«يبدو أنّ رئيسة الخادمات تتمنّى أن أبقى هنا إلى الأبد. لم أكن أعلم أنّها تحبّني إلى هذا الحدّ.»
ابتسمتُ ابتسامةً عريضةً متعمّدة.
«إذا كانت رئيسة الخادمات تريدني، فسأبقى هنا.»
نظرتْ إليّ رئيسة الخادمات بنظرةٍ تقول إنّها تسمع أبشع الكلام، ثمّ انتزعت رسالة الاستقالة بسرعةٍ خاطفة. ثمّ أخرجت شيئًا من الدرج ووضعته أمامي بقوّة.
«هذه مكافأة نهاية الخدمة. وضعتُ فيها مبلغًا كافيًا، فتحقّقي منها.»
في الكيس الصغير كان هناك خليط من العملات الذهبيّة والفضّيّة.
«سأخبر رئيس الخدم بنفسي، فما عليكِ إلّا أن تحزمي أغراضك وترحلي. أنتِ تعلمين أنّ مكافأة نهاية الخدمة أقل من هذا عادةً، أليس كذلك؟»
كان معناها: ‘إذا أخبرتِ رئيس الخدم، فسوف يُسلب منكِ هذا المال’.
وبما أنّ رئيس الخدم يستطيع أن يثنيني عن الاستقالة، فمن الطبيعي أنّني لم أكن أنوي إخباره أبدًا.
«نعم، فهمتُ. وبالمناسبة، هلّا ختمتِ هنا؟»
كتبتُ نسخةً أخرى من رسالة الاستقالة، وختمتها، ثمّ تقاسمتُها أنا ورئيسة الخادمات بوئام، نسخة لكلٍّ منّا. بمجرّد أن قدّمتُ الاستقالة لها وحصلتُ على الختم، أصبح هروبي قانونيًّا.
كانت سعادتها كبيرةً إلى درجة أنّها لم تتحقّق حتّى ممّا كان عليّ فعله.
وأنا، الفتاة المسؤولة، كنتُ قد أنهيتُ مهامي الموكلة إليّ منذ الصباح، فقرّرتُ المغادرة فورًا.
ذهبتُ إلى الغرفة وحملتُ أغراضي التي كنتُ قد أعددتُها مسبقًا، فجاءت مينا. نظرتْ إلى عينيّ وسألتني:
«إلى أين أنتِ ذاهبة؟»
« سأستقيل.»
«ماذا؟ تستقيلين؟»
وداعًا أيتها الرفيقة المزعجة!
«حقًّا تستقيلين؟»
«أجل.»
«لماذا؟ لا يوجد مكان آخر بشروط عمل جيّدة مثل هنا.»
كأنّها نسيتْ الفترة التي كانت تتجنّبني فيها، واصلت مينا طرح الأسئلة. بدت سعيدةً في قرارة نفسها، فانخفض مزاجي.
«لديّ أمرٌ ما.»
«هل بسببي؟ لأنّني… سبّبتُ لكِ الإحراج؟»
لكنّ مينا، كأنّ إحساسي بالضيق وهمٌ، أمسكت بي وبدأت تبكي.
«آسفة، ليز. ذلك القلادة كان ثمينًا جدًّا بالنسبة لي… لذلك دون أن أشعر…»
تمسّكتْ بي رفيقة الغرفة بعناد، وهكذا لن أتمكّن من مغادرة القصر حتّى تغرب الشمس.
إذا تردّدتُ ولقيتُ رئيس الخدم، سيكون الأمر مزعجًا، فاضطررتُ آسفةً إلى استخدام طريقةٍ متطرّفة.
«في الحقيقة، لديّ شخص يجب أن ألتقي به.»
ادّعيتُ تعبيرًا جادًّا وأرخيتُ كتفيّ.
«من؟»
«شخص أحبّه.»
«يا إلهي، هل لديكِ شخص وعدكِ بالمستقبل؟»
«أجل. قال إنّه استقرّ في المقاطعة، فأنوي الذهاب إليه. المكان سرّ، فلا تسألي.»
عندما اختلقتُ الأمر، صدّقتني مينا ولم تحاول منعي بعد الآن.
«أتمنّى لكِ حبًّا جميلًا. لا تنسي التواصل أحيانًا. لا، بل أتمنّى أن تكوني سعيدةً إلى درجة أنّني لا أخطر ببالكِ أصلًا.»
