حاولت الإمبراطورة مسح وجهها بسرعة وهي في حالة ذعر، لكن الاحمرار لم يتلاشَ بسهولة.
فستانها الكريمي كان قد تخرّب منذ زمن.
«حتى لو لم تستطيعي الحفاظ على وقار الإمبراطورة، ما هذا التصرف؟!»
صرخ الإمبراطور أخيرًا، هو الذي كان يضحك ببساطة حتى عندما حاولتُ الهروب.
«إذا أخطأ الإنسان فعليه أن يندم! وبدل ذلك تخرجين وتكذبين ؟ أم ستعتذرين بأنكِ لم تكوني تعلمين؟ إذا كنتِ جاهلة فأغلقي فمك!»
وقف هاروت إلى جوار الإمبراطور كأنه يحميه. بدا أنه يشعر أيضًا بامتعاض شديد تجاه الإمبراطورة.
«كما قال دوق ديلات، الآثار القديمة التي لا يمكن التأثير فيها بالسحر تُسمى كنوزًا. هذا أمر أساسي كان يجب أن تعرفيه، وكشف جهلكِ به أمام الجميع يجعلكِ تفتقرين إلى كرامة الإمبراطورة.»
«…»
«هل لا يزال لديكِ شيء تريدين قوله؟»
ارتجفت شفتا الإمبراطورة وهي تنظر إليّ وإلى أشيريل.
«هل لا يزالين تدّعين أن القطعة التي بحوزة دوق ديلات مزيفة؟»
«لنتأكد.»
قرع أشيريل أصابعه، فظهرت «قلب الحكيم الطيب». ارتداها ثم مدّ الكأس نحو الإمبراطور.
«آه، لا يمكنني أن أجعل جلالة الإمبراطور أصلع.»
عندما اقتربت الكأس منه بدل الإمبراطور، حدّقت الإمبراطورة فيها بثبات، ثم انتزعته بوجه شرس ورشت محتواه على أشيريل.
لكن السائل ارتد كأنه اصطدم بشيء وطار نحو الإمبراطورة…
«كييييييييييييييك!»
وأزال شعرها الأحمر الكثيف الرائع.
«هل تريدين التجربة أيتها الأميرة أيضًا؟»
أجبر أشيريل يد الأميرة بالسحر على حمل كأس مليء بالنبيذ الأحمر.
«لـ… لا أريد!»
«ماذا؟»
«إذا رششته سأصبح صلعاء مرة أخرى!»
اختفى مظهر الأميرة المتغطرس كأنه سراب.
«رأيتم جميعًا؟ منعها من ارتكاب جريمة أخرى هو الوظيفة الإيجابية لـ«قلب الحكيم الطيب». هيا، ارشي بسرعة.»
بمجرد حركة من يد أشيريل، تحركت الكأس في يد الأميرة ورشت النبيذ خارجًا.
لم يقترب النبيذ من أشيريل بل ارتد عكسيًا…
«كيييييييييييييييك!»
وشكّل دملًا هائلًا على وجه الأميرة.
تراجع الحاضرون مذعورين من المشهد المرعب وهو ينتفخ في الوقت الفعلي، ولمست الأميرة وجهها ثم انهارت.
«هل هناك من يريد التجربة مرة أخرى؟»
«الجميع سيصدقك يا دوق. لكن… ألا يوجد طريقة لعلاج وجه الأميرة؟»
تنهد الإمبراطور بحزن على ابنته وأشار للفرسان ليساعدوها على الوقوف.
«إذا شربت من ينبوع مكايل ستُشفى. وأظن أن شعر الأميرة نما مجددًا بفضل ذلك الينبوع أيضًا.»
كنتُ أتساءل كيف نما شعرها بهذه السرعة في فترة قصيرة.
لكن كلمة «ينبوع مكايل» بدت وكأنها أثرت في الإمبراطور بمعنى آخر، فتجمد وجهه. ابيضّ وجه الإمبراطورة حتى فروة رأسها.
«هل تسللت الإمبراطورة سرًا إلى الينبوع المقدس؟»
«نعم، بالضبط.»
تدخل تينس بخفة، وهو بالتأكيد يرقص فرحًا في قلبه.
«ملك روح الريح أخبرني أن جلالة الإمبراطورة زارت الينبوع. لكن بما أنني لم أكن أعلم أنها تخطط لكل هذا ولم تُعزل بعد، نسيتُ إبلاغ جلالة الإمبراطور.»
أحني تينس رأسه لوالده.
«إنه تقصير مني يا جلالة الإمبراطور. لكنني لم أستطع طرد جلالة الإمبراطورة بسلطتي أو حتى الشك بها.»
