رست سفينتنا بسلام في الميناء. كانت مملكة يوريس محاطة بالبحر من ثلاث جهات، لذا كانت العاصمة أيضًا تطل على البحر.
من الميناء الذي رست فيه سفينتنا، كان علينا السفر لمدة ساعة للوصول إلى العاصمة.
خرج كثير من الناس لاستقبالنا أنا و سيرتين.
“يا إلهي، سيرتين!”
لوّحت سيدة مسنة بيدها نحونا. لم يكن من الصعب معرفة من تكون.
كان وجهها يحمل مزيجًا من الكاريزما والابتسامة الدافئة. نظرتها إلى سيرتين كانت مليئة بالحنان.
“لم أتخيل أبدًا أنك ستكبر لتصبح شابًا رائعًا بهذا الشكل!”
“كان عليكِ أن تتخيلي ذلك.”
ضحك سيرتين.
“فلم تكن هناك لحظة واحدة لم أكن فيها رائعًا.”
ضحكت الأميرة إليزابيث أيضًا، ثم التفت نظرها إليّ حيث كنت أقف بجانب سيرتين.
“إنه لمن دواعي سروري أن ألتقي بكِ. إيفلين، أليس كذلك؟”
“نعم! إنه لشرف لي!”
أمسكتُ بيد الأميرة إليزابيث وهززتها بحماس.
“أنتِ أكثر جمالًا مما توقعت.”
فجأة، سحبتني إلى حضنها و عانقتني. ثم أخذت تريح يديها على ظهري وأطلقت تنهيدة طويلة.
لم أكن أعلم السبب،
اكن الأميرة إليزابيث بدت وكأنها تشعر بالراحة. قبل أن أتمكن من التفكير في الأمر، ابتعدت عني وبدأت تقدم لنا ولي العهد وزوجته.
رحّبوا بنا بنظرات دافئة.
بدت يوريس أكثر اتساعًا ورحابة من ليكسيا، وكأنها قادرة على احتوائي.
“سمو ولي العهد، لا بد أنك متعب من رحلتك الطويلة. يمكنك الاستراحة اليوم، وسنقيم حفل استقبال لك غدًا.”
“إذن، نلتقي غدًا.”
“سموكِ، أراكِ غدًا.”
“نعم!”
أومأت برأسي بابتسامة مشرقة. ربما بسبب الأيام التي قضيناها في البحر، كنت أشعر براحة أكبر الآن.
البحر و سيرتين منحاني بعض السلام. بل وحتى المسافة بيني وبينه أصبحت أقرب قليلًا.
كان هذا يعني أن التمثيل الذي أقوم به أصبح أكثر احتمالًا.
لوّحت بيدي، فبادلتني ولية العهد التحية.
سرنا وسط ترحيب المواطنين، وكان من المفترض أن نرتاح في قصر الأميرة إليزابيث.
و لكن لم يكن هناك راحة بانتظاري.
“كنت في انتظارك، إيفلين ليكسيا. لدي ما أقوله لك.”
كانت نظرتها باردة، و تعبيرها هادئًا، على عكس ما بدت عليه عندما استقبلتنا.
تُركتُ وحدي مع الأميرة إليزابيث. من خلف الباب المغلق، سمعت صوت سيرتين يناديني.
كما سمعت صوت أتباع الأميرة وهم يحاولون إقناعه بالتوقف.
“صاحبة السمو لا يمكنها أن تؤذي ولية العهد! إنها مجرد سيدة عجوز. لديها أمور مهمة لتقولها فقط!”
كانت الأميرة إليزابيث تتصرف وكأنها انتظرت هذه اللحظة طويلاً.
“…انا خائفة… زوجي…”
“لا داعي للتمثيل، إيفلين. أنا أعلم أكثر مما تعتقدين. وأعلم أنكِ بكامل قواك العقلية.”
كلماتها أصابتني كالصاعقة. حدقت بها بعينين متسعتين.
الكذب لن يجدي نفعًا.
في تلك اللحظة، أدركت شيئًا واحدًا—سيرتين يشبه إليزابيث أكثر من أي شخص آخر.
عيونٌ تُبصر الحقيقة.
كانت الهالة الملكية تحيط بها بالكامل. لم أرغب في أن أبدو حمقاء أمام شخص يعرف حقيقتي.
“…صاحبة السمو.”
“نادِني بالجدة بكل أريحية. لقد استدعيتكِ لأن لدي حديثًا هامًا معكِ.”
حاولت تهدئة نفسي وقلت ببطء
“هل لديكِ ما تقولينه لي؟ ماذا عن سيرتين…؟”
“ليس من المفترض أن يكون هنا. لكنني لا أظنه سينتظر طويلًا، لذا اجلسي. هناك بعض الأمور التي أحتاج إلى التأكد منها.”
أشارت لي إلى المقعد أمامها.
ترددت للحظة ثم جلست. كان حلقي يشعر وكأنه مشدود من التوتر، لكنها كانت تعلم حقيقتي بالفعل.
كان علي أن أفهم نواياها.
“كان بإمكانكِ اختيار طريقة ألطف، جدتي. يبدو أن سيرتين قلق جدًا.”
