لهثت هايزل وهي تلاحقني. كانت تضم إلى صدرها الحذاء الذي سقط مني أثناء ركضي. ابتسمت هايزل ابتسامة مشرقة.
“لقد تركتِ حذاءكِ، سموكِ!”
“أين جوليـا؟”
“الدوقة ذهبت الآن إلى الدوق روجر. كانت ترفض الذهاب، لكنني دفعتها بنفسي.”
رفعت هايزل كتفيها كما لو أنها تطلب مديحًا.
“أحسنتِ.”
كنت أوافقها الرأي حين مدّ سيرتين يده نحوها. حدّقت هايزل بدهشة و ترددت. لم تفهم ما يقصده.
“الحذاء.”
“آه!”
أسرعت هايزل و قدمت حذائي إلى سيرتين. جثا سيرتين على ركبتيه أمامي مباشرة. لقد فعل هذا من قبل أيضًا. نظّف الغبار عن قدميّ و ألبسني الحذاء.
كانت هايزل تنظر إليه بذهول.
“في المرة القادمة التي تأتين فيها لاستقبالي، ليس من الضروري أن تكوني حافية القدمين.”
“…لقد حصل هذا فعلًا من دون أن أشعر.”
رفع سيرتين زاوية فمه بابتسامة. ثم نهض وحملني مجددًا.
“يمكنني المشي الآن!”
بسبب الأنظار من حولنا، دفعتُه لا إراديًا بصوت مرتفع، لكن ابتسامة سيرتين اتسعت. بدا عليه أنه يستمتع كثيرًا بهذه اللحظة. تنهد و هو يغطي وجهه.
“بدا لي أنكِ لا تستطيعين المشي عندما ترتدين حذاءًا . قد تتعرضين للأذى. و فوق ذلك، الأمر خطير الآن.”
كان صوته مليئًا بالمرح. بدا واضحًا أنه يمازحني. لقد عاد سيرتين فعلًا. لا يزال بالنسبة لي ذلك الرجل الهادئ، المليء بالابتسامات، والواثق. لقد عاد بكامل هيئته.
كما وعدني.
شعرت فجأة بأن عينيّ تدمعان، فعانقته بشدة. لم أرغب بأن أُريه دموعي. أردت فقط أن أخبره أنني كنت بخير تمامًا في غيابه.
مسح سيرتين وجنتي.
بدأ يتحرك ببطء. كنت أشعر بصلابة درعه، لكن لم يكن ذلك مهمًا. لا أعلم إن كان يشعر بالمثل، لكنني لم أرد الابتعاد عنه الآن.
تبعتنا هايزل، و الخادمات اللواتي لحقن بها، وبعض الفرسان.
دفنت وجهي في صدره لتجنب نظراتهم.
كان الأمر محرجًا، لكنه أجمل من أن يُحتمل.
*****
تمكن بريمو، بمساعدة أتباعه، من تأمين مجال للرؤية. تسلل مع عدد قليل من الرجال عبر جدار القلعة المنهار، مستغلًا غفلة العدو.
كان الجيش الذي جاء مع ولي العهد يسيطر على المتمردين.
كان أولئك واثقين من النصر. و دوق سبيلمان يعلم ذلك أيضًا.
ما لم تحدث معجزة لتقلب الأرض، فلن تنقلب موازين النصر.
لم يكن الأمر الذي أُوكل إلى بريمو لأجل النصر.
بل كان بدافع انتقام شخصي، أو رغبة جامحة في انتزاع أي شيء من ولي العهد سيرتين.
“على أية حال، أنا ميت لا محالة.”
فلِمَ لا أؤدي آخر عمل من أجل السيّد الذي خدمته طوال حياتي؟
خفض بريمو جسده ، بينما كان أتباعه يؤمّنون المنطقة، ثم بدأ التصويب.
جفّ حلقه و تباطأت أنفاسه.
كان من السهل جدًا أن يصوب نحو إيفلين. شعرها الزاهي الذي يلفت الأنظار أينما كانت ، جعل استهدافها سهلاً.
بمجرد أن يُفجّر رأسها، سينتهي كل شيء.
بريمو سيموت ، لكن سيرتين سيغرق في يأس أبدي.
و سيكتفي دوق سبيلمان بذلك على الأرجح.
“…همف.”
حبس بريمو أنفاسه وحرّك إصبعه ببطء .
أصبعٌ عالقٌ على الزناد بدأ يتحرك.
ظهرت في مرمى بصره صورة امرأة تبتسم ، كان يتم حملها من قبل رَجُلـها.
لقد كانت أجمل عندما كانت ابنة دوق سبيلمان فقط سبيلمان.
وقبل أن يسحب الزناد،
“أيها المجنون! توقف فورًا!”
انقضّ عليه أحدهم بصوت غاضب . بلا تردد، ضغط بريمو على الزناد.
بانغ!
راقب الرصاصة وهي تنطلق في خط مستقيم، و ابتسم بخفة.
أغمض عينيه ببطء. فلم يتبقَ له سوى الموت.
كل ما فعله هو أنه قرر من سيكون رفيقه في هذا الطريق.
*****
بانغ!
توجّهت أنظار الناس نحو مصدر الصوت الذي مزّق الهواء.
“سمو الأميرة!”
صرخت جوليـا و ركضت على عجل. تبعها ديميتور من الخلف. و عندما كادت جوليـا أن تتعثر أثناء ركضها، أمسك بها ديميتور بصعوبة.
“لا تقلقي! لم تُصب بأذى!”
عندها فقط، أطلقت جوليـا أنفاسها التي كانت تحبسها. جلست على الأرض بهدوء، و حدقت أمامها.
