1. نهاية ريكست سبيلمان
نظر ريكست إلى السماء.
كان شخصًا لم يسبق له أن غادر ليكسيا منذ ولادته و حتى الآن.
ليكسيا كانت كل شيء بالنسبة له، و لهذا السبب أراد أن يمتلكها كلها. لم يكن كافيًا امتلاك جزء منها فقط، كان ذلك بمثابة عطش لا يُروى.
كل ما كان يريده ريكست هو إرواء ذلك العطش.
أطلق ضحكة ساخرة.
‘السماء تبدو نفسها ، مهما كان المكان الذي تراها منه.’
أثناء نظر أحد فرسان بايرود إليه وهو يضحك بتلك الطريقة الباهتة، بصق عليه.
“أيها الوغد ، هل هذا وقت الضحك؟!”
هل عليّ أن أبكي إذًا؟
حتى ذلك النوع من المشاعر قد تم محوه منذ زمن طويل. و مهما حاول أن يتذكر ، لم يكن يعرف من أين بدأ خطأه.
كان هدف ريكست واحدًا فقط، و كل ما مرّ به كان في سبيل تحقيقه فقط.
في سن الثامنة عشرة، رأى الإمبراطور.
في ذلك الوقت ، كان يُلقب بولي العهد . وجهه بدا و كأنه منكمش ، بابتسامة ضعيفة. لم يكن بأي حال من الأحوال شخصًا مناسبًا لـيكون وليًا للعهد.
*****
بينما كان ريكست يحتسي النبيذ، ضيق عينيه. عاد ولي العهد الذي كان يدرس في الخارج، و أقيم حفل ترحيبًا لعودته. بدا الأمر و كأن كل نبلاء ليكسيا قد اجتمعوا في هذا المكان.
حتى أولئك النبلاء الذين يصعب تحريكهم حضروا لرؤيته.
ريكست لم يكن استثناءً. كان يحمل في داخله شعورًا بالواجب لفعل أي شيء من أجل دوقية سبيلمان ، و كان من واجبه أن يبرز أمام ولي العهد ليصعد كأحد أبطال الجيل القادم.
“تبدو متوترًا يا صاحب السمو.”
أحد النبلاء الذين كانوا يلتفون حول ولي العهد سأله بنبرة قلقة.
أومأ ولي العهد برأسه بحذر و هو يحاول استعادة أنفاسه مبتعدًا عن الناس.
“هل اجتمعوا جميعًا هنا حقًا لرؤيتي فقط؟”
“نعم يا صاحب السمو. هل تشعر بالخوف؟”
أومأ ولي العهد برأسه بتعبير كئيب.
كان واضحًا.
هذا الشخص ليس بشخص يصلح أن يكون إمبراطورًا . لقد وُلد فقط في العائلة المناسبة، و في الوقت المناسب ، و هذا ما جعله يصبح الإمبراطور.
لكن الدم الإمبراطوري المباشر للإمبراطور كان يقتصر على ولي العهد فقط.
لو كان للإمبراطور ابن آخر ، لربما تغير الوضع الآن. فحتى الإمبراطور لا يمكن أن يكون أعمى تمامًا، لا بد أنه كان يدرك كم أن هذا الشخص غير كفء.
ابتسم ريكست سبيلمان بسخرية.
“هل علينا حقًا أن نظهر الاحترام لشيء كهذا و ندعوه بالإمبراطور؟”
كان مصيره مؤسفًا .
لو أنه وُلد في العائلة الإمبراطورية، لكان كل شيء مختلفًا. أو لو أن فردًا من العائلة الإمبراطورية يحمل دم سبيلمان قد ورث العرش، لكان هو من يقف في ذلك المكان.
لعبت الأقدار لعبتها و قادته إلى هذا الموقع.
حيث يُقدَّم شخص بهذا الضعف كولي للعهد.
“هذا ليس عدلًا.”
غمغم ريكست سبيلمان و هو يمسك كأس النبيذ الفارغ بين أسنانه.
كان مزعجًا بما فيه الكفاية أن عليه أن يكرّس حياته من أجل دوقية سبيلمان ، لكن إن كان الحاكم الذي عليه أن يخدمه بهذا الشكل البائس، فكيف يمكنه أن يشعر بأن الحياة تستحق أن تُعاش؟
إن كانت الشرعية في الدم، فحتى هو يملك الأهلية.
استدار ريكست بجسده البارد. لم يعد له حاجة بذلك الضعيف. لم يكن ينوي خدمة شخص كهذا لبقية حياته كحاكم له.
****
ريكست سبيلمان لم يفعل سوى أنه اختار ما يناسب ليكسيا أكثر.
وقد أثبت الإمبراطور على مدار حياته أن ريكست كان على صواب.
أدمن على المخدرات ، تهرّب من الواقع ، و تخلى عن ليكسيا.
ومن تولى حماية ليكسيا و قيادتها بدلًا منه لم يكن سوى ريكست.
‘أنا فقط طالبت بحقي. ذاك المكان كان من المفترض أن يكون لي.’
لكن لماذا لم يكن القدر في صفه؟ لماذا عليه أن يُنتزع منه كل شيء بينما كان يكافح بكل قوته؟
أفكاره اتجهت نحو سوديلا.
‘هل كان اختياري لتلك المرأة هو الخطأ؟’
كانت الفتاة الأبرز في الأكاديمية.
لم يجرؤ أحد على الاقتراب من ريكست ، الذي كان باردًا و حادًا.
فحتى كونه من دوقية سبيلمان ، لم يكن كافيًا لتحمل شخصية و طباع ريكست.
