1
تحت الثريا الفاخرة، انسابت أنغامٌ عذبة في قاعة الحفل.
“مَن تلك الآنسة؟”
انجذبت أنظار النبلاء المجتمعين في مجموعات صغيرة نحو نقطة واحدة كالمغناطيس.
فقد كان وجهها جديدًا لم يسبق لأحدٍ أن رآه في المجتمع الأرستقراطي.
شَعرٌ فضيّ كأنَّه جمع ضياء القمر بين خُصلاته، وعينان صافيتان بلون الكرز.
مظهرُها الذي يُذكّر بجنية القمر الأسطورية كان يملك قوّةً تُجبر الأنظار على التوقف عندها.
“لا أظنّ أنّني رأيتها في العاصمة من قبل…”
“هل يمكن أن تكون أميرةً من القارّة الغربيّة؟ ففستانها وحُليّها أشياء نادرة لا تُشترى حتى بأغلى الأثمان في الإمبراطوريّة.”
كان الهمس المتواصل صادرًا عن فتياتٍ صغيراتٍ أصبحن محور المجتمع بفضل سطوة عائلاتهنّ.
راحَت أعينهنّ تتفحّص الغريبة بنظرات جانبيّة.
ولأنّ بيت الدوق على صِلة وثيقة بالقارّة الغربيّة، لم يكن الحديثُ احتمالًا بعيدًا تمامًا.
“لكن… ألا يبدو ذلك الشَّعر الفضي مألوفًا بعض الشيء؟”
كانت ابنة الكونت الثانية هي أوّل مَن ألقى حجرًا في هذا الماء الراكد.
“صحيح. إنّها تُشبه تلك ‘النصفية’ من بيت الماركيز.”
“يا آنسة لورنس، ما تقولينه… تلك النصفية كان شَعرُها أبيض أشعث كالمكنسة، لا يمكن مقارنته بهذا البريق الفضي الساحر. فضلًا عن أنّها لم تكن تجرؤ على حضور مثل هذا الحفل.”
“صدقتِ. كنتُ قاسيةً بعض الشيء.”
ارتفعت ضحكاتٌ متصنّعة عاليةً، لكن لم يكترث بها أحد.
فلو كانت أميرة من ملوك القارّة، فالأرجح أنّها لا تفهم لغة الإمبراطوريّة.
أما موريل إيموند ابنة الماركيز، أو كما كانوا يلقّبونها ‘النصفية’، فهي لم تكن لتجرؤ على حضور هذا الحفل.
لكنّ النظرات الساخرة تسلّطت على صاحبة الشَّعر الفضيّ الواقفة وحدها.
ورغم النظرات اللاذعة، بقيت هادئة لا ترمش.
“يبدو أنّها حقًّا لا تفهم لغتنا.”
“على ما يبدو. بالمناسبة يا آنسة لورنس، بروشُك بتصميمٍ لم أرَه من قبل.”
“أليس بديعًا؟ إنّه طلبٌ خاص من أبي لأجلي.”
قالت ماريّا وهي تنتصبُ بفخر.
“بروشٌ على هيئة سحليةٍ مرقّطة؟ غريب فعلًا.”
“ماذا؟ بروشي أنا هو على شكل زنبق الوادي مرصّع بالألماس.”
“إذن هذا البروش…”
التفتت الأنظار إلى بروش ماريّا.
النقوش المرقّطة بدَت واقعيّة للغاية، كأنّها حيّة.
ولم يَطل الأمر حتّى…
قفزة!
انطلقت السحلية التي تظاهرت بأنها بروش، ففردت قوائمها وقفزت مباشرة نحو وجه إحدى الفتيات.
صفعة!
التصق بطنها البارد الرطب بخدّ الفتاة، فانطلقت صرخةٌ حادّة.
“آآااه! أحدٌ يُبعدها عني!”
“لا تتحرّكي! لا تقتربي من هنا! آآااه!”
قفزت السحلية من وجهٍ إلى آخر، تمزّق شعرًا وتعضّ خدودًا كأنها وُجدت لتنتقم.
“ابتعدي عن طريقي!”
“لا تدفعيني!”
سقطت الفتيات أرضًا وهنّ يتشابكن في محاولة الهرب، وتحولت فساتينهنّ الفاخرة إلى حطام، وتساقطت تسريحات شعورهنّ المُتقنة.
“آه… صارت فتيات اليوم لا يعرفن الخجل.”
“معقول؟ وفي مثل هذا اليوم المهم أيضًا… أيّ عائلات ينتمين إليها؟”
تأفّفت السيّدات الراقيات وهنّ يراقبن من بعيد.
فهذا الحفل يُقام مرّة كلّ عشر سنوات، وربما لن يتكرّر أبدًا.
إنّه حفلٌ يُعقد في قصر التنّين الأسود!
لكنّهنّ تَصرّفن كالبهلوانات.
“أيّ عارٍ على عائلاتهنّ!”
وما كادت إحدى السيدات تلوّح بيدها حتى شهقت:
“انتظري… أليست تلك ابنتكِ الثانية؟!”
