عاد سيرتين
تغيرت أجواء الناس بمجرد هذه الحقيقة وحدها.
حتى العجزة والضعفاء الذين كانوا مختبئين تدفقوا فجأة إلى الخارج. جثوا على ركبهم أمام سيرتين الذي كان واقفًا أمام سور القلعة المنهار.
رفعني سيرتين فجأة بين ذراعيه.
“سيرتين؟!”
حاولت دفعه بدهشة لكنه منعني.
“شش.”
حملني سيرتين وسار ببطء نحو القصر الإمبراطوري. شعرت و كأنني كأس النصر.
غطيت وجهي دون وعي وبدأت أتلفت بعيني في كل اتجاه.
كانت الحرب التي خضناها بحياتنا على وشك أن تنتهي. كان الفرسان الذين جاءوا مع سيرتين يقمعون المتمردين و يعتقلونهم واحدًا تلو الآخر. سيكون السجن تحت الأرض مكتظًا لفترة من الوقت.
رغم محاولتي التفكير في شيء آخر، كنت أشعر بالإحراج مجددًا كلما فكرت في أولئك الذين يتبعوننا وينظرون إلينا.
“ألا يمكنكَ إنزالي؟”
“لا، لا يمكن.”
همس سيرتين بمكر. انحنى الخدم على الأرض على طول الطريق الذي كنا نمر به.
“يحيا ولي العهد! لتهب كل بركات ليكسيا إلى سموكما!”
“يحيا ولي العهد! تحيا ولية العهد!”
“ليكن مستقبلكما المجيد مليئًا بالبركة!”
احمرّ وجهي من الأصوات التي انتشرت كالموج.
“ما الأمر، إيفلين؟ يجب أن ترفعي يدكِ و تحييهم.”
“سيرتين، هل ستستمر حقًا في هذا؟”
“هيا بسرعة.”
رفعت يدي على مضض تحت إلحاح سيرتين. رغم أنني كنت أتصرف كآلة تصدر صوتًا مزعجًا، كانت وجوه الناس فقط مليئة بالتأثر.
ما الذي يرونه من خلالي ومن خلال سيرتين؟ كانت الشمس التي ارتفعت تمامًا تضيئنا.
شعرت و كأنني قائدة فرقة موسيقية للأطفال في موكب. لم يُنزلني سيرتين إلا بعد أن طاف بنا ببطء في الجوار.
أدارني سيرتين باتجاه القصر الإمبراطوري.
رغم أن آثار الحرب كانت لا تزال قائمة، كانت الجدران البيضاء لا تزال نقية.
أظهر القصر الأبيض، رمز ليكسيا، فخامته تحت أشعة الشمس.
رغم أنه قصر أراه يوميًا، انتابتني مشاعر غريبة.
انحنى سيرتين و همس في أذني بصوت منخفض.
“هذا هو المكان الذي دافعتِ عنه.”
“……آه.”
كلماته أثارت مشاعري.
“بهذه اليد الصغيرة خاصتك.”
رفع سيرتين يدي. ومن بين أصابع يدي المفتوحة، كان يمكن رؤية القصر.
“القصر الذي حميتهِ. شكرًا لكِ، إيفلين.”
كدت أبكي عند سماع تلك الكلمات. لم أفعل ما فعلته من أجل التفاخر أو المديح.
ومع ذلك، شعرت أن دموعي ستنهمر. عضضت شفتي وتحدثت بامتعاض.
“كان يجب أن تعود بسرعة. لم يكن عليكَ أن تترك لي شيئًا صعبًا هكذا. قلت إنكَ ستعود بسرعة…….”
“أنا آسف، إيفلين.”
“أنا حقًا آسف.”
أمسكت بقوة باليد التي كانت تحيط بخصري. شعرت أن مشاعري قد وصلت إليه بمجرد ذلك. لسبب ما، شعرت بذلك.
*****
في تلك الأثناء.
“علينا أن نعتقلهم جميعًا دفعة واحدة! لا يجب أن يُفلت أحد!”
“نعم، يا سيدي سكوت!”
مرت نظرات باردة على القصر المليء بالصراخ والدموع.
كان قصر دوق سبيلمان. حتى الخادمة التي كانت تغسل الملابس تم تقييدها و سحبها مع الآخرين.
أصدر سيرتين أمرًا باعتقال الجميع دون أن يصاب أحد بلا داعٍ، و لكن أيضًا دون أن يُسمح لأحد بالهرب.
تم تقسيم القوات إلى فرق واقتحموا قصور دوق سبيلمان والنبلاء التابعين له.
كان البعض قد هرب بأفراد أسرهم مسبقًا، لكن بعضهم كان لا يزال داخل القصر. تم القبض عليهم واحدًا تلو الآخر وأُرسلوا إلى القصر الإمبراطوري.
وكان سكوت مسؤولًا عن قصر دوق سبيلمان.
“لا بد أن هناك خزنة أو ممرًا سريًا. سيكون من المفيد إن تمكنا من الحصول على أدلة إضافية إلى جانب ما لدينا الآن. سنرسلها لاحقًا إلى بايرود.”
ترجل سكوت من حصانه واستدعى فرسانه المقربين.
