كان دوق سبيلمان لا يختلف عن أفعى سامة. في هذه الحادثة، لم تُمسّ سوى كرامة دوق سبيلمان فقط.

ورغم أن دوق سبيلمان تعامل مع الموقف بمهارة، إلا أن الأجواء الاجتماعية بقيت سيئة.

لم يتم بعد تعيين خلف للماركيز كيلرمان، و هناك صراع خفي على ذلك المنصب.

“هل تفكر في أحد معين؟”

رداً على سؤال مورتيغا، حك سيرتين ذقنه.

“ما رأيكَ بـتشينشيس من لاروس؟ لبعده عن العاصمة، فهو خارج نفوذ نبلاء المركز.”

“…لكن نفوذه ضعيف، وقد يهتز بسهولة في أي وقت.”

“اجتماعات المجلس تُعقد مرة كل شهرين فقط، فكلما كان أبعد، كان أفضل. لن يكون لديه وقت للاهتزاز. هل قالوا ان الكونت الشاب تشينشيس بخير؟”

“أنه حي لأنه لا يريد الموت.”

قال مورتيغا ببرود.

كان قد تلقى بالفعل تقريراً عن علاقات سيرتين وإنجازاته في لاروس.

كان يظنه مجرد سفر في وقت مضطرب، لكنه عاد بعد شهرين وقد حقق كثيراً.

“طوق تشينشيس في أيدينا. ولمنع دوق سبيلمان من التسبب بمشاكل كالتي حدثت هذه المرة، لا بأس أن يكون رئيس المجلس من سكان منطقة نائية.”

ضاقت عينا سيرتين. فقط وقت قدوم الكونت تشينشيس سيستغرق أسبوعاً.

“سيكون مناسبا لفترة. دوق سبيلمان لن يقبل، لذا ما رأيك أن نجعله مؤقتاً؟”

“أظن أن ذلك مناسب.”

في النهاية، الهدف هو استغلاله حتى تُستخلص الفائدة ثم يُزال من منصبه.

كان هذا الدور كافياً للكونت تشينشيس. ابنته الصغرى، التي كانت تبدو متهورة كأخيها، باتت مؤخراً خافضة لرأسها بجانب الأميرة إليزابيث.

“إذاً، تولى أنتَ هذه المهمة.”

أشرق وجه مورتيغا.

“نعم، سموك! سأعد كل شيء بسرعة كي تحصل على النتائج سريعاً!”

كان لا بد من استدعاء الكونت تشينشيس إلى العاصمة و عقد مجلس النبلاء.

بما أن ريموند كان يشتري السندات، فمن الممكن الحصول على أصوات النبلاء الصغار.

أما دوق سبيلمان، فبما أنه يلتزم الصمت حالياً، فلن يجرؤ على فعل شيء يثير المتاعب. طالما بقي ذلك الوغد هادئاً، سيمضي الأمر دون مشاكل.

كان الوقت مناسباً، والشخص مناسباً.

“هل تكلم العجوز الذي قبض عليه جيمس؟”

في تلك الليلة، ليلة وفاة الماركيز كيلرمان، قضى مورتيغا أكثر من خمس ساعات خارجاً.

وبعد لقائه أخيراً بجيمس، سلّمه ما كان بحوزته مقابل كيسين من العملات الذهبية. ما يعني أن هناك ثمرة للجهد.

فقد استلم منه التاجر الذي كان يوزع المخدرات في قصر دوق سبيلمان.

لولا إيفلين، لكان مورتيغا استغل تاجر المخدرات لحل المشكلة. رغم أنه من غير المؤكد كم من النبلاء كانوا سيصدقون شخصاً تحت تأثير المخدرات. لقد كان التاجر مجرد مفتاح احتياطي.

ودوق سبيلمان يعلم على الأرجح باختفاء التاجر، لذا سيتصرف بحذر لبعض الوقت.

“…لا. كل ما يطلبه هو المزيد من المخدرات. أعتقد أن لدوق سبيلمان نقطة ضعف أخرى يمسك بها.”

“راقبه جيداً. وإذا أراد، أعطه المخدرات.”

“سأبذل قصارى جهدي، صاحب السمو.”

تلألأت عينا سيرتين الزرقاوتان.

أدار رأسه ببطء وأخذ ينظر من النافذة. بعد أن التقط أنفاسه، بدأ يرى المنظر خارج النافذة بوضوح.

أشياء لم يكن يهتم بها في الماضي صارت تجذب نظره الآن، ربما بسبب شخص غيّره.

“لقد جاء الخريف، سيرتين! سمعت أن أزهار السهام الذهبية قد ذبلت تماماً. مبارك لك قدوم الخريف، سيرتين.”

تذكّر وجهها السعيد، دون أن يعرف السبب. انعكس وجه إيفلين على الأشجار المصبوغة بألوان الخريف.

إيفلين التي خلعت قناعها كانت تتألق بجمال يفوق الجميع.

بدأ الناس يصدقون أن إيفلين حصلت على قوة من معبد الشفاء في يوريس.

وبعد أن قُدم للإعلام مادة دسمة، بدأوا بنشر مقالات إيجابية، وأصبح الحديث عن هذا الأمر لا ينقطع.

