5. أثناء الصيف
لم يخبرني حتى الآن بأي وسيلة سيتقدم للمسابقة. هل تقدم مسبقًا؟ كيف؟ أنا من كان لديه الشغف بهذه الرحلة أكثر من سيرتين.
أتذكر أن سيرتين كان مشغولًا حتى قبل مغادرتنا بقليل. كان يعاني من ضغط العمل طوال اليوم، وكان عليه وضع خطط طوارئ لجميع الحالات المحتملة التي قد تحدث أثناء غيابنا.
ولم يكن هذا فقط، بل كان الصيف. في المناطق الجنوبية، كانت الفيضانات تحدث بشكل متكرر، وعلى العكس ، كانت بعض المناطق تعاني من الجفاف.
طوال الربيع ، أجروا أعمال إنشاء لخزانات المياه، لكن لا يوجد ضمان بأن ذلك سيمنع كل الكوارث. حتى في إيلاس، سمعت أنه عندما يكون المناخ سيئًا، تهب العواصف و تعلو الأمواج لتتجاوز الحاجز البحري.
أن تكون مسؤولًا عن بلد يعني أن هناك الكثير مما يجب أخذه بعين الاعتبار. الشيء المريح هو أن شيئًا من هذا لم يحدث طوال فترة إقامتنا.
ولهذا استطعت التركيز على الرحلة.
“هذه قائمة بالمطاعم التي يجب علينا تجربتها، سيرتين.”
كانت أشياء لا يمكن تذوقها إلا في مهرجان البحر في إيلاس، و قد اختارتها الخادمات بعناية. ربما لأنهن من سكان إيلاس الأصليين، كانت معلوماتهن دقيقة جدًا.
“همم. تبدو أطعمة يمكن الحصول عليها بسهولة.”
“لا! لقد قلن إن فيها شيئًا مميزًا!”
سيرتين شخص عقلاني و منطقي لا يفهم هذه الأمور الرومانسية. رمقته بنظرة حادة. ليت لديه قليلًا من الحماس.
في الماضي، لم أكن لأحلم بمثل هذه الأمنيات التافهة، لكن يبدو أنني أصبحت أملك وقتًا كافيًا الآن لأتمنى أشياء كهذه.
كانت الحرب الأهلية التي اندلعت قبل بضعة أشهر فقط تبدو الآن بعيدة جدًا.
“أي منها تريدين تجربته أولًا؟”
“هذا أولًا!”
سيخ من فخذ الدجاج المشوي بتتبيلة خاصة! مجرد سماع اسمه يجعلني أتوق إليه. نظر سيرتين من حوله وقال:
“إن كنا نريد ذلك، فعلينا التحرك بسرعة. إن كان الطابور بهذه الطول، قد لا نتمكن من تناوله اليوم…”
“أسرع!”
أمسكت بيده و بدأت أمشي بخطوات سريعة. كان الزحام شديدًا فلم نتمكن من التحرك بسرعة. ابتسم سيرتين بخفة ثم جذبني إلى الأمام.
حين تقدم سيرتين، أصبح الأمر أسرع بكثير. كان يشق طريقه كجرافة، و لم أتمالك نفسي من الضحك حين رأيته. شعرت بوخز لطيف في قلبي. كنا حقًا نستمتع برحلة شهر العسل.
مثل الآخرين، بطريقة عادية.
****
“يبدو أن هذا المكان لا يحتوي فقط على المطاعم اللذيذة، سيرتين.”
“هممم؟”
كان سيرتين يأكل خبزًا محشوًا باللحم المتبل، فمال برأسه باستغراب. بدا في تلك اللحظة ظريفًا على غير عادته، مما جعلني أضحك.
“يقولون ان هناك متجرًا للهدايا التذكارية هناك.”
لا تكتمل رحلة شهر العسل دون هدايا تذكارية. كان من الطبيعي أن أفكر في من يتحمل عنا الآن. مثل الجدة إليزابيث، والدوق روجر، و جوليا، و هايزل، والسير مورتيغا ، و حتى فيرونيكا.
كانت فيرونيكا من أكثر من شجع على رحلتنا.
“أنا لم أكن أفهم لماذا يحب الناس الخروج من القصر، حتى خرجت بنفسي. إيفلين، يجب عليكِ الذهاب في شهر العسل. عليكِ أن تعلّمي سيرتين كيف يعيش المرء كإنسان.”
قالت فيرونيكا إنها ستبقى في القصر الإمبراطوري طوال فترة رحلتنا. لقد نضجت كثيرًا أثناء انشغالها بأعمالها الخاصة.
“لن أكون جيدة مثل إيفلين. لا يمكنني ذلك، فلكل شخص قدراته. لكن سأبذل قصارى جهدي. حتى لا يهتز القصر بغياب إيفلين.”
بفضل فيرونيكا، خف الحمل عني كثيرًا. شراء الهدايا لمن أحبهم كان أمرًا ممتعًا.
“هدايا تذكارية؟”
“نعم ، من الأفضل أن نشتري بعض الهدايا.”
“لماذا نشتري هدايا تذكارية من هذا المكان؟ ما المعنى منها؟ نحن من يعطي هذا المكان معناه، أنا و إيفلين.”
في هذه اللحظة، أدركت كم أن طباعنا مختلفة. أردت أن أضربه على فمه المزعج. الغريب أن سيرتين لم يكن يدرك أصلًا لماذا يُطرح عليه هذا السؤال.
