“ما الذي سيفعله دوق سبيلمان بعد ذلك؟”
بما أنه قد لُدغ بسمٍّ لاذع، فلا بدّ أنه سيتحرك نحو الخطوة التالية. لن يستطيع التخلي عن طمعه حتى يموت.
عضضت شفتي. رغم أنني كنت مستعدة منذ البداية، إلا أن قلبي لم يتوقف عن الخفقان.
نظرت إليّ هايزل بوجه متوتر. ضوء الشمس الذي ملأ مكتب العمل لم يكن دافئًا بل شعرت به باردًا قليلًا. حتى مورتيغا كان يحدّق إليّ بوجه متوتر.
“سوف يُشعل حربًا أهلية.”
كانت هذه آخر ورقة يملكها دوق سبيلمان. وقد دفعناه نحن إلى هذا الحد أيضًا. حتى يرتكب سبيلمان خطأً قاتلًا.
أخذت هايزل نفسًا عميقًا، و رأيت مورتيغا يقبض على ملف الأوراق بإحكام.
“اللورد مورتيغا.”
“نعم، صاحبة السمو.”
“…إن كان سيرتين عائدًا، كم من الوقت سيستغرق للوصول؟”
ارتسم الغموض على وجهه. رغم أنه قاتل إلى جانب سيرتين في ساحة المعركة لفترة طويلة، فإنه لا يستطيع تتبع كل تحركاته. يكفي فقط أن يعرف لمحة بسيطة عن تحركاته. لا يمكن رفع أمر الحظر.
ذلك سيكون مفيدًا لسيرتين، لكنه سيكون فرصة أيضًا لدوق سبيلمان لجذب قوّاته نحو العاصمة.
طريق عودة سيرتين لن يكون سهلًا. علينا أن نُعدّ أنفسنا لكل الاحتمالات حتى عودة سيرتين، أو حتى إن لم يتمكن من العودة… علينا حماية هذه العاصمة.
“إن كان قد انطلق بالفعل، فسيصل خلال عشرة أيام، أظن أنه سيصل خلال عشرة أيام كحد أقصى.”
“جيد. اجمعوا كل الحرس الملكي و قوات الحراسة إلى العاصمة. و أبقوا الحد الأدنى من القوات فقط لحماية القصر.”
“نعم، صاحبة السمو.”
“واجمعوا كل النبلاء الذين تحالفوا مع ولي العهد، بمن فيهم الماركيز ريموند و.الكونت كارما، وأدخلوا قواتهم الخاصة إلى العاصمة أيضًا. يجب تركيز كل القوات في العاصمة.”
أومأ مورتيغا برأسه متوترًا.
“وأخيرًا، أرسلوا برقية إلى لاروس. أخبروا الكونت بريزمان أن يُحرّك كل القوات المتمركزة في لاروس.”
تصاريح المرور التي يحتاجونها كانت موجودة مسبقًا في لاروس. لقد وصلت من خلال الفيكونت بنتلي الذي توجه إلى هناك.
بينما كان دوق سبيلمان يُركز على العاصمة، كنا ننوي ضربه من الخلف.
“بمجرد اندلاع الحرب الأهلية، قوموا بإجلاء خدم العاصمة و تحكموا في المواطنين و قوموا بتوجيههم قدر الإمكان إلى المناطق الخارجية.”
“نعم، سموّك!”
كانت هايزل هذه المرة من أجابت. كانت ستتولى مهمة الإخلاء مع الخدم عوضًا عن القوات التي لا تكفي.
إن عاد سيرتين في الوقت المناسب… فلن يكون هناك أمر أفضل من ذلك.
لكن إن لم يعد… إن لم يعد حقًا…
“علينا هذه المرة أن نقطع رأس دوق سبيلمان. السيد مورتيغا.”
“حاضر ، صاحبة السمو.”
“ستتولى أنتَ هذه المهمة. وإن لم تتمكن من أسره، يمكنكَ إعدامه فورًا.”