بل ابتسمت ابتسامةً عريضةً ودفعتني من ظهري كي أرحل بسرعة.
كأنّها كانت تنتظر رحيلي، لكنّني لم أكن أملك الوقت لأهتمّ بمثل مينا، فحملتُ أغراضي القليلة جدًّا وخرجتُ من البوّابة المهيبة.
بواسطة رسالة استقالة واحدة وحفنة من الأغراض، انتهى أمري أنا وهاروت.
الشيء الوحيد المؤسف هو أنّني لم أعثر بعد على الدبّوس الذي أعطاني إيّاه أشيريل.
«في النهاية لم أجده…»
كان جميلًا، يا للأسف.
نظرتُ نظرةً خاطفة إلى البوّابة الضخمة ثمّ أسرعتُ الخطى.
الخطّة هي الخروج من العاصمة اليوم مباشرةً والابتعاد قدر الإمكان. سأترك قصر الدوق المقرف، وبعد فترة قصيرة،
الإمبراطوريّة التي ستتحوّل إلى ساحة حرب.
الحرّيّة!
أنا حرّة!
شخصية اضافية حرّة!
💿 💿 💿
عاد هاروت بعد أن قضى على الوحوش بأمر الإمبراطور، فكان سعيدًا بوصوله إلى القصر بعد غياب طويل.
للدقّة، كان يشتاق بشكلٍ مرضيّ إلى شخصٍ ما في هذا القصر. أراد الذهاب إليه فورًا، لكنّه تمالك نفسه.
سيغتسل من الأوساخ، ويظهر بوجهٍ نظيف يحبّه ذلك الشخص، ثمّ يقدّم الهديّة التي أعدّها ويعترف.
سأل هاروت رئيس الخدم عن مكان ريليز وهو يكبح حماسه.
«ماذا تفعل ليز الآن؟»
«في هذا الوقت، إمّا أن تكون قد أنهت عملها في مغسلة الملابس أو في المطبخ.»
رئيس الخدم الذي يروي الحقيقة دائمًا أضاف كلمة بحذرٍ وهو يراقب مزاج سيّده.
«هل أحضرها؟»
«نعم.»
انحنى رئيس الخدم وقال إنّه سيحضرها بنفسه ثمّ خرج من المكتب.
تمتم هاروت باسم من يشتاق إليه وهو وحيد.
«ليز…»
كان غاضبًا لأنّها قبلت أشيريل ديلات، فجعلها تعاني، لكن مع كلّ يوم يمرّ أدرك أكثر.
حتّى لو كانت قد ارتبطت بأشيريل ديلات، فإنّه كان سيغفر لها مهما حدث.
«لا يمكنني إلّا أن أغفر لكِ مهما فعلتِ.»
بل على العكس، سيضمّها بقوّة أكبر ولن يتركها. منع دخول أشيريل إلى قصر ستيا الدوقيّ لم يكن كافيًا، فلن يسمح لها بمغادرة القصر مجدّدًا.
«ليز، ليزي لي.»
أثناء غيابه عن العاصمة والقصر لقمع المتمرّدين، أدرك بشكل أوضح.
مدى رغبته في ريليز، ومدى حبّه لها.
تذكّر الخادمة الصغيرة التي كانت ترتعد عند كلّ كلمة يقولها، فتألّم قلبه.
«أتمنّى أن تعجبك هديّتي.»
وأخيرًا، اكتشف حقيقةً مهمّة جدًّا.
أنّ ريليز كانت ترتجف أمام أبواب قصر الدوق المغلقة لأنّها مجرّد خادمة، وأنّها سُحبت بسهولة إلى أشيريل ديلات لأنّها عامّيّة.
أدرك هذا متأخّرًا.
والحلّ الوحيد لكلّ هذا هو أن تصبح ريليز نبيلة.
لذا، في طريق عودته بعد تنفيذ أمر الإمبراطور، مرّ على تابعٍ بلا أولاد وجعله يتبنّى ريليز كابنة.
أصبحت ريليز نبيلةً على الأوراق، ولم يعد هناك ما يعترض طريقهما.
كان هاروت يخطّط لطلب يدها فور وصوله إلى العاصمة، والآن حان وقت التنفيذ.
«سيّدي.»
عندما عاد رئيس الخدم إلى المكتب، قام هاروت فرحًا، لكنّه عبس عندما رأى رئيسة الخادمات بدلًا من الشخص المنتظر.
التعليقات لهذا الفصل " 24"