أما سوديلا ، فقد اقتربت منه دون تردد، نحو ريكست الذي كان يختار الوحدة بنفسه.
“هل تعرف كم بحثتُ عنك؟”
كانت امرأة لا تعرف الخوف.
كان الناس دائمًا يحومون حولها ، و الرجال الذين يتبعونها كانوا يحدّقون بها بانبهار.
عادةً ما تكون النساء محط غيرة بسبب مثل هذا الاهتمام من الرجال، لكن ذلك القانون لم ينطبق على سوديلا.
حتى الطالبات كنّ يستمتعن بصحبتها و الحديث معها.
كانت طالبة مرحة وتضحك كثيرًا.
كانت صاخبة لدرجة أن حتى ريكست لم يستطع تجاهلها.
بالطبع ، ريكست كان يرى أيضًا ظلّ صناعة الدفاع التي تقف خلف سوديلا.
“صرنا في نفس المجموعة، أيها الأمير المحصّن.”
“…. الأمير المحصّن؟”
“الجميع ينادونك هكذا. إنه لقب طفولي، لكنه يناسبك. لأتمكن من إنجاز مهمة الأستاذ، أنا بحاجة إليك يا أمير الجدار المحصن. إن حاولت إنجازها وحدي، سأرسب. لذلك أتمنى أن تتعاون معي.”
امرأة لا تعرف الخوف و كثيرة الكلام. هكذا تعرّف ريكست على سوديلا.
على عكسه تمامًا، كانت امرأة يليق بها النور.
كانت و كأنها تجذب الضوء حتى و هي ساكنة.
و بعد أن ارتبط بها، أصبحت عيناه تتجه إليها تلقائيًا.
رغم أن الجميع يتجنبه، كانت سوديلا تلقي عليه التحية بابتسامة دائمًا.
“لقد مضى وقت طويل، أيها الأمير. سمعت أنكَ ستتخرج هذه المرة؟ تهانينا حقًا.”
كانت امرأة تبدو و كأنها لا تعرف الشر إطلاقًا.
حين فكّر في جعلها زوجته، شعر و كأن عطشه بدأ يهدأ قليلًا.
ذاك العطش الشديد تجاه كل ما لم يستطع امتلاكه.
وفي النهاية، حصل على سوديلا، و دمّرها، و ابتلع كل ما كانت عليه. حتى أدى إلى موتها أيضًا.
كانت سوديلا الوحيدة التي استطاعت أن تزعزع ريكست ، و كان ذلك يزعجه. و لهذا ابتلعها.
ظن أنه نسي كل شيء ، لكن سوديلا تركت بقاياها في هذا العالم.
بالتحديد ، أطفالها .
لحسن الحظ، أوغستين كان يشبه ريكست أكثر من سوديلا.
لكن إيفلين كانت مختلفة. كانت تشبه سوديلا تمامًا.
كلما نظر في عينيها، كانت تتراءى له زوجته التي نسيها.
كان يشعر و كأن سوديلا توبّخه من خلال تلك العيون.
و لهذا كان يشعر و كأنه سيفقد صوابه.
كلما نظر إلى تلك العيون البريئة الحمقاء ، كان العنف و الغضب يتصاعدان داخله.
و لهذا قام بترويض إيفلين حسب مزاجه ، بدلًا من سوديلا.
‘لكن حتى ذلك كان فشلاً .’
الطفلة التي تشبه سوديلا تخلّصت منه بقوتها ، و خرجت إلى العالم. و فردت جناحيها العريضين ، و طارَت نحو الطريق الذي أرادته.
“لقد خسرتُ ، يا سوديلا.”
“ما الذي يهذي به هذا المجنون؟ هاي، ما رأيكَ أن تصمت؟”
“دعه. سيموت قريبًا، فما المهم في ذلك.”
أطلق ريكست ، و هو مقيّد، ضحكة منخفضة مجنونة.
“قلتُ انني خسرت.”
مضى على وجوده في بايرود قرابة شهر.
خلال الشهر الماضي ، تذوّق ريكست الجحيم.
كان بانتظاره طرق مختلفة من التعذيب الغريب لم يكن ليتصورها.
تمّ اقتلاع أظافر يديه و قدميه العشرة ، و تعرّض لألمٍ كما لو كان لحمه يُمزق.
انكسر كاحلاه و معصماه، واضطر إلى المشي فوق صفائح حديدية محمّاة.
وصل إلى حدّ التفكير بأن الموت سيكون راحة.
كل إرادة الحياة داخل ريكست سبيلمان قد تحطّمت.
كان المشهد الأخير الذي رآه و هو فوق المقصلة مشرقًا و متوهجًا لدرجة أنه شعر بالامتنان.
لأنه في النهاية، استطاع أن يتذكر سوديلا و ليكسيا.
“نفّذوا حكم الإعدام!”
أخيرًا صدر الأمر.
جثة ريكست سبيلمان ستُلقى مقطّعة.
ستكون طعامًا للكلاب الضالة ، تتجوّل بها في سهول بايرود.
تلك كانت نهاية ريكست.
و لـن يستطيع أبدًا الحصول على ما كان يرغب به: سوديلا ، و ليكسيا.
سيسقط إلى الجحيم و يتعذّب إلى الأبد.
هكذا كانت نهاية الخاسر.
إلى غاية آخر لحظة ، حتى مات ، عانى ريكست من عطش شديد.
الرغبة الشديدة فيما لم يستطع امتلاكه هي ما أحرقته في النهاية.
و هكذا اختطفه الموت.
التعليقات لهذا الفصل " 145"