الفصل 122

 

«أنا من قطّع عالم البشر إلى دولٍ عديدة».

 

بدأت الكتلة السوداء تتلاشى تدريجيًا كأنّها ضباب.

 

«بما أنّ الموت لا يمكن إزالته تمامًا، تركني مكايل حيًّا وأخفى طريقة الحلّ بين البشر. بحيث لا يمكنهم معرفتها إلّا إذا اجتمعوا وتعاونوا».

 

إذًا لهذا السبب مزّق روح الفوضى العالم إلى دول.

 

كي لا يتمكّن الناس من هزيمته.

 

«سخرتُ من كلام مكايل القائل إنّ البشر سيتعايشون متعاونين…».

 

واصل الأربعة رجالٌ صامتين هجومهم على روح الفوضى. بدا الهجوم عديم الفائدة، لكنّه كان يؤتي ثماره بثبات، فأصبح روح الفوضى يتلاشى بشكلٍ واضح.

 

«لقد هُزمتُ».

 

زفر الصوت الخشن حسرة.

 

بدأت العينان السوداوان تتلاشيان، ثم فجأة أصبحتا أكثر سوادًا.

 

«هل أخبركِ بحقيقةٍ ممتعة؟»

 

كان روح الفوضى يحدّق بي تمامًا.

 

«حتّى لو قطعت الكائنة الاستثنائية حياتها، فلن تتمكّن من إيذائي. بل على العكس، ستصبح روح الكائنة الاستثنائية مجرّد غذاءٍ لي».

 

ماذا؟ كدتُ أضحّي بحياتي عبثًا؟

 

فجأة غمرتني موجة غضب.

 

«ههه…».

 

ضحك روح الفوضى كأنّه مستمتع، ثم بدأ جسده يتفتّت كالرماد. لكنّه تبدّد في الهواء دون أن يترك أثرًا في العالم.

 

«انتهى…».

 

لم أصدّق للحظات، فالتفتُ حولي…

 

«كيااااك!»

 

من خلف الجدار الذي بدأ ينهار للتو، التقت عيناي بعيون وحش.

 

«كيف يجرؤ وحشٌ تافه على تخويف ليز؟»

 

أصبح أشيريل قادرًا الآن على استخدام السحر بحرّية تامّة، فأحرق الوحوش، وتحرّك هاروت بسرعةٍ فائقة.

 

مع خروج الاثنين القويين، تمّت تصفية الوحوش بسرعة، وقرّرنا التوجّه إلى الثكنة المُقامة في الشمال.

 

«ماذا سنفعل بهذه المرأة؟»

 

«نتركها هنا؟»

 

كان سار يشير إلى ناديا ديبير التي لا تزال مدفونة في الثلج، وأجاب أشيريل بلا مبالاة وهو يحملني.

 

«أوهو، طلبت من ماركيز ديبير أن يعطيك ناديا دييير كشيءٍ يخصّك، والآن تتخلّص منها؟»

 

«إذا أردتَ أن تأخذها، فتسعة أعشار ما ستحصل عليه ملكي».

 

لاحظ أشيريل نوايا تينس فقال كلمة سريعة.

 

«تسعة أعشار كثير جدًّا! خمسون بالمئة».

 

«تسعة أعشار».

 

«ستة أعشار، يا دوق ديلات».

 

تشاجرا أشيريل و تينس وهما يتبعان هاروت الذي تقدّم أمامهما.

 

«هل أنتِ بخير، يا ليز؟»

 

اقترب سار منّي وأنا في حضن أشيريل وسأل قلقًا.

 

ناداني «ليز»، لكن بما أنّنا لسنا في مناسبة اجتماعية، فسأتجاوز الأمر.

 

«لا تنادي زوجتي باسمها العاري».

 

حسنًا، ثار أشيريل فورًا.

 

«ها…».

 

ضحك سار ضحكة فارغة كأنّه مذهول، لكنّه هزّ رأسه موافقًا.

 

«ريليز، هل جسدكِ بخير؟ ما الذي كنتِ تفكّرين فيه لتذهبي وحدكِ إلى الشمال…!»