“من الآن فصاعدًا، ابحثوا عن خزنة أو ممر سري. ابحثوا عن كبير الخدم في المنزل وإذا أمكن، استفيدوا من مساعدته. لكن لا تعودوا إلا بنتائج ذات مغزى.”
تفرق الفرسان بناءً على إشارة من سكوت. تراجع خطوة إلى الوراء وتأمل القصر.
رغم أن الشمس كانت مشرقة، بدا القصر وكأنه مغمور في الدماء والظلام. ربما كان ذلك بسبب الصرخات المدوية التي تهز الأجواء.
خفتت نظرات سكوت. كل هذا كان نتيجة أفعال سبيلمان. من الطبيعي أن يتلقى ما زرعه.
حان الوقت ليتلقى دوق سبيلمان نصل العدالة.
****
في وقت متأخر من الليل.
أجبر ديميتور سيرتين على الدخول إلى مكتب العمل وأحضر الطبيب الملكي.
أغلق ديميتور الباب بإحكام وأصدر أمرًا للطبيب الملكي.
“افحص جروح سمو ولي العهد. لقد أُصيب بجرح عميق في خاصرته. لقد أرهق نفسه كثيرًا.”
نظر ديميتور إلى سيرتين نظرة خاطفة. رؤيته يبتسم بلا مبالاة بوجه شاحب لم تترك في نفسه سوى ضحكة ساخرة. نقر ديميتور لسانه وأضاف بنبرة قاطعة
“لقد أرهقَ نفسه مجددًا، فلا بد أنه يعاني من مضاعفات. أعطه مسكنًا و افحص جراحه.”
“نعم!”
جلس سيرتين على الأريكة بوضعية متراخية. من خلال قميصه المفتوح قليلاً، بدا الشاش المتلطخ بالدم.
و عندما فُك الضماد كما قال ديميتور، ظهرت الجروح التي تسرب منها الدم قطرةً قطرة.
شحب وجه الطبيب الملكي.
“س، سمو ولي العهد!”
نظر الطبيب الملكي إلى سيرتين و ديميتور بالتناوب ثم أصدر بسرعة أوامره إلى مساعده الذي جاء معه.
“أحضر قطعة قماش معقمة و شاشًا جديدًا! في الحال!”
“ن، نعم!”
ركض المساعد المرتبك متعثرًا، وبدأ الطبيب الملكي يتحسس الجرح بيد مرتعشة.
انفتحت جميع الغرز. لم يستطع تخيل كيف صمد بهذه الحالة.
أصدر سيرتين أنينًا منخفضًا.
“ابدأ بالمسكن.”
قال ديميتور بتذمر.
“……عليكَ أن ترتاح لبعض الوقت. بجسدكَ هذا الآن…….”
“هل يبدو لكَ أن سموه في وضع يمكنه من الراحة؟”
أطبق الطبيب الملكي شفتيه بتردد.
“……هاه. لقد انفجرت فيك بلا سبب. صاحب السمو مضطر لإنهاء جميع المواعيد القادمة. كما تعلم، هناك كثيرون ينتظرون انهياره. يجب أن نُبقيه قادرًا على الصمود.”
“س، سأبذل جهدي. سأصف له دواءً يعوض الدم مع مسكن و مضاد للالتهاب. ولكن إذا بالغ في الإجهاد، سيتأخر شفاؤه.”
“سيقبل بذلك.”
ابتسم سيرتين ابتسامة باهتة. شعر بألم في خاصرته كما لو أن نارًا تلسعها. كانت يده التي تغطي وجهه ترتجف.
يبدو أن المسكن الذي بلعه قبل الوصول إلى العاصمة قد فقد مفعوله. بذل جهدًا كبيرًا كي لا تكتشفه إيفلين.
لم يُرِد أن يزيد من دموعها حزنًا. تناول الدواء الذي أعطاه إياه الطبيب و استسلم للاسترخاء. ربما بسبب قوة المسكن، بدأ يشعر بتشوش في رؤيته.
نظف الطبيب الجرح بالماء الساخن و القماش المعقم، ثم طهره بالكحول. سرعان ما شعر بإبرة تخترق جلده بخفة، وكان الطبيب يتحرك بيد متوترة.
وفي تلك اللحظة.
ساد الاضطراب في الخارج، ثم فُتح الباب بعنف. شهق الطبيب الملكي و هو يحدق بالباب. نظر سيرتين ببطء إلى جهة الباب.
تراجع ديميتور بخطوة و الدهشة على وجهه. كانت إيفلين واقفة عند الباب بوجه كالتنين.
“……سيرتين!!”
غطى سيرتين عينيه براحة يده و أطلق ضحكة منخفضة.
“حقًا، لا يمكنني إخفاء شيء عنكِ. لقد أحطتِ نفسكِ بمساعدات كفؤات للغاية، أليس كذلك؟”
كانت جوليا و هايزل واقفتين خلف إيفلين. بدا أن الأمر أصبح واضحًا. اندفعت إيفلين نحو سيرتين.
أمسكت بيده و سحبتها. نظرت إلى عينيه وقالت
“كاذب.”
كان وجهها يدل على أنها غاضبة بشدة. أمسك سيرتين بيدها و قبّل أطراف أصابعها. وكأنه يطلب منها أن تسامحه.
التعليقات لهذا الفصل "137"