بدأت أعتاد على الحياة في يوريس من دون أن أشعر. كان سيرتين يخرج في الصباح ولا يعود إلا عند الغروب.
وكان ذلك لأن ولي العهد لم يكن يدع سيرتين يذهب أبدًا.
تمتم سيرتين بوجه متعب
“تبدين سعيدة.”
“نعم. لقد ربحنا نصف المعركة، أليس كذلك؟”
تم اتخاذ قرار إعدام أوغستين أول أمس. وقد وصل ذلك الخبر للتو كأنباء عاجلة.
ما زال أمر موت إنسان يبدو غريبًا، لكن النصر الذي حققناه على دوق سبيلمان كان، كما هو الحال دائمًا، ذا مغزى عميق.
“مبارك سيرتين.”
انحنى سيرتين وقبّل خدي، ثم استند على الأريكة متكئًا كأنه ينهار.
غرقت الأريكة بجانبي بهدوء.
“هل أنتَ متعب كثيرًا؟”
“متعب لدرجة أنني لا أستطيع حتى الاحتفال بنصرنا الآن.”
تمتم سيرتين بصوت خافت. كانت تفوح منه رائحة كحول خفيفة.
وكانت ممزوجة بعطر البرتقال.
“هل شربتَ كثيرًا؟”
“لا.”
حدق سيرتين بي بعينين نصف مغمضتين. ربما بسبب تراكم التعب، بدا أكثر فسادًا وجاذبية.
الوسيم يبقى وسيما حتى وإن كان متعبًا.
وحتى لو كان ثملًا فهو وسيم.
ربما لأنني أدركت مشاعري تجاهه، أصبحت أراه أكثر كمالًا. حتى عيوب سيرتين بدت لي مثالية.
داعب سيرتين خدي بأصابعه.
“أشعر أحيانًا أنكِ حلم.”
أمسكت يده وأسندت خدي إلى كفه الكبير والطويل. رمشت ببطء.
“أخشى في الصباح أن أستيقظ فأجدكِ قد اختفيتِ.”
“أنا؟”
أطلقت ضحكات على كلامه. إلى أين سأذهب؟
أنتَ وحدكَ من يفهمني.
وحتى حين أفعل أشياء غريبة، أنتَ الوحيد الذي يراها لطيفة.
ابتسم سيرتين بتكاسل وأغمض عينيه. ارتميت في حضنه. فاحتواني بطبيعته.
طوقتني ذراعاه الطويلتان، وسقط أنفاسه الساخنة على عنقي. موت أوغستين كان في مكان بعيد، وهذا الحضن كان إلى جانبي.
أوغستين سبيلمان يدفع ثمن جرائمه. تذكرت وجه الرجل الذي كان يعتدي على الخادمات.
لا بد أنه عاش هكذا طوال حياته.
حتى في الرواية الأصلية، كان أوغستين يقتل الكثيرين، ويجعلهم يعانون.
الأشياء التي فعلتها كانت الفتيل الذي أدى إلى موته.
كان شعورًا غريبًا، مزيج من الفرح والحزن.
استنشقت رائحة سيرتين بعمق. وبهذا خففت من شعور الذنب.
دعكت خدي بحرارة جسد سيرتين. وبذلك محوت اسم أوغستين.
“أن أكون بين ذراعيك هكذا هو حتماً واقع، لكن أحياناً أشعر وكأنكِ بعيدة جداً.”
“… هذا أمر سخيف.”
“نعم، إنه وهم سخيف.”
تمتم سيرتين بتكاسل ثم انحنى. ثم قبّلني، وأنا التي كنت محتضنة بين ذراعيه مثل قطة صغيرة.
التقت شفاهنا.
تبدد صوت الضحكات، و شعرت بصوت سيرتين يغمرني.
شعرتُ و كأن شعري يقف.
“ها…”
همس سيرتين و هو يقبّل خدي برفق.
أغمضت عينيّ بإحكام. شدني سيرتين إلى جسده.
شعرتُ بجسدي ينهار تحت لمسة سيرتين. كان الجو يصبح أكثر خطورة…….
شعرت أنني على وشك أن أفقد عقلي ، دفنتُ وجهي في كتف سيرتين. ظننتُ أنه لا بأس إن لم أره، لكن الأمر لم يكن كذلك.
ولأنني لم أستطع رؤيته، تضاعفت الأحاسيس الأخرى.
شعرت بسيرتين يُقبّل رقبتي، و يمسح جلد كتفي الرقيق، أصابعه المتصلبة كانت تُدلك بشرتي.
“سيرتين….”
لم أستطع كبت صوتي أكثر، فناديتُ باسمه. أطلق سيرتين نفسًا عميقًا.
“سأجن.”
لحسن الحظ، بدا الأمر و كأنني لستُ الوحيدة. كان جسدي ساخنًا. أردتُ التشبث بسيرتين أكثر.
رفعتُ رأسي و قبلتُ سيرتين. امتلأ الهواء برائحة البرتقال.
