في تلك اللحظة، كان هناك رجل آخر قد عاد إلى حضن زوجته.
سيرتين، الذي دخل الحمام فور عودته من مقابلة الإمبراطور، لم يظهر إلا بعد مرور وقت طويل. كان وجهه يبدو مرتاحًا وكأنه تخلّص من جميع مشاعره داخل الحمام.
أطلقت إيفلين تنهيدة خفيفة عندما رأت سيرتين.
“الطبيب الخاص قال إن الاستحمام لفترة طويلة قد يؤدي إلى تفاقم الجرح. لماذا لا تستمع إلى نصيحته أبدًا؟”
“أتدرين؟”
قال سيرتين بصوت يحمل نبرة من الضحك
“في الآونة الأخيرة، أصبحت أصوات العاملين في القصر أعلى.”
أمالت إيفلين رأسها وهي تتحرك بنشاط بحثًا عن المطهر و الضمادات.
“لا أفهم ما تعنيه.”
“أعني أن عدد الذين يوبخونني قد زاد.”
جلس سيرتين على السرير و نظر إلى إيفلين بنظرة مفترس يطارد فريسته. كان يراقب كل تحركاتها.
أمال سيرتين رأسه قليلاً.
كانت رائحة إيفلين تملأ غرفة نومها. بالنسبة لسيرتين، كانت تلك الرائحة أحيانًا مثيرة لدرجة تجعله يختنق.
حقًا، ربما هو المجنون، اذ أنه يرى كل شيء متعلق بها بشكل جميل.
ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتي سيرتين.
“ذلك بسببك، يا صاحب السمو. لأنكَ تواصل تكرار الأمور التي لا ينبغي القيام بها، لا بدّ أنهم يشعرون بالقلق. وأنا أتفهم ذلك تمامًا.”
“ليس هذا هو السبب. بل لأنهم أصبح لديهم داعم قوي، فصارت أصواتهم أعلى.”
“داعم؟”
جاءت إيفلين بصينية وضعت عليها ما أعدّته. وضعت الصينية على الطاولة الجانبية للسرير ثم قامت بفك شريط رداء سيرتين. احمرّ وجهها عند رؤية جسده المكشوف، و لم يكن ذلك مختلفًا عما كانت عليه سابقًا.
تلك الأيام التي كانت تتظاهر فيها بالغباء، لكنها لم تستطع أن تزيح عينيها عنه. لا تزال تنظر إليه أحيانًا بنفس النظرات.
تمامًا كما الآن.
كانت شفتيها مضمومتين وهي تضع المطهر. انتشر العطر اللاذع ببطء في الغرفة.
“أعني أنهم أصبحوا وقحين لأنهم يثقون بكِ. فهم أكثر من يلاحظ تغيرات السلطة. الآن بعد أن عرفوا أنكِ فوقي، بدأوا باستخدام عقولهم. ليظهروا بصورة جيدة أمامكِ.”
“يا إلهي، ما هذا الكلام. كيف أكون فوق سيرتين؟ دائمًا ما أكون منجرفة فقط. هذا غير معقول تمامًا.”
تذمرت إيفلين.
ضغطت وجنتها البيضاء التي تلونت بلون الزهور الحمراء على صدر سيرتين.
“أشعر أنني أنا من كان منجرفًا إليكِ طوال الوقت.”
تمتم سيرتين وأمسك بيد إيفلين.
بينما كانت تحدق فيه بعينين واسعتين، أنهى لف الضماد وهو لا يزال ممسكًا بيدها.
عندما يرى عينيها اللامعتين بلون الأخضر الفاتح، ينسى كل الأفكار. حتى صورة والده الذي كان بالكاد على قيد الحياة، و معاناته السابقة، أو حتى… شوقه.
كل ذلك اختفى.
انحنى سيرتين و قبّل شفتي إيفلين.
كلما احتضنها أكثر، زاد عطشه و قلقه.
حدّقت إيفلين في سيرتين. كان وجهها محمرًا و كأنه سينفجر.
ضحك سيرتين بخفة وهو يراها تحدّق فيه بوجه متجهم.
نعم، هذا يكفيه . طالما أن إيفلين بين ذراعيه، فما الحاجة لأي شيء آخر؟
*****
[سوديلا لصناعة الأسلحة]
حملت الأوراق التي كُتب عليها الاسم الجديد الذي سيبدأ به العمل، و توجهت بخطى خفيفة إلى جدتي.