“ماذا؟! ما الذي تفعله هناك؟!”
رمت مروحتها في الهواء وجرت بارتباك، والتحقت بها باقي السيّدات.
“أحضروا فرسان الحرس بسرعة!”
لكنّ الفوضى ظلّت تزداد.
“فُف…”
خرج ضحكٌ خافتٌ من مكانٍ ما.
كانت صاحبة الشعر الفضي، التي تابعت المشهد بلا أيّ تعبير.
ونظرت إلى حيث…
[أيتها القائدة، سأعاقبهم لأنهم آذوك.]
ظهرت السحلية الصغيرة من بين الحشود، تمسك بخصل شعرٍ كأنها غنيمة، وترتجف قبضتها غضبًا.
“سيبي، أنا بخير.”
[هُمف، لكنني لست بخير!]
مدّت يدها لتربّت على ظهر السحلية الصغيرة، كأنها تُحادثها.
ازدادت وجوه النبلاء حيرة.
فهم لا يسمعون صوت السحلية.
لكن فجأة…
“موريل إيموند؟!”
صرخت ماريّا بذهول، كأنّها رأت شبحًا.
العينان الكرزيتان والابتسامة الرقيقة لم تُخطئها.
كانت حقًا موريل.
“أ… أنتِ؟ كيف أنتِ هنا؟!”
تصاعد الهمس من كلّ صوب.
كيف لا؟
فموريل إيموند كانت قد ماتت قبل ثلاث سنوات!
قصّةٌ هزّت الإمبراطوريّة: خيانة الماركيز إيموند، إبادة عائلته، وموت ابنته بعد مطاردة طويلة.
لكن ها هي تعود، مختلفة تمامًا عن لقبها القديم “النصفية”.
“مستحيل…”
تجمّدت ماريّا وهي تحدّق في موريل.
ثمّ وقعت عيناها على السحلية الجالسة فوق كتفها.
إنّها السبب في كلّ هذه الفوضى!
“كلّ هذا من تدبيركِ يا موريل؟!”
اندفعت بخطوات غاضبة نحوها…
لكن فجأة توقّف كلّ شيء.
فقد نزل رجلٌ من الدرج الحلزوني.
“يا للإعجوبة…”
كان مظهره كافيًا ليخطف الأنفاس من رجالٍ ونساء على حدّ سواء.
شَعرٌ أسود كالسبج، وعينان ذهبيّتان كالشمس.
إنّه سيّد قصر التنّين الأسود، وريث بيت كرويتس: “كاين كرويتس”.
“ج… جناب الدوق…”
توقّفت ماريّا سريعًا، وأصلحت هيئتها قبل أن تنحني.
لكنّ الدوق لم يُعِرها أيّ انتباه.
بل مرّ بجانبها وتوقّف أمام… موريل.
“لقد بحثتُ عنكِ طويلًا يا ميو.”
‘ميو؟’
اسم تدليل لا يناديه إلا الأقرب.
ارتفعت الأعين كلّها نحو الاثنين.
“لماذا لم تبقي في المنصّة؟ هل التقيتِ بأحد؟”
قالها الدوق وهو يضع ذراعه حول كتفها بخفّة.
“لقد ضاع سيبي فبحثتُ عنه.”
“هَه، هذا الجشع الصغير هرب مجددًا.”
هكذا انكشف السبب وراء نزولها من المنصّة.
“أنا وحيدة، فبمَن سألتقي أصلًا؟”
تمتمت موريل وهي تلقي نظرة نحو مجموعة النبلاء، فخَيّم الذهول على القاعة.
فالمنصّة مكانٌ مخصص لعائلة الدوق المضيف.
وهذا يعني أنّ موريل قد تكون خطيبة دوق كرويتس!
لكن المفاجأة لم تتوقف هنا.
“أيّ وحيدةٍ تقولين وأنا هنا؟!”
صوتٌ مُسنّ جهوريّ دوّى.
كان الجدّ العجوز لبيت كرويتس، الذي تجاوز الثمانمئة.
“أخبِريني يا تشيري، هل ضايقكِ أحد؟ قولي لي فقط وسأُريه العقاب.”
صرخة الأميرة الوحيدة في الإمبراطوريّة، المعروفة ببطشها.
“إهانة الآنسة موريل هي إهانة لقصر التنّين الأسود!”
“فقط أصدروا الأمر يا مولاي!”
حتى الفرسان رفعوا أصواتهم مُهدّدين بسيوفهم.
كلّهم اجتمعوا لحمايتها.
وبينما تحوّلت الأجواء إلى إعصارٍ سياسي، بدأت أعين النبلاء تدور بسرعة.
‘ابنة الخائن لا تزال حيّة… وتحظى بحماية بيت التنّين الأسود!’
أما موريل، فأغمضت عينيها فقط.
‘أقسم أنني لم أُرِد عودةً صاخبةً كهذه.’
لكن لشرح ما حدث، علينا أن نعود أربع سنوات إلى الوراء…
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 1"