****
“صباح الخير.”
قلت ذلك وأنا أتكئ على سرير سيرتين منتظرة أن يستيقظ. نظرت إليه مبتسمة، عادت عيناه الضبابية إلى التركيز وحدق بي باهتمام.
“… صباح الخير.”
قرص سِيرتين خدي بخفة.
نمت معه في نفس السرير أمس أيضًا. كان يلف بيده قماش ثوب نومي و يفلته مرارًا و تكرارًا.
لم يكن هناك اعتراف، لكن كانت هناك مشاعر حتمًا.
بقدر ما أحببت سيرتين، كان يحبني أيضًا.
كنت أدرك تلك الحقيقة بكل كياني. ضغطت على خده بيدي ثم سحبتها.
“استيقظ، أيها الكسول.”
“… إلى أين تخططين للذّهاب اليوم؟”
“همم. إنه يوم زيارة المعبد. يبدو أن ولية العهد أكثر حماسة مما توقعت.”
مرّر سيرتين يده على وجهه.
“أولئك الزوجان نشيطان يعملان بجد.”
كان يقصد ولي العهد و زوجته. كان ولي العهد يستعد لحكمه.
كان يبذل جهدًا كبيرًا ليحصل على شروط أفضل في مفاوضات التجارة القادمة مع ليكسيا.
وربما كانت العناية التي تبديها ولية العهد تجـاهي لهذا السبب. كانت ليكسيا حاكمة القارة الشرقية . لو تمكنـا فقط أن الحصول على اليد العليا في العلاقة مع ليكسيا، لكانا قد كسبا الكثير.
“هل يخطط سيرتين اليوم أيضًا للقيام بجولة مع ولي العهد في الميناء؟”
“لا.”
ضحك سيرتين بعينين شبه مغمضتين.
“اليوم أفكر في الذهاب إلى المعبد معكِ.”
“… ألم تقل انك لا تصدق تلك الخرافات؟”
“ما زلت لا أصدقها.”
كان إيمان ليكسيا ضعيفًا بعض الشيء. فقد كانت العلاقة بين المعبد و الإمبراطور فاترة أيضًا.
وكان ذلك بسبب سياسة قمع سلطة المعبد في الماضي، لكن على الرغم من السياسة، لم تكن هناك قيود على مواطني الإمبراطورية.
“إذن أين هو ما يصدقه سيرتين؟”
وخز أنفي بأصابعه.
“هنا.”
“سيرتين.”
“أو ربما هنا؟”
وخز خدي.
“ماذا تفعل الآن…”
“أو ربما هنا.”
قبّلني سيرتين قبلة قصيرة على شفتيّ. و ضحكت معه على مزاحه. كان صباحًا سعيدًا.
****
بينما كان سيرتين يتجول بفتور في معبد الشفاء، أي عندما كانت زوجة ولي عهد يوريس لا تعرف ما تفعل و تتعرق بقلق،
في ذلك الوقت، كان أوغستين يودّع دوق سبيلمان للمرة الأخيرة.
“أنتَ مدهش حقًا. يبدو أن التّخلي عن ابنكَ له معنى عظيم!”
صرخ أوغستين وهو يكاد يخرج الزبد من فمه.
فانفجر دوق سبيلمان ضاحكًا.
“أوغستين. أنتَ أحمق.”
كانت نظرات دوق سبيلمان باردة. لم يكن فيها ذرة من الحزن.
جعلت هذه الحقيقة أوغستين ينتفض من شدة الغثيان.
“أتظن أنني تخلّيت عنكَ وحدك؟”
أغلق أوغستين شفتيه بإحكام.
“لقد تخلّيت عن زوجتي التي أنجبت أولادي.”
كان دوق سبيلمان غير مبالٍ، كأنه قام بما يجب عليه فقط.
“روّضت ابنتي كأنها حيوان. لأستغلها في الوقت المناسب. انتزعت منها كل ما تملك و وضعته في يدي.”
أخذ دوق سبيلمان يسرد ما أنجزه.
اختفت الدماء من وجه أوغستين.
“ما الذي يجعلكَ مختلفًا عنهما؟”
“آه، أبي…!”
“لماذا ظننتَ أنكَ مميز؟”
“أنا… أنا…”
لم يستطع قول كلمة “ابن”. تذكّر وجه إيفلين التي كان يسخر منها و يحتقرها. كانت أيضًا ابنة دوق سبيلمان.
“ما الذي كان مختلفًا؟”
تنهد دوق سبيلمان.
“هذا صحيح ، ألم أحذّرك؟ أن لا تتصرف بطيش.”
كان صوته باردًا لدرجة لا تُحتمل.
فهم أوغستين عندها فقط. لم يكن في يوم من الأيام ابنًا لدوق سبيلمان.
لم يكن مختلفًا عن إيفلين.
في تلك الليلة، أُعدم أوغستين سبيلمان.
كانت نهاية بائسة مقارنةً بطموحاته العظيمة.
التعليقات لهذا الفصل "80"