“……هل تنوي قتل شخص ما؟”
قال العجوز بصوت مشوش بالكاد يُفهم. ظهره المنحني بعنف، و بريق عينيه الغريب، وكاحله الملتوي.
“بهذه الكمية، قتل شخص واحد ليس بالأمر الصعب. فقط أخبرني إن أردت.”
ضيّق دوق سبيلمان عينيه. كان يزن جميع الاحتمالات على الميزان.
حرّك دوق سبيلمان شفتيه بصمت. في هذا العالم توجد العديد من الطوارئ. و يجب أن يكون قادراً على حساب جميع تلك المتغيرات.
حكّ دوق سبيلمان ذقنه.
كان أعظم تلك المتغيرات، بالطبع، إيفلين.
‘هل هي حليفة، أم عدوة؟ هل استعادت عقلها، أم ما زالت حمقاء؟’
بالنسبة لدوق سبيلمان، كانت إيفلين ورقة سهلة. كان يعتقد أنه يمسكها بقبضته و يعلم بكل شيء داخلها. لكن بذور الشك التي بدأت بالنمو أخذت تتسع أكثر فأكثر.
“هاها. لقد أخفقت في تربية أبنائي إلى هذا الحد.”
مات أحدهم، و الأخرى انتهت بهذا الشكل.
توقف دوق سبيلمان عن الكلام. في أوقات عدم اليقين، يجب أن تحتفظ بمفتاح احتياطي. كان واثقًا من كل شيء.
“عذرًا؟ لا أفهم ما تقصده.”
“لا بأس. لم يكن كلامًا لأجلك. أحتاج إلى نوعين من الأدوية. أحدهما سم. أحتاج إلى ما يمكنه إنهاء حياة شخص بضربة واحدة.”
“هل يجب أن لا يعرف الآخرون بذلك؟”
“لا، اجعل له رائحة كريهة بشكل معتدل. إذا كان هناك خمسة أطباء ، فيجب أن يستطيع أحدهم على الأقل كشفه.”
أومأ العجوز برأسه عند الطلب الدقيق لدوق سبيلمان. حتى حركته كانت غريبة. كان مغمورًا في الأدوية إلى درجة أن مجرد النظر إليه يؤلم الأنف. لم يكن الأمر غريبًا إن كان مشلولًا في أحد أعضائه.
“هذا سهل جدًا.”
“أما الآخر فيجب أن يكون دواءً مناسبًا. يُبقيه حيًا، لكن يجعله يتخبط بين الحياة و الموت. الشخص المستهدف كان يتعاطى الدواء سابقًا، لذا الدقة ضرورية.”
“أعتقد أنه زبوني الدائم.”
ضحك العجوز ضحكة مكتومة. ضاقت عينا دوق سبيلمان. إنه عجوز مزعج. ومع ذلك لم يقتله حتى الآن، لأن لا أحد يتعامل مع الأدوية مثله.
نقر دوق سبيلمان بلسانه.
عندما لا يكون هناك بديل، حتى التخلص من البقايا يكون صعبًا.
“و أريد دواءًا يمكنني إيقاظه به عندما أشاء. هل يمكنك تحضير شيء كهذا؟”
“همم. الأمر معقد… لكنه ليس مستحيلاً. سيكون من الأفضل لو استطعت رؤية المريض بنفسي… لكنه شخص لا يمكن رؤيته، أليس كذلك؟”
ابتسم دوق سبيلمان دون أن يرد. هزّ العجوز كتفيه وكأنه لا يهمه الأمر.
“إذا مات بسبب هذا، فلا تلمني. من اعتاد على الأدوية قد يموت من أقل انحراف.”
“لن أفعل.”
إذا انتهت حياته، فستنتهي حياة ذاك العجوز أيضًا. أجاب دوق سبيلمان بارتياح.
“كم تحتاج من الوقت؟”
كان هناك نحو عشرين يومًا حتى يعود سيرتين. وربما يصل قبل ذلك.
أراد أن يُعدّ له هدية مناسبة قبل أن يصل. أن يرحب به بسكين على حنجرته.
أراد أن يردّ له أكثر مما فقده بسببه.
كان بحاجة إلى ورقة رابحة تُمكنه من تحطيم وجهه المتغطرس تمامًا.
“كم يمكنكَ أن تعطيني من الوقت؟”
“أسبوعين.”
“أنتَ تستنزف هذا العجوز تمامًا.”
“هل يعني هذا أنك لا تستطيع؟”
“سأفعل. يجب أن أنجح.”
هزّ العجوز رأسه. ارتسمت ابتسامة لاذعة على شفتي دوق سبيلمان.
لم يخيب العجوز ظنه أبدًا. لم يكن يستثمر أمواله الكثيرة في هذا المدمن عبثًا. ألقى دوق سبيلمان كيسًا مملوءًا بالذهب.
اتسعت حدقتا العجوز الذي كان يزحف ويتفقد الكيس. سال لعابه وقال
“سأنجح في ذلك مهما كلفني الأمر!”
تم جرّ العجوز الزاحف كحيوان يلهث نحو سيده إلى الخارج.