ربما هذه هي عملية التأقلم. حين تزوجنا أولًا، لم يكن لدينا وقت لنشعر بهذه الأمور.
“لديها معنى أننا لم ننسهم حتى هنا. وأيضًا نريد أن نشاركهم ذكريات هذا المكان.”
“…إن كانت هذه رغبتكِ ، فليكن.”
سار سيرتين خلفي بهدوء. و لحسن الحظ، لم يشتكِ من الخبز الذي كان يأكله ، كان يبدو و كأنه أعجبه.
كان هناك من يحدق بنا أثناء نظر سيرتين حوله. ربما بسبب طوله و جسده المُلفِت، ثم بعد ذلك بسبب وسامته. لاحظت نساء عازبات يبتلعن ريقهن بأسى.
همف. أمسكت بذراعه بسرعة.
ابتسم سيرتين بلطف و عدّل قبعتي. كان وجهه المبتسم جذابًا حقًا. يبدو أنني لن أكتسب مناعة ضده أبدًا، لقد وقعت في حبه من جديد.
آه، بحق السماء. إنه يعرف تمامًا كم أصبح ضعيفة أمام ابتسامته.
تذمرت قليلًا و أنا ألمس القبعة التي رتبها بيده.
****
ما الذي يوجد لشرائه بهذا القدر؟
سيرتين اعتبر الأشياء التي اشترتها إيفلين عديمة الفائدة و رخيصة، بينما هي اشترت الكثير منها.
صناديق الموسيقى، مشغولات زجاجية، مقصات قديمة المظهر بلا فائدة… إيفلين أعطت كل شيء منها معنى، وحددت لمن ستهدي كل منها.
مهما فعلت، إن كانت إيفلين سعيدة، فذلك كافٍ. وُضعت المشتريات في العربة التي كانت تنتظر. الآن جاء وقت سيرتين. أمسك سيرتين بيد إيفلين.
“علينا أن نسرع، هناك مكان يجب أن نذهب إليه.”
“نعم؟”
أمالت إيفلين رأسها متعجبة. مع أنه كان يتحدث بإلحاح عن منصة المشاهدة، إلا أن تعبيرها بدا كأنها نسته تمامًا. ابتسم سيرتين بخفة.
“هيا بسرعة. علينا المشاركة في المسابقة. هل نسيتِ منصة المشاهدة؟”
“آه! وقت المسابقة قد اقترب!”
كانت المسابقة تبدأ في الساعة الرابعة مساءً. و قد تجاوزت الساعة الثالثة لتوّها.
“لكن، كيف ستشارك؟ آه، سيرتين!”
رفع سيرتين إيفلين كما لو كان يحملها و قفز بها. عانقت إيفلين عنقه بإحكام و أطلقت صرخة سعيدة. تذكّرت فجأة صوت مورتيغا وهو يقول إن عليهم الوصول قبل بدء المسابقة بنصف ساعة تقريبًا.
“سيأتي يوم تشكرني فيه.”
ربما سيتحقق ما أكّده مورتيغا. إن فاز سيرتين وأهدى إيفلين مشهد الليل من منصة المشاهدة، فإيفلين شخص يحفظ وعده وستفي بوعدها، وذلك سيجعل سيرتين سعيدًا. ارتسمت على وجه سيرتين ابتسامة.
تطاير شريط خصر إيفلين مع هبوب الرياح. ولحسن الحظ، وصلا إلى مكان المسابقة في الوقت المناسب.
أُرسلت إيفلين، التي كانت تلهث وهي مذهولة، إلى المدرجات، بينما توجّه سيرتين بمفرده إلى المكان الذي تجمع فيه المشاركون.
رأى إيفلين تخلع قبعتها و تلعب بخصلات شعرها.
“أوه، هذا هو المشارك الأخير. لحسن الحظ لم تتأخر! بما أن تشكيل الفرق يتم بشكل عشوائي من قبل الجهة المنظمة ، فقد تم توزيع الفرق مسبقًا. السيد مورتيغا في الفريق E!”
كتب اسمه بناءً على توصية مورتيغا، والآن شعر بشعور غريب. توجّه سيرتين إلى الفريق E.
“كح-كح.”
سعل الرجال الذين رأوه لأول مرة. ارتسمت ابتسامة على شفتي سيرتين.
“حسنًا، حسنًا. نحن جميعًا هنا بهدف الفوز. لقد وعدت حبيبتي أن أتقدّم لها بخطبة على منصة المشاهدة اليوم. لذا، أتمنى أن تتبعوا تعليماتي…”
دائمًا ما يوجد شخص يرغب في أخذ زمام المبادرة. لكن الرجل المتحمّس الذي كان يتحدث توقف عن الكلام عندما التقت عيناه بعيني سيرتين.
“اتبعوا تعليماتي.”
قالها سيرتين و هو يفك ذراعيه و يعلن ذلك بتعجرف. كان يمكن الجزم بأنه لن يكون هناك قائد أكثر كفاءة من سيرتين في هذا الميدان.
“إن اتبعتموني، سنفوز بالتأكيد. أُقسم على اسمي.”
رمز النصر الأبدي للإمبراطورية، القائد المحنّك أعلن مشاركته.
التعليقات لهذا الفصل " 149"