كما قال ديميتور، فقد تفادى سيرتين الرصاصة بشكل انعكاسي، و أُخطئ الهدف لسببٍ ما.
كان من المفترض أن تُصاب إيفلين أو سيرتين، لكن كليهما كان بخير.
كان الفرسان و الآخرون يحيطون بإيفلين و سيرتين لحمايتهم.
“سموك، هل أنتَ بخير؟”
سأل ديميتور بصوت ثابت. أدار سيرتين رأسه ببطء.
“لحسن الحظ، نعم.”
سرعان ما شقّ جيمس وأتباعه طريقهم عبر الحشد، و جرّوا الجناة إلى الأسفل.
كان هناك ثلاثة أشخاص تم إنزالهم من فوق السور.
رفعت إيفلين رأسها بحذر من بين ذراعي سيرتين.
“هل أنتما بخير، سموكما؟ رأينا هؤلاء الأوغاد وهم يوجهون البنادق من الأعلى و أمسكنا بهم!”
“…لقد نجونا بفضلك.”
قال ديميتور معبرًا عن شكره.
“ألم تغادر بالفعل؟”
كان سيرتين قد منح جيمس الحرية بمجرد أن اجتاز بوابة العاصمة مستخدمًا التصريح.
أمره أن يرحل دون أن يُقيّد بشيء بعد الآن.
ابتسم جيمس ابتسامة محرجة.
“حتى لو غادرت، كنت أرغب في رؤية النهاية. أنا أيضًا رفيقكم في هذا الطريق، أليس كذلك؟”
“رفيق؟”
“نعم، لقد خاطرت بحياتي أيضًا من أجل هذه القضية.”
قال جيمس بتردد.
لقد عاش حياته دائمًا ملاحقًا للمال. لكن من خلال عمله مع سيرتين، تعلّم لأول مرة ما يعنيه أن يُكرّس الإنسان نفسه حقًا لشيء ما.
فهم أخيرًا ماذا يعني أن يعيش حياة ذات مغزى.
بين أناسٍ يعيشون حياتهم بشغف، شعر أنه قد تغيّر هو نفسه.
في الواقع، كان يمكنه أن يهرب.
عندما تلقى أمر سيرتين و عاد من أيتيس، أو عندما اختبأ بعد حصوله على التصريح منتظرًا إشارة من سيرتين.
كانت الفرصة متاحة له في كل مكان.
لم يكن أحد سيتعقبه في وقتٍ تسيل فيه الدماء.
ومع ذلك، لم يهرب، وظل في موقعه حتى الآن.
فرك جيمس مؤخرة عنقه بوجه محرج.
“لأول مرة، بذلت جهدي بكل ما أملك. أنا سعيد لأن سموكما بخير. كنت خائفًا جدًا من أن أصل متأخرًا. إن كان لي يدٌ في هذا النجاح، فأنا سعيد حقًا.”
قال جيمس بحذر.
لم يتبقَ أي أثر لأسلوبه المتفاخر المعتاد.
“…شكرًا لك، جيمس.”
ابتسم سيرتين ابتسامة خفيفة.
“منذ اللحظة التي مددت فيها يدي إليكَ و حتى هذه اللحظة ، لقد قمت بعمل رائع حقًا. وما فعلته هذه المرة له معنى خاص لأنه قرار اتخذته بنفسك. وسأكافئ ولاءك بأي شيء تريده.”
“سيرتين، أنزلني الآن.”
بدأت إيفلين بالتململ.
مسح سيرتين خدها بلطف، ثم أنزلها بحذر.
كان وجهها الشاحب يلمع تحت أشعة الشمس. لم تُصب بأي أذى على الإطلاق.
عندما كانت بين ذراعي سيرتين، كان يتم حمايتها كأنها طفلـة صغيرة.
“…وأنا أيضًا. همم.”
احمر وجه إيفلين و سعلت قليلاً.
الآن فقط شعرت بالإحراج وهي تحاول استعادة وقارها.
“أرغب في مكافأتك بما تستحق”
“لا، لا داعي لذلك. لم أفعل هذا طمعًا في شيء. كنت فقط… أراقب دوق سبيلمان، لاحظت بعض الأشخاص ينفصلون عنه ، فتبعتهم. تذكرت أن سمو ولي العهد أمرني في الماضي بتعقب دوق سبيلمان. فكّرت أنه لا بد أن يكون قد احتفظ بخطة أخيرة.”
“حقًا لا تطلب شيئًا؟ بإمكاني أن أُعطيك أرضًا الآن إن أردت.”
“بالطبع، الأمر مغرٍ، لكنني تعلمت حدودي أثناء وجودي مع سموك. هذا كافٍ بالنسبة لي . سأحاول الآن أن أعيش حياة صادقة مع إخوتي. أشكركم على كل شيء، سمو ولي العهد.”
انحنى جيمس بعمق.
مسح سيرتين فمه بيده.
العديد من القرارات التي اتخذها في حياته أوصلته إلى هذه اللحظة.
لو اختار شيئًا مختلفًا قليلاً ، لكان قد وصل إلى نهاية مختلفة.
كان يمكن أن يخسر إيفلين.
ولأول مرة، لم يشعر بأي ندم على قراراته أو حياته الماضية.
شعر وكأنه عاش حياته بشكل جيد.
ربما لم تكن كل خياراته الأفضل، لكنها لم تكن الأسوأ.
وكانت بداية هذا التغيير هي إيفلين.
إيفلين الثمينة خاصته ، نظرت إليه و ابتسمت.
و كان ذلك كافيًا في هذه اللحظة.
التعليقات لهذا الفصل "136"