 

«نعم! ليز، هل تثقين بنا إلى هذا الحدّ القليل؟»

 

انضمّ هاروت الذي كان يتقدّم إلى الوعظ، فدفنتُ رأسي في عنق أشيريل وكأنّني لا أريد سماع شيء.

 

«زوجتي متعبة، فابتعدوا جميعًا».

 

كالعادة، تخلّص أشيريل من المزعجين بنفسه، ونمتُ حقًا وأنا مستندة إليه.

 

💿 💿 💿

 

عندما فتحتُ عينيّ مجدّدًا، رأيتُ سقفًا مألوفًا.

 

«استيقظتِ، يا ليز؟»

 

ابتسمتُ للرجل الذي يمسح خدّي بلطفٍ ويبتسم بحنان.

 

«صباح الخير، أشيريل».

 

مددتُ يديّ، فرفعني أشيريل وأجلسني على ركبتيه. استندتُ إلى حضنه المألوف وحدّقتُ في الفراغ، ثم تذكّرتُ حقيقة مذهلة.

 

«آه، لقد عدتُ من الشمال».

 

«نعم، اليوم الثالث منذ عودتكِ من الشمال. كنتُ أبدأ أفكّر ماذا أفعل لأنّ ليز لم تستيقظ».

 

هل نمتُ كلّ هذه المدّة؟

 

«بالمناسبة، كيف انتهى الأمر؟»

 

«بماذا؟»

 

«وضع الشمال، والناس الذين شاركوا في الحملة».

 

«لماذا تهتمّين بذلك؟»

 

غمز أشيريل خدّي بلطف، لكنّه شرح الوضع بحنان.

 

قال إنّ روح الفوضى لم يعد يظهر، لكنّ الوحوش المتحوّلة لا تزال تظهر، لذا تبقى فرقة القضاء على الوحوش متمركزة في الشمال.

 

وتمّ استدعاء هاروت كقوّة إضافية، بالإضافة إلى المزيد من السحرة.

 

«يبدو أنّهم على تواصل وثيق مع أراهين أيضًا. على ما يبدو، تحرّك الأمير هناك».

 

«آه، يجب أن أشكر سار».

 

«لماذا؟ لو بقي روح الفوضى حيًّا، لدمّر أراهين أيضًا، فهو فعل ما هو طبيعي».

 

«قبل أن يخبرني روح الفوضى، كان الجميع يظنّون أنّه يكفي أن أضحّي بحياتي فقط. ومع ذلك ساعدني دون تردّد».

 

حتّى لو كان يساعدني، لم يكن هناك أيّ منفعة لسار في ذلك الوقت.

 

شعرتُ بسعادة لأنّ كلام سار بأنّني صديقته كان صادقًا.

 

همم، يجب أن أشكر هاروت أيضًا، لكنّني متعبة منه قليلًا…

 

«حسنًا، فهمتُ. سأشكره أنا، فلا تقلقي يا ليز».

 

بدت تصرّفات أشيريل المفاجئة مشبوهة، لكن بما أنّه أعدّ هدية جيّدًا سابقًا، سأثق به.

 

«الأهمّ الآن أن ترتاحي يا ليز تمامًا. آه، هل نأكل أولًا؟»

 

كان أشيريل دائمًا يدلّلني، لكنّه يؤكّد على الراحة أكثر من المعتاد.

 

«أنا متعبة لكنّني بخير. لم أصب بالزكام حتّى».

 

«بالطبع لا يجوز أن تصابي بالزكام!»

 

لم أقل إنّني أشعر بالبرد، ومع ذلك لفّني بالبطانية بإحكام، أليس أشيريل يبالغ في الحماية أكثر؟

 

«أشيريل، هل هناك شيءٌ غير طبيعي بي؟»

 

هل تأثّرتُ سلبًا من روح الفوضى؟ كنتُ متعبة، لكن نومي أكثر من يومين غريب.

 

انظر، أشيريل ينظر إليّ بنظرة غامضة.

 

تنفّستُ عميقًا كي لا أتفاجأ مهما قال صدمة.

 

«يقولون إنّ هناك حياة جديدة في بطن ليز».

 

«نعم؟»

 

لكنّ عزمي ذهب سدى، فقفزتُ من مكاني كأنّني ارتدّيتُ زنبركًا. ربّت أشيريل على ركبتيه فجلستُ عليهما فورًا.

