2. أثناء الصيف
“إذا تحسن الطقس، فاذهبي في رحلة. ويفضّل أن تكون إلى مكان فيه بحر.”
استغرق الأمر وقتًا طويلاً حتى يتحقق اقتراح الجدة الكبرى إليزابيث في الواقع. فقد كان لا بد أن يمر الوقت من الشتاء إلى الربيع، ثم يعود الصيف مجددًا.
خلال ذلك، أصبح سيرتين إمبراطورًا، و تـوفّي الإمبراطور السابق.
وأنا أيضًا، أصبحت الإمبراطورة. لم تعد هناك آثار للماضي في القصر الإمبراطوري.
حتى الأطفال الذين كان عليهم العودة، قد عادوا. رودريك و ليـا عادا للعيش في العاصمة من جديد. و عندما استقرت الأوضاع في القصر الإمبراطوري…
“عليكِ الذهاب الآن. بما أنني بصحة جيدة، فهذه هي الفرصة. عندما أفقد قوتي ولا أستطيع أن أقدم لكِ أي عون، حتى لو أردتِ الذهاب، لن تستطيعي.”
“ما الحلم الذي رأيتِه؟”
عندما سألت، ابتسمت جدتي بغموض و اكتفت بالصمت. و بإلحاح من جدتي الكبرى، أتيت في رحلة إلى لاروس، ومن ثم إلى الجنوب أكثر، إلى الوجهة التي تمنّيتها.
في الصباح الباكر، كنت أحدق في البحر بشرود.
هل هذا حقيقي؟ هل يُعقل أن أكون مرتاحة هكذا؟
لا وجود للخادمات اللواتي كن يسرعن إليّ صباحًا لإيقاظي و مساعدتي في الزينة ، ولا هايزل التي كانت تقرأ لي جدول الأعمال.
ولا مشدات الجسم التي كنت أرتديها لأحافظ على وقفتي بشكل مستقيم ، و لا مستحضرات التجميل التي كنت أضعها لتعزيز هيبة الإمبراطورة.
الفستان المريح و الواسع الذي أرتديه بسهولة، والمكان الذي حتى لو نمتُ حتى وقت متأخر فلا بأس بالأمر… هذا هو واقعي الآن، إيلاس.
قضمة من الخبز الفرنسي المحمص بشكل جميل جعلتني أعود قليلًا إلى الواقع.
رائحة البيض التي ملأت فمي أنعشت ذهني.
رأيت سيرتين يسير على الشاطئ ، و كأنه عائد من نزهة صباحية.
لم أكن الوحيدة التي أصبحت مرتاحة.
حتى سيرتين، لم يكن يرتدي سوى قميص واسع و سروال أسود فضفاض.
رغوة الأمواج كانت تلمس أطراف قدميه وتتبخر.
أدار سيرتين رأسه ونظر إليّ.
اقترب مني.
“استيقظتِ؟”
سألني و هو مستند إلى درابزين الشرفة البيضاء. بدا و كأنه شاب ثري يمكن رؤيته بسهولة في الشوارع.
“……متى استيقظتَ؟”
سألته و أنا لا زلت أشعر ببعض النعاس، فضحك سيرتين.
“أيتها الآنسة الناعسة. أنا أستيقظ باكرًا.”
أمال سيرتين رأسه و طبع قبلة خفيفة على شفتي.
“مربى البرتقال؟”
أومأت برأسي ببطء. ضحك سيرتين بهدوء. لقد بدا شابًا مفعمًا بالحيوية، مثل عمره تمامًا. حتى ابتسامته كانت مفعمة بالحياة. لم يكن الشخص الرسمي دائمًا.
أخرج سيرتين يده من خلف ظهره.
كان يحمل باقة من الزهور البرية المتمايلة.
“هدية.”
ضحكتُ من همسه المنخفض و البسيط. اختفى النعاس فجأة. و كأن رائحة مربى البرتقال قد عادت لفمي.
عانقته بقوة من خلف درابزين الشرفة. كان لرائحته عبق البحر. عبق منعش كأنه يفتح الصدر.
*****
كان سيرتين ينظر إلى إيفلين، النائمة بين ذراعيه، بعينين مملوءتين بالحب. سحب الغطاء ليغطيها.
كانت ظهيرة هادئة و مسترخية.
بعد أن تنزها صباحًا، و أهدى لها هدية بسيطة، و قام بأغرائها على الفطور، و انتهى بهما الأمر إلى الفراش.
ثم قبّل إيفلين و هي تضحك تحت نسيم البحر المنعش.
كان هذا هو الروتين البسيط الذي طالما حلم به سيرتين. كل هذا تحقق بوجود إيفلين في أحضانه.
كان أمرًا مدهشًا. قبل أن يعرف إيفلين، لم يتخيل يومًا أنه سيعيش مثل هذه اللحظات ، و الآن أصبح كل هذا طبيعيًا تمامًا بالنسبة له.
لقد تعلم أن هناك في هذا العالم أشياء مفرحة ودافئة وسعيدة، و تعلم ذلك من خلال حبه لإيفلين.
لذلك كان ممتنًا بشدة لهذه اللحظة. لن يستطيع التخلي عن هذه الحلاوة بعد أن تذوقها.
كان سيرتين يزداد تعلقًا و إدمانًا على إيفلين بسرعة لم يسبق لها مثيل.
“أحبك.”
