تنهد سيرين، الذي كان يداعبني لفترة من الوقت بينما كنت مدفونة في البطانية. بدت الرغبة التي كانت تتدفق في تلك العيون الزرقاء بالنسبة لي غير مألوفة و محرجة.
وضعت شفتي على شفتيه بخفة. في الحقيقة، لم يكن سيرتين وحده من اعتاد على تقربنا. أنا أيضًا أصبحت كذلك.
أصبح من المألوف أن أقبل سيرتين و ألتصق به. شعرت أن حرارة جسده و عطره يتغلغلان فيّ.
كان الأمر لطيفًا لدرجة أنني لا أرغب مطلقًا في خسارته. ماذا أفعل؟ يبدو أنني أصبحت مدمنة على سيرتين.
تنفست بعمق و أنا محتضنة بين ذراعيه. لاحظت أن ملابسي في حالة فوضى تامة، و شعرت بالخجل كأن رؤيتي أصبحت مصبوغة باللون الأحمر. لذا، تسللت أكثر إلى داخل حضنه.
وبينما كان يعانقني، أسند سيرتين ذقنه على رأسي.
“ها….”
ارتعش جسدي عند صوت تنفسه الخافت.
“…أتمنى لو أن العالم ينتهي هكذا.”
ما هذا الكلام المخيف؟!
“سيرتين…؟”
أنا لم أعش هنا سوى بضعة أشهر بعد أن تجسدت في هذا الجسد، أليس كذلك؟ إن حسبنا عمري الفعلي، فأنا بالكاد مولودة حديثًا!
“لكي نبقى نحن فقط.”
ابتسم سيرتين بعينيه. امتلأت عيناه الضيقتان بالضوء.
“…لكنني لا أريد نهاية العالم. لا زال هناك الكثير مما لم أفعله، وهناك أشياء كثيرة أريد القيام بها.”
تمتمت بصوت منخفض و أعدت إسناد رأسي إلى صدر سيرتين.
“ما الذي ترغبين بفعله؟”
“أشياء يفعلها الآخرون. المشي في الشوارع، الضحك، التحدث، التنزه، التسوق.”
“وماذا أيضًا؟”
“…لم أفكر بعد.”
ربما سيكون ذلك بعد التخلص من دوق سبيلمان. حين أستعيد حريتي الحقيقية وأبقى على قيد الحياة. وعندها…
“سأكون بجانبك.”
عضضت شفتي عند كلمات سيرتين.
“سأمشي بجانبكِ في الشوارع، سنضحك ونتحدث سويًا. سأتنزه معكِ، و أتسوق معك. سنفعل كل ما ترغبين به. سأكون بجانبكِ دائمًا”
شعرت أن قلبي يذوب دفئًا.
ما هذا؟ أليست هذه اعترافًا؟!
سيرتين حقًا رجل يندفع دون نهاية أو بداية واضحة. يتقدم نحوي وكأنه لا يرى أحدًا سواي.
“…حسنًا.”
كيف أرفض رجلًا يقول انه يريد أن يكون جزءًا من حياتي اليومية؟ وهو في الحقيقة، قد أصبح كذلك بالفعل.
تسلل سيرتين إلى سعادتي المستقبلية بكل سلاسة.
****
صباح اليوم التالي.
من الأشياء التي اعتدت عليها أيضًا: الإفطار الصباحي مع سيرتين و الجدّة الكبرى. في ليكسيا، كان سيرتين دائمًا يخرج مع الفجر ولا يعود إلا في وقت متأخر من الليل.
كنت أتساءل متى يستريح أصلًا. لكنه منذ أن أتى إلى هنا، أصبح أكثر هدوءًا أيضًا.
همم، هل من الممكن أن يكون سيرتين قد مات بسبب الإرهاق؟
كما قالت الجدّة في حلمها…
…ذلك منطقي إلى حد ما؟
أليس من قوانين الروايات الرومانسية الخيالية أن يكون الرجل المثالي يعمل بجد لدرجة الموت من الإرهاق؟ يُظهر كل قدراته، و يجني الكثير من المال. في الواقع، إنها وظيفة بلا توازن بين العمل والحياة.
أن تكون بطلًا في رواية رومانسية خيالية. حتى الشرير الغامض القوي يعاني من نفس الشيء.
عندما تصبح دوقًا، يجب أن تقوم بجولات التفقد، وتعتني بالإقليم، و تدير أعمالًا كبيرة لكسب الأموال.
إذن، تخيل فقط أن تصبح مثل سيرتين وليًا للعهد.
واو، إنها وظيفة بدوام كامل بلا عطل نهاية أسبوع ولا وقت مغادرة العمل. بالإضافة إلى ذلك، عليك تدريب جسدكَ أيضًا.
“لماذا تنظرين إليّ بتلك النظرة؟”
سأل سيرتين، الذي أنهى طعامه وكان يشرب من كأسه.
“…أي نظرة؟”
“نظرة شفقة شديدة. هل أبدو بائسًا لهذا الحد اليوم؟”
“لا، لا على الإطلاق.”
هززت رأسي بسرعة. شعرت أنني لست الوحيدة التي لا ترغب في العودة إلى ليكسيا قريبًا. ابتسم سيرتين بخفة. كانت الجدّة تراقبنا بمرح و كأنها تستمتع بمحادثتنا.
“لدي سؤال يا إيفلين.”
قال سيرتين وهو يضع الكوب الذي لا يزال يتصاعد منه البخار.