الخلاصة: «يجب عزل الإمبراطورة من منصبها».
بالكاد أنقذها الإمبراطور من ورطة سابقة، فحفرت قبرها بيديها.
«أولًا، ثبت أن الجوهرة التي أحضرتها الإمبراطورة مزيفة. لا يبدو أن لديها شيئًا آخر تقوله، فعودي إلى قصر الإمبراطورة. سنُبلغكِ بالعقوبة لاحقًا، فلا تخرجي من قصرك حتى ذلك الحين!»
«لا يزال هناك خطأ آخر ارتكبته تلك الفتاة!»
«يا إمبراطورة!»
«صدقني يا جلالة الإمبراطور!»
دلكت الإمبراطورة رأسها الأصلع ثم أشارت إلى الأمام.
«آيزاك، تعال إلى هنا.»
دخل الأمير الثالث ذو المظهر الحزين إلى مكان اللقاء المضطرب، فأمسكت الإمبراطورة بذراعه.
«هذه الفتاة حاولت إيذاء آيزاك.»
«أنا…؟ لماذا سأفعل شيئًا كهذا؟»
«لأنها تحمل ضغينة تجاهي وتجاه الأميرة، فحاولت تسميم الأمير!»
أنتنّ كنتنّ تسقطن بسهولة إلى درجة لم أجد فيها وقتًا لأحمل ضغينة حتى.
وعلى أي حال، الذي جعل ابنكِ هكذا هو ولي العهد نفسه، أليس كذلك؟
بالطبع، لا يبدو أن مرتكب الجريمة ينوي الاعتراف أبدًا.
لا يستطيعون مهاجمة تينس حاليًا لأنه حليف، فاختاروا طريقة أخرى للخلاص أنفسهم. وليس لديهم دليل قاطع على أن تينس هو من سمّم الأمير الثالث أصلًا.
«لم أرَ صاحب السمو الأمير قط، فكيف سأسممه؟»
«رشوتِ خادمة في قصر الأمير وتنكرين الآن.»
«لم أفعل. من هي تلك الخادمة التي تقولين إنني رشوتها؟ هل لديكِ دليل؟»
هذه المرة لمعت عينا الإمبراطورة الحمراوين وكأنها أمسكت فريسة.
كانت ترتدي فستانًا فاخرًا، لكن رأسها الأصلع جعلها غير مخيفة على الإطلاق.
«لقد أمسكنا بالخادمة مسبقًا، يكفي إحضارها فقط. يا جلالة الإمبراطور، أرجو السماح بذلك.»
«أكثر من ذلك، تقولين إنكِ سممتِ آيزاك؟ أي نوع من السم؟»
«ذلك هو…!»
«يجب أن نعرف نوع السم حتى نحاسب انسة كايدن، ما نوعه ؟ أجيبي بسرعة يا إمبراطورة.»
كانت الإمبراطورة التي تنظر إليّ بشراسة قبل قليل تدمع عيناها الآن.
«سم يمنع الإنجاب! بعد شربه! آيزاك الذي شربه… جزء مهم من جسد آيزاك…»
«أمي!»
صرخ الأمير الثالث وقد احمرّ وجهه كالطماطم، فأغلقت الإمبراطورة فمها وبدأت تبكي. لكن تعابير من حولهم كانت غريبة.
كانت تحمل سؤالًا واضحًا: «لماذا على الإطلاق؟»
لأنني لن أستفيد شيئًا من إسقاط الأمير الثالث.
لكن الشك بحد ذاته لا يمكن تجاهله، فأحضروا الخادمة التي تحدثت عنها الإمبراطورة.
تحدث أشيريل الذي كان صامتًا إلى الإمبراطور.
«جلالة الإمبراطور، ماذا لو استخدمنا «جرعة قول الحقيقة»؟ الأمور تطالت كثيرًا.»
«إنها ثمينة جدًا، لكن في مثل هذا الموقف لا خيار آخر.»
أمر الإمبراطور فارسًا بجلب الجرعة من مختبر السحر.
«جلالتك، جرعة قول الحقيقة…؟»
«دواء طوره دوق ديلات، يُستخدم بكفاءة عالية لاستخلاص المعلومات من الجواسيس.»
بعد قليل، ظهر ماثيو حاملًا قارورة كريستال صغيرة جدًا تحتوي على سائل أزرق.
«أحيي جلالة الإمبراطور.»
«آه، شكرًا لمجيئك. اضطررت لاستدعائك رغم انشغالك لأننا بحاجة إلى هذا الدواء.»