همس بها بصوت خافت. لم يكن يريد إيقاظ إيفلين، فقط كانت مشاعره تغمره في هذه اللحظة.
بدأ يلاعب أصابعها.
كانت صغيرة و ضعيفة.
إيفلين كانت امرأة تليق بها بشدة مكانة الإمبراطورة، و لكنها أيضًا تليق بها مثل هذه اللحظات العادية أكثر من أي أحد.
كانت متعددة الأوجه . لم يكن سيرتين قد عرف مثل هذا النوع من الأشخاص من قبل.
فتحت إيفلين عينيها ببطء . لمعت عيناها بلون أخضر ناعم تحت ضوء الشمس، وكان مشهدًا رائعًا بالنسبة له. قبّل سيرتين خدها.
“ظهيرة طيبة.”
“……هاه.”
تمتمت إيفلين و هي تفرك عينيها.
“لقد قضينا يومًا كاملًا دون أن نفعل شيئًا، سيرتين.”
“لا اظن ذلك.”
“همم؟”
ضحك سيرتين ضحكات خفيفة.
“كيف يمكن أن نقضي أيامًا بأكملها هكذا… أشعر أنني رأيت سقف هذه الغرفة أكثر من البحر نفسه.”
“وأنا أحب ذلك أيضًا.”
دفنت إيفلين رأسها في صدر سيرتين و قالت بصوت ممتعض
“حقًا، هل سنقضي يوم الغد أيضًا من دون فعل أي شيء و كأننا عاطلون؟ ألم تكن تغريني بفكرة الرحلة؟ هل ستبقيني حبيسة هذه الغرفة الآن؟”
ضحك سيرتين بهدوء.
بالطبع ، كان يفضل البقاء مع إيفلين على انفراد في مكان لا يوجد فيه أحد على أن يخرج إلى الخارج.
كان ذلك شعورًا بالحرية لن يشعر به مجددًا بمجرد عودته إلى العاصمة.
لكن إيفلين لم تبدُ أنها تنوي الاكتفاء بهذا. بعد أن طبع قبلة على طرف عينها قال
“يبدو أن في إيلاس كرم عنب مشهور.”
“كرم عنب؟”
أبدت إيفلين اهتمامًا. ارتسمت ابتسامة على شفتي سيرتين. لم يأتِ إلى هنا من دون أي تحضير. مساعده المخلص ، مورتيغا، قد تحول إلى شخص متحمس يدعم جانب إيفلين.
“إن ذهبتَ في هذه الرحلة من دون أي تحضير، فستتلقى رفضًا.”
“أنا؟”
“و من غيرك؟ أليست هذه الرحلة بمثابة شهر عسل؟ إنها ليست رحلة دبلوماسية ولا رحلة عمل، بل شهر عسل خالص. انتَ لم تفكر في الذهاب من دون أي تخطيط، أليس كذلك؟”
حدّق مورتيغا في سيرتين بنظرة لوم. مؤخرًا، بدأ سيرتين يلاحظ أن الخدم و مورتيغا على حد سواء صاروا يتجاوزون على سلطة الإمبراطور تحت اسم دعم إيفلين. لم يكن مورتيغا نفسه القديم.
“يا لكَ من وقح. هل تحاول تعليم الإمبراطور الآن؟”
“لقد قررتُ الوقوف في صف جلالة الإمبراطورة من أجل سلام القصر الإمبراطوري و رفاهيته. وهذه رغبة الجميع أيضًا، يا جلالة الإمبراطور.”
“إذًا، ما الذي تريد قوله؟”
“هذه قائمة وجهات سياحية من أجل رحلة شهر عسل ممتعة ، أعددناها أنا و الآنسة هايزل، و الدوقة جوليا ، و أخيرًا صاحبة السمو الأميرة فيرونيكا. نرجو منك، بل نرجوك بشدة، أن تأخذها بعين الاعتبار.”
بدأ يبدو أن مورتيغا صار يخشى إيفلين أكثر من سيرتين نفسه.
على أي حال، طالما أن إيفلين ترغب بذلك ، فربما يكون من الجيد زيارة أحد الأماكن المذكورة في تلك القائمة غدًا.
ومن بين تلك الوجهات، كان كرم العنب قد حصل على تقييم مرتفع إلى حد جعله يوصف بأنه محطة لا بد منها للأحباء.
حيث أن العنب و الذي كان من المحاصيل المحلية لمنطقة إيلاس، يبلغ ذروة جودته في الصيف، وتصادف أن هذا هو الوقت المناسب تمامًا.
قيل إنه يمكن تجربة قطف العنب معًا، وتذوق النبيذ، والاستمتاع بنزهة قرب مزرعة العنب.
“يمكننا أن نشارك في قطف العنب، وأن نستمتع بنزهة، بل وأن نشرب النبيذ أيضًا.”
“يبدو ممتعًا ، رائع! أخيرًا سنقوم بموعد حقيقي كما يفعل أي زوجين!”
رؤية إيفلين وهي تومئ بعينيها المتألقتين علامة على رضاها دلّ على أن تلك القائمة كانت ذات جدوى فعلًا.
طبع سيرتين قبلة على خدها و هو يبتسم.
على أي حال، كان سيرتين ضعيفًا أمام إيفلين، و إن أرادت، فحتى لو طلبت الذهاب إلى مزرعة روث، لذهب معها دون تردد.
التعليقات لهذا الفصل " 146"