أمسك سيرتين بي، فوقف شعر رأسي من شدة الإحساس. ثم ابتسم بلطف وطبع قبلة على أصابعي.
“أعلم يا إيفلين. أعلم ما الذي يشغل بالكِ.”
فتح سيرتين أصابعي وقلبها، شعرت و كأنني سأصاب بالجنون من حرارة شفتيه اللتين تلامسان راحة يدي.
“سيرتين، أنا…”
ضيّق سيرتين عينيه وابتسم.
“لا أنوي التورط في موقف لا أستطيع تحمل عواقبه، ولا أريد أن أسبب لكِ أي مشكلة.”
كان يعبث بأصابعي بلطف.
“لا أريد أن أضعكِ في موقف خطير.”
فالمتغيرات غير المتوقعة كانت نقطة ضعف في العادة. تنهد سيرتين بحرارة.
“لكن… هل يمكنني تقبيلك؟”
كان صوته مكبوتًا.
“…لا تحتاج إلى أن تسأل عن شيء كهذا.”
حتى أنا شعرت بأن صوتي كان ممتلئًا بالعاطفة. رفع سيرتين ظهره ليجلس باستقامة، ثم جذبني نحوه وهو يضع شفتيه فوق شفتي.
غمرني عبير جسده الذي بدأت أعتاد عليه.
لم تكن تلك القبلة مجرد لمسة لعوبة كما فعل قبل قليل بأصابعي، بل شعرت كأنني أُلتَهم بالكامل.
وكأن روحي كلها تُسحب منه.
ضمّني سيرتين بقوة، وأمسك بخصري ليشدني نحوه. تشبثت بعنقه بتنهيدة ضعيفة.
في لحظات كهذه، لم يكن بمقدوري التفكير في أي شيء آخر. كنت وكأنني مملوكة له بالكامل.
****
في مكان آخر
صفع فيكتور خد إينيس بلطف مرتين، وسرعان ما احمر وجهها الطفولي الذي لم يتخلص بعد من ملامح الطفولة.
“استيقظي، إينيس. هل فهمتِ ما قلته؟”
“…نعم، أخي.”
أومأت برأسها بانكسار.
كانت نائمة بهدوء قبل أن تُسحب فجأة من سريرها، وحين حاولت المقاومة تلقت عدة ضربات على مؤخرة رأسها، مما جعلها تستسلم بالكامل.
“كم أنتِ لطيفة عندما تطيعين الأوامر.”
تأملها فيكتور بنظراته المتفحصة.
في غضون الأيام الثلاثة المقبلة، سيحضر ولي العهد وزوجته عدة مناسبات اجتماعية.
لم يتبقَّ سوى يومين فقط.
كل نبلاء لاروس سيتجمعون لرؤيتهم، وستكون المنافسة بينهم شرسة.
وسط هذه الفوضى، لم يكن من الصعب إدخال إينيس بينهم.
راقب فيكتور الفستان الذي ترتديه إينيس بارتياح. كان فستانًا كاشفًا يبرز خصرها النحيف وصدرها بالكامل.
فستان مبتذل لم تكن لترتديه أبدًا تحت أي ظرف آخر.
“يجب أن تكوني بهذا الشكل على الأقل حتى تجذبِ الانتباه.”
كان فيكتور مدركًا تمامًا لذوق سيرتين العالي.
بالطبع، طالما أنه متزوج من امرأة مثل إيفلين، فمن الصعب أن يلتفت إلى أي امرأة أخرى.
كان من المعروف في لاروس أن ولية العهد لم تكن في كامل قواها العقلية.
“لكن لا يمكن إنكار أنها جميلة. وجهها من النوع الذي ترغب في رؤيته يبكي، وصوتها أيضاً كان ساحرًا.”
لعق فيكتور شفتيه.
حتى بين النساء اللاتي التقى بهن، كانت إيفلين أجملهن.
كانت في نظره فريسة شهية بشكل يفوق الوصف. شهقت إينيس بينما كانت تنظر إلى فيكتور.
‘أبي… أرجوك، أنقذني…’
كان رأسها لا يزال ينبض بالألم من الضربات التي تلقتها.
شعرت بالاختناق بسبب المشد المشدود حول خصرها، كما أن الرائحة القوية للعطر الذي غمرها كانت تلسع أنفها.
كل شيء كان مؤلمًا و مذلًا.
عمرها لم يكن يتجاوز العشرين عامًا. بالكاد خرجت من مرحلة الطفولة و أصبحت بالغة.
كانت عاصفة صغيرة على وشك أن تضرب لاروس.
***
“همم، بما أن المناسبة رسمية اليوم، فمن الأفضل أن تبدو أكثر وقارًا.”
“لون شعر سموّكِ وردي، لذا سيكون الفستان الوردي الفاتح خيارًا مناسبًا. وإذا كان مطرزًا بخيوط فضية، فسيعطيكِ مظهرًا أكثر فخامة.”
استمعت إليهن بابتسامة بريئة، متظاهرة بأنني لا أفهم شيئًا.
“واو، هذا لذيذ جدًا!”
كانت حلوى خاصة تباع فقط في لاروس، محشوة بفاكهة حمضية استُورِدَت عبر الميناء.
عندما قضمتها، انفجرت الحشوة المنعشة داخل فمي.
“يا إلهي، هذا لذيذ حقًا.”
“البائع في المخبز أوصى بها، هل أعجبتكِ؟”
“نعم! أريد المزيد، أريد أن آكل المزيد منها!”
كان طعمها يشبه البرتقال واليوسفي معًا، مما زاد من شهيتي.
