“لم أكن أعلم أن سمو الأميرة الملكية ستكون معنا.”
قالت زوجة ولي العهد بتعبير مندهش.
“أردت أن أصلي من أجل إيفلين أيضًا، سمو ولية العهد. إن كنتِ تشعرين بعدم الارتياح…”
“ليس كذلك…!”
لوّحت ولية العهد بيديها بوجه مرتبك.
“بل إنه لشرف لي أن أكون برفقتكِ!”
كانت الأميرة إليزابيث من الشخصيات البارزة المعروفة في المجتمع الراقي حتى في مملكة يوريس.
وكانت هناك العديد من النبيلات اللواتي معجبات بها ويحاولن تقليد حتى عاداتها الصغيرة، فهي أميرة جاءت من إمبراطورية ليكسيا.
و قد كانت ولية العهد من بين أولئك المعجبات أيضًا.
إنها لطيفة. و تبدو أصغر مني أيضًا.
“إذن، لننطلق.”
“نعم، سمو الأميرة!”
جاء الرد بانضباط شديد. وانطلقت العربة التي تقلني مع ولية العهد وعمّتي الكبرى نحو المعبد.
أمسكت بكتيب المعبد و ابتلعت ريقي.
قرأت الكتيّب الذي أحضره سيرتين طوال الليلة الماضية، وكان المعبد أكبر مما توقعت. هناك الكثير مما يمكن رؤيته.
سمعت أيضًا أن لديهم خبزًا لذيذًا لا يُباع إلا هناك. لا بد أن أجربه.
قال لي سيرتين بوجه متجهم
“تتركينني أتعامل وحدي مع شيوخ مملّين، بينما تبدين مستمتعة للغاية.”
لم أستطع أن أنكر. فكيف لي ألا أستمتع؟ أنا أتنزه وأدرس وأقوم بكل ما أرغب به.
“أخشى أنكِ ستقولين أنكِ لا تريدين العودة.”
“…هل يمكنني البقاء لفترة أطول؟”
رمقني سيرتين بنظرة مندهشة.
“إذًا لم تكوني صادقة حين قلتِ أنكِ ستحمينني.”
يا للأسف. ولهذا قررت أن أقضي وقتي هنا بأقصى استفادة ممكنة.
حولت نظري خارج العربة.
في الواقع ، كان الخروج من القصر في ليكسيا عبئًا مستمرًا. كان عليّ أن أكون في حالة تأهب دائم لأي طارئ، و أراعي نظرات الآخرين.
لكن الأمر مختلف هنا.
كانت جدتي الكبرى بمثابة درع حامٍ لي.
“يبدو أن إيفلين غير معتادة على المكان. قيل لي إنها ليست فتاة قليلة الكلام.”
“هل أخطأت في شيء؟”
“كيف يعقل ذلك، يا ولية العهد؟ ربما فقط لأن هذه العجوز غريبة عنها.”
هكذا كان الأمر.
لم يعادني أحد، لذا شعرت براحة وسلام داخلي.
اقتربنا من معبد الشفاء. المبنى ذو اللون العاجي كان يتلألأ تحت أشعة الشمس.
كان مكانًا يعج بأناس يبحثون عن المعجزات.
وقفت هناك.
معجزة، هاه.
ما أتمناه ليس معجزة.
بل مكافأة على الجهد الذي أبذله مع سيرتين، ونصرٌ للعدالة.
ومع ذلك، سأصلي اليوم من أجل معجزة صغيرة:
أرجو ألّا يُصاب أحد بأذى.
أرجو أن نصل جميعًا إلى نهاية الطريق معًا.
أرجو أن أظل دائمًا على طبيعتي.
لأن مقاومة القدر قد تكون معجزة بحد ذاتها.
في ذلك الوقت، كانت الأميرة إليزابيث تتذرع بمرض إيفلين لتتغيب عن اللقاءات الاجتماعية، وتقضي الوقت في جولات المتاحف و لقاء العلماء.
وفي عاصمة ليكسيا، كانت محاكمة أوغستين جارية على قدم وساق. و قد حضرها أيضًا دوق سبيلمان بصفة مراقب.
كانت نظرات دوق سبيلمان باردة كالجليد.
لم يكن يحمل مشاعر خاصة تجاه أوغستين. و بصراحة، كان دوق سبيلمان من أولئك الذين يهتمون فقط بما يمتلكونه بأنفسهم.
ما كان سيحدث بعد وفاته، و من يرث مكانه، لم يكن يعنيه كثيرًا.
كان يرى أوغستين كحصان سهل الانقياد لا أكثر.
لكن ما منحه شعورًا بالهزيمة هو مشهد المحاكمة هذا.
كان يحدق بعينيه في خسارته تلك.
المداولات بين القضاة كانت تطول. ومع مرور الوقت، بدأت وجوه ممثلي دوقية سبيلمان، بمن فيهم لوكاس، تفقد لونها و تبهت.
قبض دوق سبيلمان على عصاه بقوة.
كان قد اتفق مسبقًا مع القضاة عبر جوليا. و كان الحكم المتوقع على أوغستين هو السجن المؤبد.
كان يخطط لحبسه لفترة، ثم إطلاق سراحه في الوقت المناسب. و رأى أن إبقاءه مسجونًا أفضل من تركه يتسبب في مشاكل.
لكن ظهرت متغيرات.
