قبلتُ اقتراح الجدّة الكبرى، وقرّرنا السّفر إلى الفيلا على ضفّة البحيرة.
في الحقيقة، كنتُ قد فكّرتُ في إنجاب طفل ثانٍ، وتزامن ذلكَ مع انتهاء جدولي المزدحم، مما منحني بعضَ الوقت.
بعد أسبوع، أكملنا استعداداتنا للرحيل.
“هل سيكون الأمر على ما يرام حقًا؟ هل يمكننا ترك ليون؟”
نظرتُ إلى الخدم وهم يحملون الأمتعة إلى العربة، و أطلقتُ تنهيدة قلقة للمرّة العاشرة.
وضعَ سيرتين يده على كتفي و ابتسمَ بلطف. بدا مرتاحًا كعادته.
“الجدّة موجودة هناك، وكذلك المربية و فيرونيكا. لا داعي للقلق على ليون.”
كان ذلكَ صحيحًا.
“لن أخرج لتوديعكما. استمتعا برحلتكما، كلاكما. عودا بأمان، و لا تنسيا ما يجب القيام به. أمّـا ليون…”
“كيااا! ماما! أوو!”
“لا داعي للقلق عليه.”
قبل مغادرتنا، زرنا قصر الجدّة الكبرى، لكنّها طردتنا بطريقةٍ ما. وقفتُ مرتبكة أمامَ الباب المغلق في وجهنا.
“ومع ذلك…”
“إيفلين.”
رفعَ سيرتين ذقني بلطف. كانت عيناه الزرقاوان تلمعان بنظرة مرحة.
“أعرفُ طريقة فعّالّـةً لإسكات فمكِ.”
احمـرّ وجهي. كان سيرتين يمتلك موهبة فطريّة في إحراجي. أحيانًا ينسى أنّنا في مكانٍ عام.
“هل جننت…؟”
ارتفعت زاوية فمه أكثر عند سماع تمتمتي. هربتُ إلى العربة و وجهي يحترق كالشمس.
***
كانت المسافة إلى الفيلا على ضفّة البحيرة تستغرق يومًا ونصفًا بالعربة.
بسببِ توصية الجدّة باختيار فيلا على البحيرة، كانت المسافة طويلة لا محالة.
“آه…”
بدأت إثارة الرحلة تتلاشى أمام إزعاج جسدي. أسندتُ رأسي إلى النافذة. لم يعتد جسمي على السّفر الطويل بالعربة منذُ فترة.
بما أنّ الرحلة تستغرق أكثر من يوم، كان علينا التوقّف للمبيت في الطريق.
عندما وصلنا إلى أوّل مكان للمبيت، أطلقتُ تنهيدة حالما نزلتُ من العربة.
أدارَ سيرتين رقبته لتخفيف التشنّج.
“ربّما كان يجب أن نختار مكانًا أقرب.”
نظرَ إليّ سيرتين و ضحك.
قبل أن أعبس بسببِ نظرة عينيه الزرقاوتين المتلألئتين بالضحك، قال:
“مَـنْ الذي أصرّ على أن تكون الفيلا على ضفّة البحيرة؟”
“لكن…!”
“لم أكن أعرف أنّكِ تتوقين إلى إنجاب طفل ثانٍ.”
فتحتُ فمي ثمّ أغلقته، و نظرتُ إليه بحدّة.
بعد لحظات أدرتُ رأسي قليلًا.
“ليون جميل جدًا، لذا شعرتُ أنّه قد يشعر بالوحدة لوحده…”
احتضنني سيرتين فجأة. قبّـل جبهتي بخفّة وهمس:
“كمـا تريدين.”
ابتعدَ سيرتين و توجّه نحو الخادم الذي كان يتحدّث إلى صاحب النزل. فركتُ جبهتي و نظرتُ إلى ظهره بحدّة.
“آه…”
رأيته يطلب من صاحب النزل تحضير ماء الاستحمام. كانت القرية التي نمكث فيها صغيرة جدًا، لذا كان النزل هو الخيار الوحيد.
بما أنّنا أردنا أن تكون الرحلة هادئة، لم نبلغ الكثيرين بها، ممّا جعلنا نقبل بعض الإزعاج.
“سيدي، تفضّل بالدخول. سنحضّر الغرفة و ماء الاستحمام فورًا.”
فركتُ ذراعيّ وأنا أستمع إلى صاحب النزل. كنتُ أتوق للاستحمام بسرعة.
***
شعرتُ بتحسّن بعد الاستحمام بالماء الساخن. عندما خرجتُ، كان سيرتين قد استحمّ بالفعل وكان يقرأ الجريدة.
رفع عينيه قليلًا نحوي وقال:
“كيف حال جسدكِ؟”
“الآن أنا بخير.”
وضعَ سيرتين الجريدة على الطاولة وقال:
“يُقال إنّ هناك شيئًا يُدعى القطار في إيستوس. يسير على قضبان حديديّة، و هو أسرع وأكثر راحة من العربة. يقولون إنّه لا يوجد أفضل منه للسفر الطويل. هل سمعتِ عنه؟”
بالطّبع، كنتُ أعرف. قبل أن أصبح إيفلين، كنتُ شخصًا من عالم آخر، كان ذلك العالم في عصر التكنولوجيا الحديثة، مع تقدّم علميّ سريع.