“سأحضر لكِ المزيد. وهناك نكهات أخرى أيضاً، هل تريدين تجربتها؟”
“آه، نعم نعم!”
تبادلت الحديث مع الخادمات بودّ.
أخبرنني أنهن ذهبن إلى السوق بينما كنت أحضر الحفل الليلة الماضية، وشاركنني ما رأينه هناك.
بفضلهن، لم أشعر بالملل أثناء تحضير نفسي.
كان سلوكهن مختلفًا تمامًا عن الخدم الذين تعاملت معهم في السابق، أولئك الذين اعتادوا على تجاهلي أو احتقاري.
أشعرتني هذه البيئة الجديدة براحة أكبر.
بدا أن لاروس سيكون مكانًا لطيفًا بالنسبة لي.
“ها قد انتهينا.”
أوقفتني الخادمات أمام المرآة.
“سموكِ جميلة جدًا!”
“حقًا؟ هل أنا جميلة بما يكفي ليعجب زوجي؟”
“بالطبع! هل تريدين أن تبدي جميلة لدى ولي العهد؟”
حتى الأطفال يرغبون في أن يكونوا جميلين في نظر من يحبون.
وبالطبع، أردت أن أبدو جميلة في نظر سيرتين.
لم أستطع تحديد طبيعة علاقتي به.
لكننا كنا نقضي الليالي معًا، نحدق في بعضنا البعض ونتحدث حتى الفجر، ونتشارك لحظات خاصة…
احمرّ وجهي.
“نعم، الجمال شيء جيد…”
“بالطبع، سموّ الأميرة. اليوم تبدين جميلة جدًا، لدرجة أن سمو ولي العهد سيُفاجَأ برؤيتك.”
تحدثت الخادمات بلطف، وشعرت بالامتنان لكلماتهن.
لو كانت سيرينا أو روزي هنا، لكنّ ضحكن عليّ بالتأكيد، من الذي سيرى طفلة على أنها جميلة؟
في الأساس، لم يكونا ليبذلا قصارى جهدهما من أجلي. لذا، كنت ممتنة لأنهن لم يكنّ مثلهم. كنت ممتنة لأنهن دائمًا ما يبذلن كل ما في وسعهن من أجلي.
دفعتني الخادمات بلطف من ظهري بعد أن قمن بتعديل أحمر شفاهي.
“سمو ولي العهد ينتظر في الخارج.”
“آه!”
في غرفة الاستقبال، كان سيرتين يراجع بعض الوثائق. لاحظت أنه كان يحمل شيئًا في يده دائمًا—أحيانًا كتابًا، وأحيانًا أخرى وثائق. بدا أنه لا يستطيع البقاء بلا عمل. حسنًا، لقد عاش دائمًا حياة حافلة.
رفع سيرتين رأسه، وكأنه شعر بوجودي. عندما التقت أعيننا، وقف منتصبًا، ثم رتّب ملابسه ومدّ يده نحوي.
“لقد كان انتظارًا يستحق العناء.”
“هممم؟”
“أنتِ جميلة.”
عندها، أطلقت الخادمات شهقات صغيرة من الدهشة. ابتسمتُ بسعادة وغادرتُ الغرفة معه. كان نسيم البحر البارد يحيط بنا. لقد كانت بداية ليوم سعيد.
***
كان الشخص الذي دعانا اليوم لتناول وجبة الفطور المتأخر هو الكونت بريزمان، الذي يدير بنكًا محليًا في لاروس.
لطالما أدارت عائلة الكونت بريزمان هذا البنك في لاروس، حيث كانوا يتعاملون مع التجار والشركات ذات القواعد في بلدان أخرى.
“إنه لشرف عظيم أن ألتقي بكما، صاحبي السمو. أنا كيت بريزمان.”
“شكرا لك على حسن ضيافتك، الكونت بريزمان.”
ابتسم الكونت بريزمان بإشراق. تتمتع لاروس بمناخ معتدل على مدار السنة، فلا هي باردة جدًا في الشتاء ولا حارة جدًا في الصيف. كان بحر ميناء لاروس يحمي المدينة وسكانها. كان أهل لاروس يحبون البحر .
يبدو أن هذا الهدوء انعكس على الناس هنا.
وربما لهذا السبب، لم تكن نظرات الناس إليّ حادة كما كنت أخشى.
تجمع الناس بسرعة من حولنا. كانوا جميعًا يرغبون في التحدث مع سيرتين، ولكن رغم ذلك، لم يبتعد عني ولو خطوة واحدة.
توافد الناس بسرعة علينا. كان هناك الكثير من الأشخاص الذين أرادوا قول كلمة لسيرتين، لكن سيرتين لم يتخذ خطوة واحدة بعيدًا عني.
عندما وصل الحفل إلى ذروته، تحدث الكونت بريزمان.
“سمعت أن سمو الأميرة إليزابيث ستصل قريبًا.”
“الشائعات تنتشر بسرعة.”
“لدي معرفة بسيطة بمدير فرع مجموعة كورتيس في لاروس، وهناك أمر أود طلبه منك.”
أومأ سيرتين برأسه، مشيرًا له بأن يتحدث.
“أريد عقد صفقة مع كورتيس. سمعت أن صاحبة السمو الملكي الأميرة إليزابيث تتمتع بكامل السلطة في اتخاذ القرار. إذا أمكنني مقابلتها مرة واحدة بعد وصولها…”
“على ماذا سأحصل في المقابل؟”
ابستم سيرتين بهدوء
“هل لديك مقابل كافٍ لهذا الطلب؟”
كان سيرتين رجلاً لا يضيّع أية فرصة.
التعليقات لهذا الفصل "68"