مرّ على ذلك عشرة أيام.
وقتٌ إن كان سريعًا فهو سريع، و إن كان بطيئًا فهو بطيء.
لقد جلب لنا ذلك الوقت الكثير من التغيرات.
أولًا، تم تسوية الجبهة في بايرود.
ريكست سبيلمان عبر إلى بايرود بسلام، ولن يطأ هذه الأرض مجددًا.
قيل إنه كان في هيئة يرثى لها بعد أن رُجم بالحجارة.
و سمعت أن الفرسان عانوا كثيرًا لإنقاذ حياته وأخذه معهم، فقد كان كمن يريد أن يضع حدًا لحياته في ليكسيا، لا يأكل و لا يشرب.
قالوا إنهم قاموا بتقييده بالقوة، و أجبروه على تناول الدواء و الطعام قبل أن يرسل إلى بايرود.
أصبح يتلقى معاملة دون الإنسان بعد أن حُرم من حريته.
لا بد أنه نال جزاء أفعاله الشنيعة طوال الفترة الماضية.
و منذ تغيير الاسم إلى “صناعات سوديلا الدفاعية”، تمكنا من جمع جميع الوثائق.
وكان من الغريب أن السيد لوكاس تولى هذا العمل. و ذلك بدون أجر.
قال إنه لا يستحق المقابل، و إنه فقط يعيد ما أفسده من أملاك سوديلا.
وأيضًا، ما تغيّر بعد هو…
“إيفلين!”
لقد عادت فيرونيكا.
خدّاها المتوردان و هي تخلع عباءتها كانا دلالة على صحتها الجيدة.
كان مظهرها مختلفًا تمامًا عن ذلك الوقت حين غادرت كأنها تهرب.
“هل كنتِ بخير طوال هذه المدة؟ من ملامح وجهكِ…”
لمست فيرونيكا وجهها.
“أليس وجهي ممتلئًا قليلًا؟ ابتعدت عن العاصمة، و شعرت براحة كبيرة. أمي أيضًا تحسنت كثيرًا.”
قالت فيرونيكا بصوت مفعم بالحيوية. كانت و كأنها شخص مختلف تمامًا عن السابق.
“أنا سعيدة بذلك. يبدو أنكِ تقضين وقتًا جيدًا هناك.”
سارت فيرونيكا إلى جانبي ممسكة بذراعي، و كأنها لم تكن غائبة سوى لشهر تقريبًا، لكنها بدت مختلفة كثيرًا.
“أمي لا تزال متعلقة بهذا المكان. عندما سمعت أن سيرتين عاد، كانت تصر على العودة أيضًا. لكني منعتها.”
تابعت فيرونيكا بكلام فيه مرارة.
“تقول ان سيرتين عاد لذا يجب أن تحافظ على مكانتها. و تدّعي أنها لا تزال الإمبراطورة. لا أعلم ما الجيد في ذلك المنصب الخاوي. لم تؤدِ أي دور حقيقي بصفتها إمبراطورة طوال هذا الوقت ، و مع ذلك دائمًا ما تبحث عن حقوقها فقط… إنه لأمر مثير للاشمئزاز أحيانًا.”
أضافت فيرونيكا بصوت خافت.
يبدو أن هناك الكثير مما لم يُذكر في الرسائل التي كانت ترسلها إليّ و إلى جدتي الكبرى إليزابيث.
“لكن رغم ذلك، أعجبني ذلك المكان. وجدت شيئًا يمكنني فعله.”
ارتفع صوت فيرونيكا قليلًا.
“في الحقيقة، لم أدرس كثيرًا، ولا أظن أنني أنجزت شيئًا بجدية من قبل. كبرت و أنا لا أجيد شيئًا. لكن، وجدت شيئًا يمكن تعلمه بسرعة.”
تلألأت عينا فيرونيكا.
“اكتشفنا منجمًا جديدًا. صحيح أنه ليس من الدرجة الأولى، لكن الياقوت يتدفق منه. أعتقد أنه يمكننا إحياء الاقتصاد المتأخر هناك من خلاله. على الأقل لدي بعض القدرة على التقييم، كوني أميرة. حتى أن كبار التجار يثقون برأيي. أريد أن أبلي بلاءً حسنًا هناك.”
“أنا سعيدة حقًا لأنكِ تستمتعين بوقتكِ، فيرونيكا.”
هزت فيرونيكا كتفيها بخفة.