كانت جدتي الكبرى منشغلة آنذاك بنقل فرسان كورتيس بهدوء من لاروس إلى يوريس.
كنت ممتنة فقط لجدتي التي تحملت كل شيء دون مقابل. كلما ذكرت أنا أو سيرتين ذلك الأمر، كانت الجدة تهز رأسها.
“ليس هذا شيئاً يجب عليكما أن تشكراني عليه. طالما أن اسم ليكسيا يرافق اسمي، فهذا عبء يجب أن أتحمله. حماية هذه الإمبراطورية. بما أن أخي لم يتمكن من إنجازه، ألا يجب علي أنا أن أفعل ذلك؟ يكفيني أن يكون ما قمت به قد ساعدكما.”
كانت بالفعل جدتي الكبرى. هي الوحيدة من الكبار الذين رغبت في الاقتداء بهم.
“جدتي!”
ناديتها بوجه مفعم بالحيوية. أردت أن أفتخر أمامها بهذا أكثر من أي أحد. استقبلتني جدتي الكبرى بابتسامة مشرقة.
“إيفلين.”
“أخيراً حصلت على اسم جديد. لم أعد إيفلين سبيلمان يا جدتي!”
كانت هي من ساعدتني على تلقي التعليم اللازم أثناء إقامتي في يوريس. و كانت أيضاً من ساعدتني على أن أحلم بحلم جديد.
كانت أكثر من يفهم عمق رغبتي بمستقبل في مجال الصناعات الدفاعية.
“مبارك لكِ، إيفلين.”
ابتسمت جدتي ابتسامة عريضة.
“الآن أصبح بإمكانكِ فعل ما تريدين.”
“نعم! لذلك أفكر في استقدام خبراء إلى مملكة يوريس. لا، من القارة كلها. سنحتاج إلى جهد كبير للحاق بما فاتنا! أفكر في طلب التعاون مع دول أخرى عبر سيرتين و وزارة الخارجية.”
“فكرة جيدة. يوريس أيضًا ودودة تجاه سيرتين، لذا يمكننا أن نتوقع رداً طيباً.”
“صحيح! وبالمناسبة، أليس لدى كورتيس فروع في جميع أنحاء القارة؟ هل يمكننا تجنيد مواهب من خلال كورتيس أيضًا؟ قد يكون هناك مهندس عبقري مختفٍ عن الأنظار.”
“ليست بالأمر الصعب. لا تقلقي. كورتيس ستكون سعيدة بمساعدتكِ.”
كنت ممتنة لكل شيء. أن يكون هناك من يمكنكَ الاعتماد عليه، ذلك كان حقاً أمراً دافئاً.
لقد كان قرار الذهاب إلى يوريس وسط جدول مزدحم قراراً صائباً. فقد تمكنت بفضله من لقاء جدتي.
أخبرت جدتي بما حدث بالأمس، عن لقاء سيرتين بالإمبراطور. و أن الإمبراطور وافق على التنازل عن العرش، و أن الإجراءات ستبدأ قريباً.
و إن حدث وتوفي الإمبراطور خلال هذه الفترة، فإن الإجراءات قد تتغير قليلاً، لكن على الأقل، سيرتين لن يُوصم أنه قاتل والده.
لم أكن أريد أبداً أن يُلطخ اسم سيرتين، الذي مرَّ بكل تلك المعاناة، بهذا العار. ابتسمت جدتي الكبرى ابتسامة خفيفة وقالت لي
“قريباً، ستصبحين إمبراطورة يا إيفلين.”
آه، صحيح. لم أكن قد فكرت في ذلك. ربما لأنني اعتبرته أمراً بعيد المنال. سألتني جدتي الكبرى إليزابيث بابتسامة
“عندما يبدأ الجو في الدفء، و بعد أن تتأقلمي قليلاً مع موقعكِ الجديد، ما رأيكِ في القيام برحلة؟”
“رحلة…؟”
“نعم، رحلة بحرية.”
رحلة بحرية مع سيرتين. صحيح، كنا قد وعدنا بعضنا بذلك.
عادت إليّ تلك الذكرى التي نسيتها مؤقتاً.
كانت ذكرى تحمل اسم السعادة.
التعليقات لهذا الفصل "143"