طَق، طَق.
فتحتُ عينيّ على صوت الملعقة وهي تطرق فنجان الشاي.
“هل يمكنني أن أسأل سموكِ عما تفكرين فيه؟”
قالت لي جوليا بوجهٍ مملوء بالقلق.
“ظللت أناديكِ دون أن أسمع ردًا… هل حدث شيء ما…؟”
“لا، جـوليا.”
أسرعتُ بابتسامة خفيفة. تنهدت هي و هايزل براحة، وكأن نظراتهما التي كانت تراقبني بقلق قد هدأت.
تظاهرت بأنني أشرب الشاي، وأخفيت وجهي خلف الفنجان. ثم حرّكت بصري قليلًا ونظرت إلى الخارج.
أنتِ مجنونة، إيفلين.
منذ متى أشرقت الشمس وأنتِ لا زلتِ تفكرين في هذا؟!
شعرت بأن شفتيّ تجفان. لحسن الحظ، لم يبدو أن هايزل و جوليا قد لاحظتا ما أفكر فيه. ابتلعت ريقي.
قضينا الليل مستيقظين حتى أغمي عليّ و نمت. بدا و كأن رائحة سيرتين لا زالت عالقة علي.
اكتشفت بالأمس، أن كشف هويتي يعني أنه لم يعد هناك ما يحول بيني وبين سيرتين.
لكنه اضطر للمغادرة باكرًا؟
رمشتُ بعينيّ قليلًا.
“بعد الإفطار، ستأتي المدلّكة.”
“المدلّكة؟”
“نعم، سمو وليّة العهد.”
أومأت جوليا بحماس.
الليلة تُقام أخيرًا حفلة الترحيب من أجل الجدة الكبرى إليزابيث. يقال ان الدعوات وصلت حتى الجنوب البعيد، لذا كل من يرغب بالحضور سيتوافد.
واليوم أيضًا هو يوم ظهوري الأول.
“الجميع سيأتي لرؤية سموكِ، لا أحد يرغب بأن يُقال عنه إنه لم يحضر. لذا لن أسمح بحدوث أي فضيحة.”
أضافت هايزل على كلام جوليا.
“حتى أختي متحمسة للغاية، سموكِ. إن وريثة ريموند، التي لا تهتم عادةً بشؤون الآخرين، مهتمة لهذا الحد، فكيف سيكون حال الباقين؟ تُنشر مقالات عن سموكِ يوميًا في المجلات المنتشرة في الصالونات.”
شعرتُ ببعض الحرج. لم أتلقَ هذا القدر من الاهتمام من قبل.
كنت متحمسة قليلاً ، و خائفة قليلاً. فكلما زادت التوقعات، زاد احتمال خيبة الأمل. لا يمكنني إرضاء الجميع. بل هناك من سيأتي فقط لانتقادي.
“من الآن فصاعدًا، كل ما تأكلينه، تلبسينه، تضعينه، و حتى أفعالكِ و كلماتكِ، كل شيء سيجذب الأنظار.”
قالت جوليا بصوت هادئ. عيناها الذكيتان ارتسمت فيهما ابتسامة جميلة.
“بعض الناس سيدعمون سموكِ، لكن هناك من سيسيء إليكِ أيضًا. الحسد والغيرة هما وجهان للحب الذي تتلقينه. لكنني سأساعدكِ لتصبحي الشخص الذي يُحَب و يحظى بالاحترام الأكبر في التاريخ.”
كانت كلمات جوليا و كأنها وعد لمن تقف لأول مرة أمام الجمهور. شعرت بانقباض في قلبي.
“إن رمى أحدهم حجرًا، سأكون من يقف في وجهه. وإن شتم أحدهم سموكِ، سأكون من يغلق أذنيكِ. لذا لا تخافي كثيرًا.”
خرجت ضحكة مني دون أن أشعر. إنها سندي القوي.
شعرت بثقة أن جوليا لن تترك يدي أبدًا مهما كانت الظروف.
قالت جوليا إن الحسد و الغيرة يصاحبان الحب. وكانت توليني حبًا زائدًا. لم أعد أهتم بمن يجهلني و ينتقدني أو يشير إليّ بأصابعه.
لأنني أتلقى حبًا أكبر من جوليا.
قالت هايزل وكأنها لا تقبل بالخسارة
“سأحمي ظهر سموكِ إذن. سأكون القوة التي تجعلكِ تسيرين للأمام دون قلق.”
انفجرت ضاحكة دون أن أشعر. لم يكن هناك ما هو أقوى من هذا الدعم. شعرت بأن كل قلقي قد زال.
“شكراً لكما، كل منكما.”
ابتسمت جوليا و هايزل ابتسامة مشرقة. كانت بداية يوم دافئة و مثالية. صباح مبهج أبدأه مع من هم في صفي. شعرت أنني أستطيع تحمّل أي شيء يحدث اليوم طالما أن هذه اللحظة موجودة.