لكنّني تظاهرتُ بعدم المعرفة و أصغيتُ إليه. جفّفت الخادمة شعري.
“إذا كان هناك شيء كهذا، سيكون رائعًا. سيساعد في تطوّر الثقافة و المجتمع، و ربط المدن معًا.”
“بالتأكيد. ستصبح التجارة أكثر نشاطًا، و انتقال المعلومات أسرع.”
مال سيرتين برأسه نحو السقف، و هو غارق في التّفكير.
“بعد انتهاء هذه الرحلة، سأبحث عن هذا الأمر. ربّما يمكننا إدخال القطار إلى ليكسيا.”
“أنا موافقة. سيكون ذلكَ مفيدًا لسياساتكَ أيضًا.”
رمشَ سيرتين بعينيه.
أول يوم بكوننا بعيدين عن القصر الإمبراطوريّ انتهى بهذه الطّريقة.
***
في عصر اليوم التالي، وصلنا أخيرًا إلى الفيلا على ضفّة البحيرة.
“واو…”
عندما نزلتُ أمام الفيلا، لم أستطع إلا إطلاق تنهيدة إعجاب.
ضغطتُ على قبّعتي. شعرتُ و كأنّني أختنق أمام المنظر الخلّاب. أمام عظمة الطبيعة، شعرتُ بصغري.
كانت البحيرة أمامي نقيّة كالمرآة، تعكس السماء كأنّها سماء أخرى.
و الغيوم كانت تسبح بهدوء في البحيرة، متلألئة بجمال.
تناثرت حبّات الضوء على الأمواج.
“أليس هذا جميلًا؟”
التفتُ إلى سيرتين وسألته.
ابتسمَ سيرتين، الذي كان يقفُ خلفي، بمودّة. شعرتُ بخدّيّ يحمرّان دونَ سبب. ربّما بسببِ بُعدنا عن القصر الإمبراطوريّ، أو بسببِ الأجواء الحاليّة، بدا سيرتين مختلفًا، أكثر وسامة.
كان قلبي ينبض بحماسة مبهجة.
السّفر معه دائمًا يحمل معانٍ إيجابيّة بطريقةٍ أو بأخرى.
“جلالتكما، أنا مارسيل، المسؤول عن الفيلا.”
استقبلنا رجل مسنّ.
“مرحبًا بكما. لقد أعددنا كلّ شيء بعد تلقّي طلبكما. إذا احتجتما شيئًا، أخبراني في أيّ وقت.”
“شكرًا على مجهودك. هل يمكننا ركوب قارب في البحيرة الآن؟”
“بالطبع. لدينا قارب تجديف صغير جاهز. إذا خرجتما وقت غروب الشمس، ستريان منظرًا رائعًا حقًا.”
بناءً على توصيته، قرّرنا ركوب القارب عند الغروب. لكن أوّلًا، قرّرنا تبديل ملابسنا إلى أخرى مريحة.
كانت الفيلا دافئة و مريحة.
كانت البحيرة تظهر من النّافذة الكبيرة في غرفة المعيشة، و كانت الفيلا صغيرة وجميلة، مضاءة بأشعة الشمس.
كانت تحمل الأجواء التي قالت الجدّة الكبرى إنّها رأتها في حلمها.
“إنّها رائعة! ماذا عنكَ، سيرتين؟ هل تعتقد أنّها جميلة؟ إذا كبـرَ ليون قليلًا، يمكننا القدوم معه. سيحبّ صيد السمك على ضفّة البحيرة، أليس كذلك؟”
“بالتّأكيد.”
مالَ سيرتين و قبّـلَ خدّي.
“إذا كنتِ تعتقدين ذلك، فهو كذلك.”
همسَ سيرتين في أذني. كان صوته دافئًا يتسرّب إليّ.
لم يبدُ أنّ سيرتين مهتمّ كثيرًا بهذا المنظر الخلّاب. كان راضيًا طالما أنا راضية، ولم يكن ذلكَ سيئًا.
احتضنتُ خصره. كان ينبعث منه العطر الذي أحبّه.
كلّ شيء في سيرتين، حتّى أفكاره، كانت تبدو و كأنّها تدور حولي أنا فقط.
كان يصفّف شعره بالطريقة التي أحبّها، و يرتدي ربطة عنق باللّون الذي أفضّله، و يستمتع بالطعام الذي أحبّه.
حدثت هذه التغيّرات فيه منذُ أن بدأنا نعيش معًا، كأنّه يسير معي جنبًا إلى جنب.
“أنا سعيدة جدًا. لأنّني معـكَ.”
ضحكَ سيرتين بهدوء. شعرتُ أنّ هذه اللحظة ثمينة جدًا.
علمتُ أنّ هذه الرحلة كانت قرارًا صائبًا بلا شكّ.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 153"