيضًا.
«إلى أين سنذهب؟»
«مكان غريب في الصحراء، لكن لا أعرف إن كان سيعجبكِ.»
بدى سار متوترًا جدًّا، فطمأنته قائلة إنّ أيّ مكان سيكون جيّدًا.
كان صادقًا.
خروج بعد وقتٍ طويل، يثير الحماس حقًّا.
سلّمتُ نفسي لإرشاد سار. عندما استرخيتُ، اهتزّ جسدي بشكلٍ لطيف مع حركة الجمل.
كان ظهر الجمل عاليًا جدًّا، فكان يُرى بعيدًا، والشعور الذي يعطيه الصحراء الواسعة المصنوعة من الرمال الحمراء غريب.
كنتُ أعرف أنّني إنسان تافه أصلًا، لكنّني شعرتُ أنّني أصبحت أكثر تفاهة. همم، لا يبدو أمرًا جيّدًا.
«هنا.»
المكان الذي وصلناه كان حديقة نباتيّة.
«حديقة نباتيّة في الصحراء مكان غريب جدًّا، لكن لا أعرف إن كانت ستعجبكِ لأنّكِ من الإمبراطوريّة. النباتات تنمو جيّدًا في الإمبراطوريّة.»
«رائع حقًّا!»
الحديقة النباتيّة الداخليّة التي خطوتُ فيها كانت أبرد بكثير من الخارج، ربّما بسبب إجراء سحريّ.
ليس باردة، بل درجة حرارة مثاليّة لنمو النباتات مقارنة بالخارج الذي يموت فيه المرء من الحرّ.
«لم أتوقّع رؤية مثل هذا في وسط الصحراء.»
عندما دارتُ رأسي، رأيتُ الرمال تتطاير خارج الحديقة الزجاجيّة.
النباتات الخضراء التي تتناقض مع الرمال الحمراء تعطي شعورًا غريبًا ومميّزًا.
كأنّني دخلتُ عالم حكاية خرافيّة. نعم، شعور مشابه لما شعرتُ به في ليلة القدّيس ميكايل.
الثريّات الفاخرة والأضواء المنعكسة على الجواهر البرّاقة، السيّدات النبيلات اللواتي يبتسمن بأناقة والسيّدات الذين يمدّون أيديهم إليهنّ.
مجرد النظر من الخارج جعلني أشعر كأنّني أميرة تطفو في الهواء. وعندما مدّ الرجل ذو الشعر الفضّي يده إليّ…
التعليقات لهذا الفصل " 28"