****
في وقت مبكر من بعد الظهر، وبعد أن تناولنا الغداء مبكرًا بعض الشيء، كنا ندرس أنا و جوليا و هايزل عن المدعوين الذين سيحضرون اليوم.
كما قالت جوليا، دخلت المدلّكة القصر.
ذاع صيتها بين سيدات الطبقة الراقية حتى أصبح من شبه المستحيل حجز موعد معها.
سمعتُ أن جوليا كانت لها معرفة سابقة بها، فاستطاعت بالكاد أن تحجز الموعد.
لكن تعابير وجه المدلّكة التي دخلت القصر لم تكن جيدة.
“أحيي القمر الصغير للإمبراطورية. ليكن مجد ليكسيا القديم معكِ.”
“سُعدت بلقائك. أشكركِ على قدومكِ رغم المشقة.”
انحنت المدلّكة برأسها. ثم ترددت قليلاً وأخرجت من حقيبتها مجلة فضائح و ناولتني إياها.
“إنها مجلة فضائح وصلت هذا الفجر إلى المتجر الصغير الذي أُديره، سموكِ. لم أكن متأكدة من وجوب تسليمها لكِ، لكني فكرتُ أن من الأفضل أن تعرفيها بدلًا من أن تكوني جاهلة بالوضع، لذا جئت بها.”
تناولت جوليا و هايزل المجلة أولاً. بدا أن المدلّكة تنهدت بوجه كئيب.
بدأ قلبي يخفق بعنف.
فعندما يحدث أمر جيد، لا بد أن يتبعه أمر سيء.
“سموكِ، عليكِ أن تري هذا.”
في الصفحة التي فتحتها جوليا كان هناك مقابلة منشورة.
كانت مقابلة لروزالينا كارما.
تجمد الدم في عروقي.
كان اسمها يملك القوة الكافية ليجذبني من عالم الحكايات الدافئ إلى واقع بارد دفعة واحدة.
كانت في السابق تراقبني، وكانت دائمًا تطمع في سيرتين. كانت تحتقرني و تغار مني في الوقت نفسه.
[س: ما سبب ترككِ فجأة لمنصب خادمة سمو وليّة العهد؟
ج: لم يكن هناك خيار آخر. سموها كانت تكرهني. أعتقد أنها كانت تغار من علاقتي السابقة بسمو ولي العهد. بالطبع هذا مجرد تخمين مني… لكن هكذا هي قلوب النساء، أليس كذلك؟]
[س: فهمت. إليكِ السؤال الأهم. لقد تبيّن مؤخرًا أن سمو وليّة العهد لم تكن حمقـاء في الحقيقة. ما رأيكِ في هذا؟ هل شعرتِ بشيء غير طبيعي أثناء خدمتكِ لها؟
ج: همم، لا يسعني إلا أن أجيب بحذر عن هذا. لكن يمكنني القول انها كانت تقوم أحيانًا بتصرفات غير اعتيادية. ولهذا، لم يتمكن أحد من ملاحظة اختلافها. ما الذي كانت تفكر فيه في داخلها… (تتوقف عن الكلام.)]
[س: ألم يحدث شيء مميز أثناء خدمتكِ لسموها؟
ج: أمر مميز، لا أعلم من أين أبدأ.]
[س: نود سماع أمور لا يعرفها الناس من الخارج. في الواقع… من المحرج ذكر هذا، لكن يُقال إن قصر سمو وليّة العهد كان مضطربًا يوم عيد ميلاد الأميرة فيرونيكا. لا يزال هناك كثيرون يتساءلون عن حقيقة ما حدث في ذلك اليوم. هل تعلمين شيئًا؟
ج: …كانت تلك المرة الأولى لي التي أرافق فيها سموها إلى مثل هذا الحدث الاجتماعي. كنت مشتتة لأواكب تصرفاتها الغريبة. لكنني لم أغفل عنها لحظة واحدة. لذا لقد عرفت ذلك. كانت تبدو وكأنها ذاهبة لمقابلة شخص ما.]
[س: من تعنين بـ “شخص ما”؟
ج: لا أعلم. لا أعرف إن كان امرأة أو رجلاً. أو شيئًا كانت تخفيه. بما أنها كانت تخدع الجميع عمدًا، فلا شك أنها كانت قادرة على فعل أي شيء.]
[س: يبدو أن كلامكِ يخفي الكثير.
ج: أعتقد أنني قلت كل ما يمكن قوله. فقط، أود التذكير بأنها ابنة عائلة سبيلمان . أحيانًا، بعض الحقائق تجلب اضطرابات كبيرة. (ابتسامة ذات مغزى)]
التعليقات لهذا الفصل "99"