و قد سمِع أن السياح يتدفقون إلى يوريس، وأن أمير يوريس يصرخ من السعادة.

“بمجرد انتخاب الرئيس المؤقت للمجلس، يجب عقد اجتماع النبلاء. علينا إصلاح وزارة الخارجية. يجب ألا يتكرر إحراج اسم ليكسيا.”

“سأعدّ لذلك أيضاً.”

أثناء قيام الكونت تشينشيس بدور الدمية، كان لا بد من التحرك بجدية.

لقد حان وقت حصاد ثمار الجهد ووالتعب الذي بذل خلال الصيف.

وكان الخريف يتسلل بهدوء بينهم.

“في العام القادم، لنذهب معاً لرؤية أوراق الخريف، سيرتين. أريد أن أعيش كل الفصول معك.”

وارتسمت ابتسامة على زاوية عينَي سيرتين.

****

“ألا ترين أن الأمر مبالغ فيه قليلاً، يا إيفلين؟”

قالت الجدة الكبرى إليزابيث بنبرة محرجة.

بسبب جنازة الماركيز كيلرمان، تأجل حفل الترحيب بعودة الجدة الكبرى.

وكان يجب أن تكون هناك فترة حداد لمدة أسبوع بعد الجنازة، لذا لم يمكن تحضير الحفل إلا بعد مرور أسبوعين ونصف على عودتها.

“لا بأس في ذلك، يا صاحبة السمو.”

قالت جوليا بصوت ناعم.

“في الحقيقة، هذا الحفل أيضاً أمر نحتاج فيه إلى تفهمكِ، يا صاحبة السمو. فهو يشكل الظهور الرسمي الحقيقي لولية العهد. لذا يجب أن يكون أعظم وأكثر فخامة من أي وقت مضى.”

“إذاً كان هناك هدف خفي.”

ضحكت بارتباك.

كنت أختبئ طوال الوقت تحت ذريعة الحداد على الماركيز كيلرمان.

كان هناك الكثير ممن أرادوا مقابلتي. من بينهم من أراد التماس المغفرة، و منهم من أراد التأكد إن كنت حقاً بكامل قواي العقلية.

ولا شك أن هناك من لا يزالون يراقبونني بأعين متحفزة، في انتظار أي خطأ صغير مني.

لذلك أردت الظهور أمامهم بصورة مثالية. لأمحو كل صورتي الفوضوية السابقة.

اختارت جوليا و هايزل يوم حفل الترحيب كأنسب يوم.

وكانتا ترَيان أنه فرصة جيدة لإظهار العلاقة القوية بيني وبين الجدة الكبرى إليزابيث.

“حقاً لم يكن ذلك برغبتي، جدتي.”

ضحكت الجدة الكبرى إليزابيث بمكر.

“لا حاجة لهذا التعبير، إيفلين. إن كان بوسع هذه العجوز أن تساعدكِ ، فهذا بحد ذاته أمر جيد.”

لم تكن الجدة الكبرى إليزابيث تملك أي سلطة على التاج. لذلك لم يكن بوسعها إلا أن تقدم يد العون لسيرتين سراً من الخارج.

ومع ذلك، ظل اسم الأميرة إليزابيث متداولاً في ليكسيا.

الأميرة الأجمل في التاريخ، رمز الحرية، الأميرة التي رفعت اسم ليكسيا في أنحاء القارة.

لقد كانت محبوبة و موضع إعجاب من الجميع.

“جدتي متساهلة جداً مع ولية العهد.”

قالت فيرونيكا فجأة، و كانت صامتة طوال الوقت.

أكثر من عبّر عن شعور الخيانة بعد معرفته بأنني ما زلت بكامل وعيي كانت فيرونيكا.

لكن شعور الخيانة الذي تعانيه فيرونيكا ليس أمراً يمكنني معالجته.

“أنا آسفة، سمو الأميرة فيرونيكا. ربما سيكون من الجشع مني أن أطلب منكِ أن تفهميني. لذا لا بأس بأن تكرهيني كما تشائين.”

بدت فيرونيكا وكأن لديها الكثير لتقوله، لكنها اختارت أن تصمت.

“أنا ضعيفة أمام الأشخاص اللطيفين. فيرونيكا، وجهكِ سينتفخ كسمكة الفوغو قريباً.”

“…لقد أوضحت رأيي مسبقاً، جدتي. حفل الترحيب الفخم؟ جيد. لكن إن لم يكن هناك شيء آخر، هل يمكنني الانصراف؟”

“افعلي ذلك.”

وقفت فيرونيكا من مقعدها بوجه غاضب.

تنهدت و أنا أراقبها وهي تستدير مبتعدة ببرود.

كانت من أولئك الذين مدّوا لي يدهم دون أحكام مسبقة. لذلك لم يكن من المفرح أن تدير ظهرها لي.

“الزمن كفيل بحل الأمور، إيفلين. وربما يحدث ذلك من خلال صدفة غير متوقعة.”

ضحكت مع جدتي. يا ليت تلك الصدفة تأتي حقاً.

الخريف كان موسماً مريراً أيضاً.