“هذا أيضًا كان اختبارًا. كان علي أن أعرف ماذا تكونين لسيرتين. لا تقلقي عليه، رجالي يجيدون إقناع الآخرين.”
كما قال سيرتين، الأميرة إليزابيث لم تكن تتحرك دون هدف واضح.
أمسكت بطرف ثوبي بإحكام.
كيف عرفت أنني بكامل وعيي؟
الشخصان الوحيدان في هذا العالم اللذان كانا يعلمان بذلك هما سيرتين و جوليا.
فكيف؟ ولماذا؟
“هل تعرفين لماذا كنتُ مفضلة لدى إمبراطور ليكسيا السابق في الماضي؟”
“…لا أعلم.”
“لقد كانت مسألة سرية للغاية. والسبب هو أنني أرى المستقبل أحيانًا.”
لم أكن أتوقع سماع هذا مطلقًا.
حدقت بها بصدمة.
“مغادرة ليكسيا كان بإرادتي أنا. رأيتُ كيف سيقوم الشخص المدعو أخي بتدمير الإمبراطورية. كان العالم يحترق و مواطنو ليكسيا يبكون و يصرخون. كنتُ عاجزةً لا اقوى على فعل أي شيء، لذلك رحلت. تظاهرت بأنني حامل للمغادرة بسرعة.”
“…لحسن الحظ، سمح لكِ الإمبراطور السابق بالرحيل بسهولة.”
من العجيب أن يترك إمبراطور شخصًا لديه بصيرة بالمستقبل يغادر هكذا.
“حدث ذلك عندما كان والدي على فراش الموت.”
كان صوت الأميرة إليزابيث هادئًا، وعيناها تشعان بلون أزرق غامض أشبه بهالة من السحر.
“هل ذهابكِ إلى ساحة المعركة للقاء سيرتين كان أيضًا بسبب….؟”
“كان ذلك مجرد صدفة. لكن بعد لقائه، رأيت المستقبل… كان على وشك الموت حينها.”
احتست الأميرة رشفة من الشاي. كانت الغرفة قد أُعدت مسبقًا لاستقبالنا، ما يعني أنها خططت لهذا اللقاء منذ البداية.
حدّقت في فنجان الشاي.
“ولكن بعد لقائه، لم أعد أرى مستقبلًا تحترق فيه ليكسيا. كان لدي سبب كافٍ لإنقاذه.”
فهمت ما تعنيه.
لطالما اعتقدت أنني كنت الوحيدة التي أرسلها القدر لإنقاذ سيرتين. لكن ربما لم يكن الأمر كذلك.
حتى في غيابي، كان الحظ يحالفه. لم يكن هناك تفسير آخر.
بدأت أستوعب سبب استدعائها لي.
“إذًا، لقد رأيتِ أيضًا شيئًا عني.”
“نعم، رأيتكِ.”
تنهدت الأميرة إليزابيث، وبدت عيناها و كأنهما تائهتان في مكان بعيد.
“ظهرتِ في حلمي، تتوسلين إليّ لإنقاذ سيرتين… ثم توسلتِ إليّ لإنقاذكِ أيضًا. بعد ذلك الحلم، نجوتُ من موت محقق.”
هل حدث هذا بالفعل؟
وفقًا للتاريخ، كان من المفترض أن تموت الأميرة إليزابيث في هذا الوقت تقريبًا. لو أنها نجت، فهذه معجزة بحد ذاتها.
“متى كان ذلك؟”
شعرت بحدس قوي تجاه الإجابة.
“قبل ثلاثة أشهر تقريبًا.”
كما توقعت.
كان ذلك نفس الوقت الذي انتقلت فيه روحي إلى جسد إيفلين. اللحظة التي بدأت فيها التدخل في حياة سيرتين.
لقد تغير المصير منذ تلك اللحظة.
كل شيء كان مترابطًا كشبكة عنكبوت.
“لقد دعوتكما إلى يوريس لأنني رأيت حلمًا آخر… حلمًا بموت سيرتين.”
صدمة!
كانت صدمة قاسية ضربت روحي. سيرتين… سيموت؟ لماذا؟
“كيف… سيموت سيرتين؟”
سألتها لأقارن بين رؤيتها ومعرفتي بالمستقبل.
“لم يكن الحلم واضحًا إلى ذلك الحد. رأيت فقط أنه كان ممددًا على الأرض، ينزف. كان ذلك في حديقة الإمبراطور… حيث كانت أزهار السهام الذهبية مزهرة بالكامل.”
أزهار السهام الذهبية…
كانت أزهار الامبراطور ، تزهر فقط في أوائل الصيف، ولا توجد إلا في القصر الإمبراطوري في ليكسيا.
“إذن، استدعيتِنا إلى يوريس في لتجنب هذا المستقبل؟”
أومأت الأميرة اليزابيث برأسها، مؤكدة استنتاجي.
“وأردت أن أختبر شيئًا أيضًا. ربما إذا كان في يوريس، سأرى حلمًا جديدًا يكشف مستقبلًا مختلفًا.”
“لقد مر أسبوعان منذ أن غادرت الإمبراطورية مع سيرتين. هل رأيتِ حلمًا جديدًا؟”
“لا.”
اللعنة.
إذن، ما الذي سيؤدي إلى موته؟
التعليقات لهذا الفصل "76"