كان عدد القضاة في جلسة اليوم ثلاثة، و اثنان منهم هي وجوه يراها لأول مرة.
ما يعني أن القضاة الذين تلقوا المال من دوق سبيلمان لم يحضروا.
كانت جميع التروس تدور بأسنان مكسورة و غير محكمة.
أما أولئك القضاة الذين تلقوا أموالًا من دوق سبيلمان، فقد تم استدعاؤهم لمحاكمات أخرى.
كان ذلك قرارًا من وزارة العدل، لذا لم يكن بالإمكان التراجع عنه.
وجه دوق سبيلمان نظره نحو مورتيغا.
وكان مورتيغا أيضًا حاضرًا بصفة مراقب.
‘أيها الوغد اللعين.’
قابل مورتيغا تلك النظرة بنظرة مماثلة. وكان يقف شامخًا، مشدود الكتفين.
كانت كلمات سيرتين محفورة بداخله كأنها وسم.
“أنتَ من سيحلّ مكاني.”
“…ألستَ تقصد الدوق روجر؟”
“كلا، أنا بحاجة إليك أنت.”
كانت هذه المحاكمة بمثابة اختبار لمورتيغا.
كانت هناك برقية في يده وصلت من يوريس، تحمل أوامر سيرتين.
[العفو عن دوق سبيلمان. حكم الإعدام على أوغستين سبيلمان.]
شعرت بثقل المسؤولية المفرطة التي أنزلها سيرتين على كتفي. لكن إن لم يتجاوز مورتيغا هذا، فستكون نهايته الهاوية.
قررت فيرونيكا أيضًا اتباع قرار سيرتين. فقد كانت راضية لأنها، كما قالت، قد سحقت كاحل سـبيلمان.
‘لقد فقدتُ تايلورد، بينما سيفقد الدوق ابنه.’
لا يمكن إحصاء عدد اللقاءات التي أجراها مورتيغا مع وزارة العدل لتحقيق هذا. لذا واجه نظرة دوق سبيلمان بثقة.
كان أوغستين، على غير عادته، يفرك فخذه براحة يده بوجه متوتر.
الدوق الذي لم يزره، المحامون الذين تجاهلوه، ومساعد سيرتين الذي بدا سعيدًا بشكل غريب—
كان هناك شيء يسير على نحو غير طبيعي.
وبعد مناقشات طويلة، عاد القضاة إلى أماكنهم.
“لقد قررت وزارة العدل العقوبة بعد مناقشات مطوّلة. أوغستين سبيلمان قتل ابنة أحد النبلاء الذين منحهم جلالة الإمبراطور بنفسه اللقب. و بحسب قانون ليكسيا، يُعد ذلك عصيانًا مباشرًا لأمر الإمبراطور وخيانة عظمى . بناء عليه، تصدر وزارة العدل حكمها بإعدام أوغستين سبيلمان! سيتم تنفيذ الإعدام بعد ثلاثة أيام، في الساعة العاشرة صباحًا!”
انطلقت أصوات التعجب والأنين في القاعة من المنتظرين للحكم.
“تبًا، هل هذا معقول! لا تنطقوا بهذه التفاهات! لماذا عليّ أن أموت فقط لأني قتلت تلك الحشرة الحقيرة!”
صرخ أوغستين بجنون وهو ينهض من مقعده. الكرسي الذي ركله تدحرج على الأرض.
“سيدي! لا يمكنكم فعل هذا!”
“ابتعد!”
ركل أوغستين لوكاس فسقط مع الكرسي أرضًا.
“أخذتَ المال ولم تنفّذ المطلوب، والآن تتكلم كثيرًا؟! إن كان فمك يعمل، فأجب! هل هذا معقول؟!”
“ل، لم يكن هناك سابقة كهذه ، لكن الحكم يتفق مع نص القانون…”
“هل طلبتُ منكَ تفسير القانون الآن!!! طلبتُ شراء الحكم بالمال! أبي، أبي! هل ستظل ساكتًا على هذا؟!!”
اندفع أوغستين نحو مقاعد الحضور.
وبما أن التهمة خيانة، لم يكن من الممكن التقدم بطلب لإعادة المحاكمة.
كان مصيره الموت حتميًا.
وقف الفرسان في طريقه.
وعيناه محمرتان وهو يبصق ويتكلم بصراخ
“أجبني! هل ستتخلى عن ابنكَ هكذا! فكر في ما فعلتُه من أجل سبيلمان! أيها الحقير!!”
“اصمت!”
“آآآآآه! لماذا أموت أنا بينما يجب قتل ذاك اللعين! كل شيء تم بأمر من دوق سبيلمان! أنا فقط نفذت الأوامر!”
بدأ أوغستين يتمرغ و يصرخ بكلمات كيفما أراد.
كان مورتيغا يراقب تلك الفوضى بنظرات مليئة بالانتصار.
لقد كان هذا إنجازًا صنعه بفضل الفرصة التي منحه إياها سيرتين.
في غيابه.
ابتسم رغماً عنه.
في هذه اللحظة فقط، شعر أنه خادم مخلص يفوق الجميع.
كانت عروق يده على الدرابزين تنبض بقوة.
هذه المرة، سيتمكن حقًا من الوقوف إلى جانب سيده!
كأنه يرى بعينيه لحظة نيل اعتراف سيرتين به.
التعليقات لهذا الفصل "79"