أوغستين سبيلمان قد مات.
الطريق نحو الانتقام مؤلم، لكن ثماره حلوة. ارتسمت على شفتي سيرتين ابتسامة باردة.
خلال إقامته في يوريس، بدأت الشرارات التي زرعها سيرتين بالاشتعال. وكانت إحداها قد أثمرت الآن.
كان من المؤكد أن ألسنة اللهب المتألقة ستلتهم أهدافها واحدًا تلو الآخر.
وكانت مهمة سيرتين هي تزويد تلك النار بالوقود كي لا تنطفئ.
استدعى سيرتين مساعده. كانت إيفلين في تلك اللحظة تشرب الشاي مع إليزابيث.
“أخبرني بكل ما عرفته عن عائلة بنتلي.”
تحدث سيرتين بصوت ناعم يعبّر عن مزاجه الجيد . كان يعتقد أن عائلة بنتلي ستكون الحطب الذي يبقي النيران مشتعلة.
“لطالما كانت عائلة بنتلي كانت منذ نشأة دوقية سبيلمان تابعة لهم. لم يكن دورهم بارزًا، لكنهم كانوا دائمًا ينظفون آثار الدوق. لا نعلم لماذا تم اختيار الآنسة سيلا بنتلي تحديدًا، لكن يبدو أن سبيلمان يخطط لتسجيلها كابنة متبناة.”
لا بد أنهم بحاجة لوسيلة لصنع صلة مؤكدة مع دوقية روجر.
وبما أنه فقد أوغستين، فهو بحاجة لطفل آخر يحرّكه كدمية. ربما يفكر دوق سبيلمان في استخدام رودريك روجر كـابن لـه.
سوف يدربه و يشكّله حسب رغبته بما أنه لا يزال صغيرًا. بالطبع، ديميتور و جوليا لن يبقيا صامتين، لكن الماكر سيجد حيلة ما. فحتى جدران حصن الألف عام لا تخلو من ثغرات.
“علينا أن نفكر في وسيلة للهجوم على سبيلمان باستخدام سيلا بنتلي و عائلتها. لدي شعور أنهم سيكونون نقطة قوة لنا.”
لم يكن المساعد يعارض عادة، لكنه تردد قبل أن يتكلم
“…سيدي، الآنسة سيلا بنتلي تبلغ من العمر خمس سنوات فقط. إنها صغيرة لا تعرف شيئًا، مجرد طفلة يُستغلها دوق سبيلمان.”
نظر إليه سيرتين بصمت.
“يمكن لدوق سبيلمان أن يستخدم براءتها لصالحه ، و يوجه السيف بها متى شاء…”
عندما كان على وشك إنهاء حديثـه، جاءت صورة إيفلين إلى ذهنه. تذكر ماضيها، حيث كانت تتعرض للأذى و تم استغلالها من قبل سبيلمان ضد إرادتها.
“أنا أتألم أيضًا. أنا أشعر بالغضب أيضًا.”
تذكر ملامح وجهها و هي مشوهة بالألم لدرجة يصعب النظر إليها.
تنهد سيرتين بخفة. منذ أن تعرف على إيفلين، بدا وكأن هناك جهاز تحكم قد زُرع في رأسه. لم يتردد من قبل عند إصدار مثل هذه الأوامر.
حتى في ساحة المعركة، كان مجرد طفل.
وكان الخصم يستهين به بسبب ذلك. “ما الذي يمكن لطفل كهذا أن يفعله؟ حتى عظامه لم تنضج بعد، هل سيتمكن حتى من حمل سيف؟”
لكن سيرتين نجا، بذبح المستهترين واحدًا تلو الآخر.
وفي المقابل، خُدع مرات عدة على يد الضعفاء والعاجزين، وتعرض للطعن.
عجوز ملقاة على الطريق، طفل باكٍ، فارس يحتضر من الألم.
حتى أمه و فيرونيكا، اللتان ضغطتا عليه لأنه ضعيف ولا يملك شيئًا.
لا مجال للاستهانة. لا يجب أن يطمئن.
لا تخفض حذرك. لا يمكنك خفض حذرك.
كل الخير في هذا العالم يأتي من الكذب. كلما زاد نقاؤه ، كلما كان أكثر نفاقًا، كلما زاد ضعفه، كلما كان أقوى.
“هاه…”
ومع ذلك، لا تزال إيفلين تخطر بباله.
ضعيفة و هشـة، لكنها قوية وجميلة… إيفلين.
“سأحميك.”
أغمض سيرتين عينيه بشدة. يبدو أنه وقع بالفعل تحـت سيطرة إيفلين.
قال المساعد بتردد، بينما يرى تردد سيرتين
“هل… ستفكر في الأمر؟”
“نعم.”
وافق سيرتين.
****
وقت الشاي مع الجدة العمة إليزابيث كان مريحًا. كانت الجدة تقرأ كتابًا، وأنا كذلك.
تبادلنا بعض الأحاديث القصيرة والبسيطة، لكننا احترمنا راحة بعضنا البعض.
قالت الجدة انها لم ترَ أحلامًا بموت سيرتين منذ أن بدأنا الإقامة هنا.
حديقة الإمبراطور، حيث كانت زهور “السهام الذهبية” متفتحة.