“أنا نفسي لم أكن أظن أنني سأكون بخير بهذه الطريقة! لم أظن أنني قادرة على إنجاز شيء. يبدو أن الإنسان يجب أن يخرج إلى العالم ليرى. لذا، اليوم أريد زيارة جدتي الكبرى. أريد أن أعرف إن كان بإمكاننا توريد الأحجار الكريمة التي استخرجناها إلى شركة كورتيس التجارية.”
“بالتأكيد ستساعدكِ برحابة صدر.”
“صحيح؟”
مشينا معًا نحو قصر جدتي الكبرى ونحن نتحدث و نضحك.
كان كل شيء يبدو و كأنه يعود إلى مكانه الصحيح.
لو كنا في القصة الأصلية، لكانت فيرونيكا قد ماتت على يدي.
كنا سنكون الضحية و الجانية.
لكنه لأمر غريب أن نتمكن، أنا و هي، من المشي جنبًا إلى جنب بينما نضحك هكذا.
ما غيرته بدأ يؤتي ثماره الآن.
“تلقيت خبرًا بأن والدي سيموت قريبًا. قال أخي إنه يجب أن أراه في لحظاته الأخيرة على الأقل . أمي أيضًا أرادت المجيء، لكن، في الحقيقة، لم يكونا كزوجين أصلًا . لذا ، قررت أن أذهب وحدي لأراه و أعود.”
قالت فيرونيكا بعد لحظة تردد.
“بسبب والدين لم يكونا أهلًا للقيام بدورهما، عانى أخي كثيرًا . لا أريده أن يكون عالقًا في تلك الأمور بعد الآن.”
أعتقد أنني فهمت الآن لماذا لم تحضر الإمبراطورة معها، و ماذا تنوي أن تتحمله.
إنها تحاول تحرير سيرتين من قيود والديه.
” أخي تحمّل كل شيء حتى هذه اللحظة، و الآن حان دوري .”
كانت فيرونيكا تحت شمس الشتاء أكثر نضجًا من أي وقت مضى.
لقد انتهت آلام نموها الطويلة.
أصبحت فيرونيكا شخصًا بالغًا حقيقيًا.
ستنجو، و تكون سعيدة في يوم ما.
أمسكت يدها بإحكام.
و امتلأ قلبي كذلك.
*****
حالما عادت فيرونيكا، تزامن ذلك تمامًا مع الانتهاء من استعدادات تنازل الامبراطور عن العرش.
كان الإمبراطور لا يزال يلفظ أنفاسه الأخيرة، وقد وضع ختم الإمبراطور على مرسوم التنازل و وقّع عليه بيده.
أصبح سيرتين الإمبراطور الحقيقي المُعترف به من قِبل الإمبراطور السابق.
نظرًا لأنه حدث بعد الحرب مباشرة، فقد تم التخلي عن كل أشكال التقاليد و الطقوس. تقرر إنهاء الأمر بمجرد إقامة مراسم مختصرة في المعبد.
من اليوم فصاعدًا، سيُطلق على سيرتين لقب الإمبراطور، و سأُدعى الإمبراطورة.
كان شعورًا غريبًا بعض الشيء.
توقفت فجأة قبل دخولنا إلى المعبد معًا.
استدار سيرتين، الذي كان متشابك الذراعين معي، و نظر إلي.
بفضل تعافيه المستمر، امتلأ وجه سيرتين بلطف محبب.
لقد اختفى جزئيًا الجو القاسي و الحاد الذي تبع الحرب مباشرة.
“ما الأمر؟ هل هناك مشكلة؟”
“… لا.”
كان فمي جافًا. شعرت بشيء من الغرابة، و كأن قدميّ لا تلامسان الأرض و كأنني أمشي فوق الغيوم، مما جعل الواقع يبدو بعيدًا.
أمسك سيرتين بيدي و وجهه مفعم بالقلق.
“إيفلين. أنتِ لست مريضة، أليس كذلك؟”
“ليس الأمر كذلك. فقط أشعر بشيء غريب.”
لابد أن سيرتين قد حلم بهذا اليوم طويلاً.
أما أنا، فلم أكن سوى مواطنة عادية لم تحلم بهذا الموقف من قبل قط.
لقد استحوذت على جسد إيفلين، و ادعيت الغباء، و كل لحظة خطوت فيها حتى الآن بدت وكأنها حلم.