ارتعش حاجب ماثيو بعد أن سمع القصة كاملة.
«هكذا نستخدم شيئًا ثمينًا إلى هذا الحد…»
كان واضحًا أنه يقول: «من أجل هذا الهراء».
«هل الجرعة صعبة التحضير؟»
«تحضيرها سهل، لكن المواد نادرة جدًا.»
همس أشيريل في أذني بحيث لا يسمعه أحد.
«واه!»
«يستحق أن لا نصنع منها الكثير، أليس كذلك؟»
«نعم، يا للأسف حقًا.»
تدخلت الإمبراطورة التي أصبح لون فروة رأسها مائلًا إلى الأزرق.
«ما الداعي لاستخدام دواء ثمين إلى هذا الحد؟ يكفي أن تحكي الخادمة ما رأته وسمعت.»
«لأنكِ أنتِ من تكررين كلمة الكذب مرارًا. فأغلقي فمك قبل أن أجعلكِ تشربينه أنتِ أيضًا.»
صمتت الإمبراطورة والأميرة التي فتحت فمها للتو. ساعد الفارس ماثيو على إجبار الخادمة على شرب قطرتين من جرعة قول الحقيقة.
«اخبرينا لماذا أصبح جسد الأمير الثالث على هذه الحال.»
«لا أعلم. في يوم ما توقف جزء من جسده السفلي عن أداء وظيفته فجأة.»
«إذًا لماذا كنتِ تنوين القول إن انسة كايدن هي الفاعلة؟»
«لأن جلالة الإمبراطورة أمرت… آه.»
غطت الخادمة فمها مذعورة، فأزال الفارس يدها.
«وماذا وعدتكِ الإمبراطورة مقابل ذلك؟»
«قالت إنها ستعتني بعائلتي إذا متّ. أنا من عائلة البارون موراك الفقيرة، آه.»
كانت الإمبراطورة ترتجف بشدة.
«هل لا يزالين ستقولين إنها كذب؟»
«جلـ… جلالتـك.»
«حسنًا، حان دوركِ الآن يا إمبراطورة للاعتراف. هل ستشربين الجرعة أم ستعترفين بكل شيء بنفسك؟»
نظرت الإمبراطورة بالتناوب بين الإمبراطور والجرعة، ثم تراجعت للخلف حتى اصطدمت بالفرسان.
«جلالة الإمبراطور.»
«ما الأمر يا ولي العهد؟»
«أرجو التكرم بالانتظار قليلًا. مهما كان، هي إمبراطورة الإمبراطورية اسميًا، فلا يمكننا جعلها تشرب دواء يُعطى للمجرمين فقط أثناء التحقيق.»
لم يدم شعور الإمبراطورة بالامتنان سوى لحظة.
«لكنها تستمر في تشويه سمعة الإمبراطورية، فلا يمكن تركها هكذا.»
ها هو تينس يطالب بعزل الإمبراطورة مجددًا. واضح أنه يريد تصفية كل ما قد يعيق طريقه في هذه الفرصة.
«عزل الإمبراطورة… هذا…»
«لقد أهنت الإمبراطورة بالفعل كلًا من دوق ستيا ودوق ديلات. لا نعلم متى ستتسبب بمشكلة أخرى للعائلة الإمبراطورية.»
حتى هاروت الذي يكرهني ويكره أشيريل لم يعترض على هذا الكلام.
يبدو أن كبرياءه جُرح كثيرًا من تصرفات الإمبراطورة، هو الذي كان يفتخر بأن ولاءه للإمبراطور لا يضاهى.
«انظروا إلى الماركيز ديبير.»
الماركيز ديبير الذي دُمرت عائلته بسبب ابنته.
شعر الإمبراطور بضغط هائل وكأن كل من أرادت الإمبراطورة إذلالهم قد ينقلبون عليه في أي لحظة.
«كلام ولي العهد صحيح. اعتبارًا من اليوم، نعزل الإمبراطورة من منصبها، ونمحو اسم الأمير الثالث والأميرة، أبناء الإمبراطورة، من سجل العائلة الإمبراطورية.»
«جلالتك!»
«أبي! كيف تطردني؟!»
استغلت الإمبراطورة حب الإمبراطور الحقيقي لها وتجبّرت حتى أسقطت نفسها.
لو كانت قد عاشت بهدوء عندما تجاوز عنها أشيريل مرة لما وصلت إلى هنا.
قبل أن يُسحب الإمبراطورة والأميرة من أذرع الفرسان، أعلن الخادم عن قدوم شخصيات جديدة.
التعليقات لهذا الفصل " 109"