وأنا أحمل سيفًا ملوثًا بالدماء.
كلما اقترب وقت العودة إلى ليكسيا، كلما تذكرت ذلك الحلم أكثر.
بالطبع، زهور السهام الذهبية تتفتح في أوائل الصيف، وبحلول وقت عودتنا ستكون قد ذبلت. فهي حساسة جدًا لتغيرات الطقس.
ما الذي كان يرمز إليه ذلك الحلم؟
هل يعني أنني سأشارك في قتل سيرتـين؟
إذا تجاهلت مسألة السيف، فربما يعني أنني سأفعل شيئًا يؤدي إلى موته.
قالت الجدة اننا تجاوزنا المرحلة الصعبة، فلا داعي للقلق، لكن هل هذا ممكن فعلًا؟
“هاه…”
هل يخطط دوق سبيلمان لشيء آخر؟ باستخدامي هذه المرة؟
لو كان ممكنًا، لكنت فتحت رأسه لأعرف ما بداخله.
لكشف سواد قلبه بالكامل.
أليس ما لديه كافٍ؟ لماذا لا تنتهي أطماعه أبدًا؟
“ليس و كأنه العجوز سكروج… آه.”
{{ملاحظة: العجوز سكروج شخصية خيالية مشهورة عندهم بالبخل و الجشع}}
ارتميت على الأريكة. لم يتبقَ سوى حوالي خمسة أيام على العودة من يوريس إلى ليكسيا.
وبينما كنت مستلقية أفكر في دوق سبيلمان، دخل سيرتين.
“سيرتين؟ هل انتهيت من الحديث؟ هل حصل شيء في ليكسيا؟”
“ذلك مستحيل.”
بشكل طبيعي، قبّلني سيرتين على جبهتي. كانت شفتاه و أنفاسه دافئة حين لامستني ثم ابتعدت، فشعرت بالدغدغة.
تحسّن مزاجي كثيرًا. سحبت البطانية بينما كنت في حضن سيرتين وتدثّرت بها.
“أوغسطين سبيلمان مات، إيفلين.”
“فهمت.”
في النهاية، لا يمكن أن تكون وفاة أحدهم أمرًا سارًا. حتى لو كان ذلك الشخص شريرًا. كم كان سيكون جميلاً لو أن أوغسطين تاب وأصبح شخصًا طيبًا يخدم الآخرين و يـكفّر عن ذنوبه.
“ويبدو أن دوق سبيلمان يستعد لتبنّي سيلا بنتلي كابنته بالتبنّي. إنه ينوي استنزاف نفوذ عائلة روجر تدريجيًا.”
“…ألم يصل أي اتصال من روجر؟”
هزّ سيرتين رأسه نافيًا.
“ربما لم يتمكنوا من التواصل في وقت حساس كهذا. سأعود و أقابل جوليا…”
“أنا لا أشك في روجر. لقد قررت ألا أشك فيه.”
ابتسم سيرتين بشكل مشرق. ثم لمس بلطف الجزء الخلفي من رقبتي.
“جوليا صديقتك العزيزة. و رودريك و ليا كذلك.”
“ودوق روجر هو أيضًا صديقك المقرب، سيرتين. وهو كذلك رفيقك في المعارك التي عدتما منها أحياء.”
نظر إليّ سيرتين بصمت. في لحظات كهذه، يبدو وكأنه يرسل إليّ رسالة واضحة: لولاكِ، لما وثقت بأحد. فكل الخيانات تأتي من أقرب المقربين، و طمع الإنسان لا حدود له.
“من فضلك ثق في دوق روجر أكثر قليلاً، سيرتين.”
“عند التدقيق في الأمر ، ألاحظ أنك متساهلة جدًا مع ديميتور. هل يعجبك؟ حسنًا، كان ديميتور يحظى بشعبية كبيرة بين الفتيات منذ صغره.”
ضيّق سيرتين عينيه و تمتم.
ما الذي يفكر فيه مجددًا حتى يعقد وجهه بهذا الشكل؟ إن غفلت لحظة، يفكر بأشياء غريبة. أمسكت بخدي سيرتين بإحكام وقلت له بوضوح
“أنا متساهلة مع ديميتور روجر لأنه صديقك، سيرتين. لا أريدكَ أن تخسر صديقًا جيدًا. يجب أن تكون العلاقة السببية واضحة. علاوة على ذلك ، إن دوق روجر ليس من نوعي المفضل.”
دوق روجر، آسفة.
لكن في الحقيقة، كنت هكذا حتى عندما قرأت الرواية الأصلية. لا أعلم لماذا كان سيرتين يلفت انتباهي بهذا الشكل. كان مؤلمًا أن يموت رجل وسيم بعدما عانى كثيرًا.
“هذا مطمئن إذًا.”
قبّلني سيرتين على أرنبة أنفي بلطف.
مؤخرًا، يبدو أن اللمسات الحميمية زادت.
همم، هل هذا جيد؟ بالطبع هو جيد. وما الذي قد لا يكون جيدًا؟
طالما لا يُكشف أمرنا، فلا مشكلة، أليس كذلك؟
ضحكت، و احتضنت سيرتين وهو يقبّلني.
التعليقات لهذا الفصل "81"