رتب دوق سبيلمان خطته بدقة.
قتل سيرتين مباشرة سيكون مملاً. وكان هناك أمر آخر يجب اختباره.
إيفلين، ابنته العزيزة.
ابنته التي أزهرت كزهرة وردٍ نضرة تشبه والدتها.
أنزل دوق سبيلمان كتفيه.
“لقد أحببتها كثيرًا.”
لكنه لا يعرف لماذا أصبحت مزعجة له مؤخرًا. ضاق دوق سبيلمان عينيه. وإن كانت إيفلين قد استعادت عقلها وخانته بلا شكر.
“فقط سأقتلها.”
غنى دوق سبيلمان بلحن صغير. قرر ما الدواء الذي سيستعمله أولًا.
ربما حان وقت شم رائحة الدم من جديد، فالوحش القابع في أحشائه تمدد واستيقظ.
استدعى دوق سبيلمان مساعده.
“اقتلوا كل من في السجن.”
“تقصد الجواسيس؟”
أومأ دوق سبيلمان. كانت سيرينا و روزي تظنان أنه سيأتي لإنقاذهما يومًا ما. لكن يمكن ترويض الجرذان بسهولة. لا حاجة لبذل ذلك الجهد.
“اقتلوا كل من بالداخل. هكذا لن يستطيعوا التلاعب بهم. سنقيم مهرجان ما قبل العودة قبل وصول سيرتين.”
“نعم، يا سيدي!”
انحنى المساعد برأسه. كان يخطط لبسط سجادة دامية على طريق عودة سيرتين.
لم يشعر بهذا الحماس منذ وقت طويل. تلألأت عينا دوق سبيلمان بحمرة خفيفة.
****
الوقت الذي لا نريد له أن يمر، هو الذي يمر بسرعة أكبر.
أنا و رفاقي كنا بالفعل على أرض لاروس.
جاء الكونت تشينشيس لاستقبالنا. و كان إلى جانبه الكونت بريزمان.
“أرحب بأصحاب السمو الثلاثة! آمل أن تكون رحلة عودتكم مريحة.”
“لحسن حظنا كانت مريحة.”
اتجه نظر سيرتين إلى الكونت تشينشيس.
كان النبلاء الذين علموا بأن الكونت الشاب من عائلة تشينشيس قد أساء إليّ و تم اقتياده ، متوترين للغاية، حريصين ألا يثيروا استياء سيرتين ولو قليلاً.
“ألا تشعرون بالتعب من الرحلة الطويلة؟ ما رأيكم بأن تأخذوا يومًا للراحة قبل الانطلاق إلى العاصمة؟ لقد أعددنا كل شيء مسبقًا.”
ضاقت عينا سيرتين وابتسم.
“أنا و زوجتي سنمكث ليوم واحد فقط قبل المغادرة. لكن جدتي الكبرى ستبقى لمدة ثلاثة أيام قبل أن تعود، لذا اعتنوا بها جيدًا خلال هذه الفترة.”
كانت الجدة الكبرى مصرة على المغادرة فورًا، لكن الطبيب أفاد بأن ذلك صعب بعد أن أصيبت بمغص شديد على السفينة. ولهذا قررت البقاء قليلًا في لاروس.
زفرت الجدة الكبرى بوجه شاحب.
“كم هو مُحزن أن يكبر الإنسان.”
“عليكِ فقط أن تتعافي سريعًا.”
ردّ عليها سيرتين بلطف. وصلت العربات التي ستقلّنا واحدة تلو الأخرى، و بدأ الخدم بتحميل الأمتعة.
أمسكتُ بكمّ سيرتين، و لازمته كظله. بدا أن الجميع قد اعتاد على تصرفي هذا ، فلم يكلّفوا أنفسهم عناء الحديث معي.
و كأن مجرد كوني لا أفتعل المشاكل يُعد أمرًا محمودًا.
“سأكون في انتظاركِ، جدتي.”
“…ها.”
“إذن، دعوني أقدم هدية… صاحب السمو ولي العهد، لا بد أن هناك ما يمكنني فعله من أجلك.”
تمسّك الكونت تشينشيس برجاء شديد. كان وجهه يفيض شوقًا لكسب رضا سيرتين بأي طريقة كانت.
“يكفي أنكَ ستعتني بجدتي جيدًا. سمعت أنكَ أنجزت المهمة التي أوكلتها إليكَ على أكمل وجه.”
ابتسم سيرتين.
فانفرجت أسارير الكونت تشينشيس من السعادة.
“أما شأن الكونت بريزمان، فستتولى جدتي الأمر.”
أشرق وجه الكونت بريزمان أيضًا.
لقد أُنعم على لاروس بلُطف ولي العهد. بدأ النبلاء يتهامسون بأصوات فرحة.
لاروس، و ليكيسيا… لم يتغير شيء.
إنهم يعيشون بالطمع و يموتون به.
أدركت حينها… أنني عدتُ إلى خشبة المسرح من جديد.
رياح لاروس أحاطت بي.
التعليقات لهذا الفصل "87"