كل ذكريات إيفلين التي تسللت إليّ كما لو كانت لي، أصبحت جزءًا مني. لقد أصبحت، من دون أن أدرك، أحد أفراد هذه الإمبراطورية.
هل من المعقول فعلًا أنني سأصبح الإمبراطورة…؟
حدقت في سيرتين بشرود.
“أنا… ليس لدي أي شعور بالواجب، سيرتين.”
أنا ببساطة أقف هنا فقط لأن سيرتين سيصبح الإمبراطور، ولأنني أحبه.
هل أملك حقًا الأهلية لذلك؟
ما الذي يضمن أنني لن أكون عبئًا على سيرتين مثل فيرونيكا و والدته؟
هل سأتمكن من القيام بذلك بشكل جيد؟
ربما يبدو من السخف التفكير بهذه الأمور في هذه اللحظة، لكن… أعتقد أنني بدأت أفهم لماذا تبكي العرائس في حفلات الزفاف.
“هل سأستطيع أن أفعل هذا جيدًا؟ هل سأكون إمبراطورة جيدة؟”
نظر سيرتين إلى باب المعبد الذي بدأ يُفتح ببطء، ثم لمس خدي برفق.
انحنى نحوي وهمس
“افعلي ما ترغبين في فعله فقط. لا بأس.”
“ما أرغب في فعله…؟”
“نعم. كنتِ قد قلتِ إنكِ تريدين إنهاء الحروب، أليس كذلك؟”
ابتلعت ريقي.
صحيح، لقد قلت ذلك.
كان ذلك بدافع رغبتي ألا أضطر إلى إرسال سيرتين بعيدًا مرة أخرى.
“و قلتِ إنكِ لا ترغبين في أن يتعرض أحد للظلم أيضًا.”
“صحيح.”
“ذلك سيكون مثالكِ الأعلى، و سيكون هدفك.”
“… ماذا إن أخطأت؟”
“حتى لو أخطأت، لا بأس. سأكون بجانبكِ.”
ابتسم سيرتين بلطف.
لم تكن الابتسامة الماكرة التي كان يبتسمها لي عادة، بل كانت ابتسامة دافئة و كأنها لطمأنتي، مفعمة بحب يفوق دفء شمس الشتاء.
“لن يتغير شيء، إيفلين. سأكون دائمًا إلى جانبكِ، وأنتِ… يكفي فقط أن تعيشي كزوجتي. في الحقيقة، لا داعي للقيام بأي شيء آخر.”
طبع سيرتين قبلة خفيفة على شفتيّ.
“يكفي أن تكوني بجانبي.”
“سيرتين…”
“هل قلت لكِ ذلك من قبل؟”
طبع قبلة على خدي ثم ابتعد.
بدأت الثلوج تتساقط من جديد.
كانت ثلوجًا كثيفة.
في هذا الطقس الذي بدا و كأن السماء تباركنا، بينما الجميع في انتظارنا، همس لي:
“أنا أحبك.”
“… سيرتين.”
وضعت يدي فوق يده.
شعرت و كأنني على وشك البكاء.
“عندما لا تثقين بأي شيء، و تشعرين بالخوف، ثقي بحبي لكِ، إيفلين.”
واسى سيرتين قلبي بكلمات لم تكن معتادة منه، حلوة المذاق.
خفق قلبي بشدة كما لو كان سينفجر.
“… حبيبتي. مجرد وجودكِ بجانبي هو بركة عظيمة. أنتِ فقط من لا يدرك ذلك.”
طبع سيرتين قبلات على جبهتي، ثم على أنفي، ثم على شفتي.
كل لمسة كانت واضحة إلى درجة أنها تركت أثرًا في قلبي.
“أنا أحبكِ لدرجة لا يمكن للكلمات أن تصفها.”
ربما، هذا كل ما في الأمر.
أن أكون أنا و هو، نحدق في بعضنا، ونقضي هذه اللحظة معًا — إن أمكن لهذه اللحظة أن تدوم إلى الأبد.
همست بصوت مرتعش
“وأنا كذلك. أنا أيضًا، أحبك كثيرًا.”
حبيبي الذي التقيتُ به بعد عبوري للعوالم.
أتمنى أن يدوم حبنا إلى الأبد.
قبّلني سيرتين.
و بهذا ، أصبحنا متكاملين.
<النهاية>
• ❅────────✧❅✦❅✧────────❅ •
نهاية القصة الرئيسية لرواية
<أصبحت الزوجة الحمقاء للشرير>
التعليقات لهذا الفصل "144"