“سؤال؟”
“سيلا بنتلي. الفتاة التي ينوي دوق سبيلمان تبنيها هذه المرة. ما رأيكِ بها؟ ماذا تعتقدين أن عليّ أن أفعل بعائلة بنتلي؟”
سأل سيرتين بنبرة خفيفة، لكن الموضوع لم يكن خفيفًا على الإطلاق. كان يسأل عن مصير عائلة بنتلي.
في الرواية الأصلية، يستخدم سيرتين سيلا دون تردد و يدمّر عائلة بنتلي بالكامل مع سبيلمان. يجعل سيلا تقود عائلتها نحو السقوط بيدها. وفي هذا المسار، نشأت علاقة كراهية بينها و بين رودريك.
يمكن القول ان سيرتين لعب دورًا كبيرًا في جعل الرواية الأصلية “سيد القفص” رواية مظلمة من التصنيف +19. كانت رواية رومانسية قتالية مليئة بالكراهية… إلى هذا الحد، بدا و كأن سيرتين هو المستثمر الأكبر في هذه الرواية.
على أية حال، لا يمكن أن تسير الأمور هكذا.
سيلا كانت ضحية عالقة في المنتصف. وعائلة بنتلي كذلك. لا داعي لجعل البطلة المستقبلية عدوة. و لا داعي لصنع ضحايا أيضًا.
فقط مجرد سؤاله لرأيي يعد تطورًا كبيرًا.
أحسنت، سيرتين.
حتى جداي الكبرى نظرت إلى سيرتين بدهشة، لرؤيته يطرح عليّ مثل هذا السؤال.
“……هل كنتَ من النوع الذي يستمع لرأي الآخرين؟ هذه أول مرة أراك تسأل أحدًا عن رأيه.”
“الآن أدرك تمامًا كيف ترينني، جدتي.”
ابتسم سيرتين بعينيه، فهزّت عمتي الكبرى كتفيها مازحة.
كيف كنتِ ترينه؟ عنيدًا، و ضيق الأفق، و ظلًا مظلمًا بائسًا ومثيرًا للشفقة.
“إذًا، إيفلين. ما رأيكِ؟ هل ترين أن عائلة بنتلي هم من نفس فصيلة سبيلمان؟ هل تعتقدين أن الآنسة سِيلا قد أصبحت عنصرًا خطيرًا تحت تأثير غسيل دماغ سبيلمان؟”
إنه يُظهر رأيه بالفعل.
“هل يعتقد سيرتين أن سِيلا قد تُعرّض رودريك أو دوق روجر للخطر، أو ربما قد يتم شراؤهما؟”
أغلق سيرتين فمه في خط مستقيم. هذا يعني نعم. يا له من تفكير يليق بشرير مظلم.
رغم أن السؤال المفاجئ أربك أفكاري، إلا أنني تحدثت بما يمليه عليّ ضميري.
“……أعتقد أن سِيلا فتاة مسكينة. ربما أُخذت من بنتلي قسرًا. لا أظن أن أي والدين طبيعيين قد يستخدمان ابنتهما الصغيرة في أمر خطير كهذا. ماذا لو منحنا بنتلي فرصة؟ سيرتين يملك القدرة على ذلك، أليس كذلك؟”
تحدثت بأقصى درجات اللين. أردت لكلماتي أن تتسلل إلى قلب سيرتين محمّلة بالإقناع والدفء. كان قلبي ينبض بقوة.
هذه لحظة أُسهم فيها مجددًا في تغيير مصير هذه الرواية.
ربما تصبح رواية رومانسية شافية بدلاً من رواية مظلمة من تصنيف 19+.
كنت أفكر أصلًا كيف أتعامل مع أمر سِيلا. وإن تمكّنا من حل هذا الأمر بهذه الطريقة، فسيكون ذلك الأفضل على الإطلاق.
“وأيضًا، لن نضطر إلى خلق ضحية لا داعي لها… سِيلا صغيرة جدًا لتُستغل في مثل هذه الأمور، سيرتين . عمرها خمس سنوات فقط. لا أريدكَ أن تصبح بالغًا يشبه دوق سبيلمان.”
“ولِمَ تعتقدين ذلك؟ كلما كان الشخص أصغر، كان أكثر خطورة، وكلما كان أضعف، كان أكثر تهديدًا. أسرة بنتلي كانت تابعة لـسبيلمان لفترة طويلة. قد يكونون قدموا ابنتهم طمعًا في المزيد. هل تظنين أن أمثالهم نادرون في هذا العالم؟”
أعلم أن حياة سيرتين كانت على هذا النحو.
أنا لم أعش حياته، لذلك لا يمكنني فهمه تمامًا.
ولكن…
“ربما لا يكون الأمر كذلك. حتى وإن كانت هناك فرصة ضئيلة لتغيير حياة أحدهم، أعتقد أنه من العدل أن نمنحه فرصة واحدة على الأقل.”
سيرتين قضى وقتًا طويلًا في ساحة المعركة، وواجه الكثير من المصاعب.
ومع ذلك، لم يتخلَّ عن واجباته كولي للعهد، و أنقذ الكثير من الناس.
كان شخصًا يستحق أن يُحب.
لذا أتمنى أن تدرك أن كل ما أفعله هو لأجلكَ أنتَ.
ابتسمت له بأجمل ابتسامة أستطيعها. كانت الابتسامة التي يحبها بشكل خاص.
“لا أريد أن يكرهكَ أحد يا سيرتين.”
التعليقات لهذا الفصل "82"