 

«كثرة النوم والتقلبات المزاجية، كلّها بسبب الطفل في بطنكِ».

 

لمستُ بطني، لكنّه لا يزال مسطّحًا فلم أشعر بشيء.

 

«صراحة، لم يكن لديّ ذكريات طيّبة عن والديّ، ولم أرغب يومًا في العيش مدى الحياة مع أحد. لذا لم أفكّر في الأمر، لكن لو كان طفلًا يشبه ليز، فسيكون رائعًا».

 

كلامٌ مؤثّر، لكن هناك نقطة يجب توضيحها.

 

«أنا أفضّل لو كان الطفل يشبه أشيريل».

 

«لماذا؟ لو شبهكِ سيكون لطيفًا جدًّا».

 

«لو شبهني، سيُقال عنه إنّه يشبه سنجابًا فقط، أليس كذلك؟ من الأفضل أن يشبه أجمل رجل في العالم، أشيريل!»

 

«أحبّ أن تعجبي بوجهي يا ليز، لكنّني أتمنّى لو شبهكِ الطفل».

 

أجاب أشيريل بجدّية تامّة، وناقشنا حتّى غروب الشمس موضوع «من يجب أن يشبه الطفل».

 

سمعتْ معدتي قرقرة في المنتصف فأكلنا، لكنّ ذلك لم يوقف النقاش.

 

في أحد الأيام التي قضيناها نناقش نقاشًا عديم الفائدة ونرتاح تمامًا.

 

بعد حوالي أسبوع من استيقاظي، وصلنا اتصال من قصر وليّ العهد يطلب حضوري أنا و أشيريل معًا.

 

في قصر وليّ العهد، كان صاحب القصر تينس، بالإضافة إلى كلّ من هزموا روح الفوضى مجتمعين.

 

«شكرًا لقدومكم جميعًا».

 

بدى تينس الجالس في المقعد الأعلى في غاية السعادة.

 

«لقد تراجعت كارثة كادت تجتاح القارّة. كلّ ذلك بفضلكم جميعًا هنا».

 

قال إنّه سيعرض أسماء الأبطال الذين هزموا روح الفوضى قريبًا، وطلب حضورنا بالتأكيد.

 

ثم شرح المزايا والحصانات التي سيمنحها لعائلتي ديلات وستيا الدوقيّتين، وأنّ عائلة كايدن الدوقيّة التي أنتمي إليها ستحصل على معاملة أفضل ممّا هي عليه الآن.

 

أمّا معلم فهو كبير السحرة أصلًا، لكن سيُضاف إلى لقبه الرسمي «الحكيم قائد الوئام» وسيُمنح إقليمًا.

 

«وأدركتُ الآن أنّ طاعة إرادة حاكم والوئام بين البشر أمرٌ مهمّ».

 

اتّجهت نظرة تينس إلى سار.

 

«ستحافظ إمبراطوريتنا ومملكة أراهين على علاقة وثيقة في المستقبل. وبالطبع مع الدول الأخرى أيضًا».

 

«أتقبّل نية الإمبراطورية العميقة بكلّ سرور».

 

بدى سار مرتاحًا، فشعرتُ أنّ شيئًا جيّدًا يحدث.

 

«قبل الحفلة الاحتفالية في القصر الإمبراطوري، طلب جلالة الإمبراطور رؤيتكم. سيكون من الجيّد أن نلتقي به جميعًا مساء اليوم السابق للحفلة».

 

عندما أجاب الجميع بالموافقة، اعتذر تينس وهو يبتسم عن إبقاء الناس المشغولين، ثم قام.

 

أليس هو الأكثر انشغالًا؟

 

صحيح أنّ روح الفوضى اختفى، لكن هناك الكثير من الأمور التي يجب ترتيبها.

 

لكن تينس دائمًا مشغول، ويحبّ أن يكون كذلك، فسيتقبّل الأعمال بفرح.

 

حتّى خرجنا من قصر وليّ العهد، بدا هاروت هادئًا بشكلٍ نادر فاستغربتُ، ثم فتح سار فمه أوّلًا.

 

«أنا، سأعود إلى أراهين قريبًا.»