“نعم، سموّك!”
انحنى مورتيغا برأسه.
كان قلبي مضطربًا. هذه أول مرة أُصدر فيها حكمًا بالموت بلساني.
شعرت وكأن رياح لاروس تهبّ من بعيد. الشتاء قد بدأ. ربما رياح لاروس قد تجمدت أيضًا.
صوت البحر الذي كنت أسمعه مع سيرتين لا يزال يرّن ، لكنه لم يكن بجانبي.
لم أعد أتحمل المزيد من “لو”.
وضعت قطعة من الحلوى في فمي. الحلاوة التي أصبحت عادة مألوفة ملأت فمي. شعرت أن دموعي ستنهمر من مذاقها الحلو الذي يُخدر طرف لساني.
وعاء الحلوى كان يُفرغ من جديد.
سيرتين، أنتَ عائد، أليس كذلك؟
*****
استدعت إليزابيث مدير فرع كورتيس المتمركز في العاصمة.
تنهدت وهي تلمس خدها. و لم يمض وقت طويل حتى دخل الشخص الذي كانت إليزابيث تنتظره.
“جدتي.”
ابتسامة خفيفة و عينان نقيتان.
طفلة بريئة لا تشبه دوق سبيلمان إطلاقًا. كلما عرفتها أكثر، كلما شعرت بتعلق أعمق تجاه إيفلين.
“هل أتيتِ؟”
“يبدو أن هناك ضيفًا.”
“مرحبًا سموّ الأميرة! أحيّي القمر الساطع لليكسيا أمامي! أنا تيركا، مدير فرع كورتيس! إنه لشرف عظيم أن ألتقي بسموك!”
انحنى تيركا برأسه بتوتر.
“تشرفت بلقائك.”
“أظن أن التحية قد طالت بما فيه الكفاية. إيفلين، هل تجلسين؟ و تيركا، أنتَ ايضًا اجلس . لا ترهق إيفلين.”
“نعم!”
جلس تيركا و هو يُلقي نظرات حذرة.
جلس كل من إيفلين و إليزابيث و تيركا حول طاولة واحدة.
تنهدت إليزابيث بخفة و بدأت الكلام.
“أولًا، يجب أن أعتذر لك.”
“نعم؟”
فتحت إيفلين عينيها بدهشة.
“لقد قمتُ خلال الفترة الماضية بأشياء لم يكن يجب عليّ فعلها دون إذنكِ. وربما كان ذلك انتهاكًا لحقوق ليكسيا أيضًا.”
“لا أفهم ما تعنينه، جدّتي. هل لهذا علاقة بكورتيس؟”
أشاح تيركا بنظره و هو يبتسم بتوتر عندما التقت عيناه بعيني إيفلين.
أمالت إيفلين رأسها باستغراب، و كان على وجهها يقينٌ بأن إليزابيث لا يمكن أن تؤذيها هي أو ليكسيا.
بدأت إليزابيث بالكلام بصوت ثقيل
“خلال الفترة الماضية، كنتُ أستدعي عمّال كورتيس، و أعمل على تعزيز مكانة المجموعة داخل ليكسيا.”
كان هذا ما ركزت عليه إليزابيث طوال الفترة الماضية ، و قد تمكّنت مجموعة كورتيس من ترسيخ نفسها بنجاح.
“وأخفيتُ داخل كورتيس أيضًا بعض الجنود الخاصين التابعين للمجموعة و أدخلتهم إلى الداخل.”
“…جدّتي!”
نهضت إيفلين عن مقعدها بدهشة، و قد بدا أن ردّ فعلها جاء عفويًا.
“عدم إخباري لكِ… ربما، بل نعم، كنتُ أظن أن الأمر سيكون ثقيلاً جدًا عليكِ لتعرفيه. أو ربما كنتُ خائفةً من أن تُساء نيّتي. لكنّ نيّتي هي شيء واحد فقط. أردتُ الاستعداد لهذا الوضع.”
تابعت إليزابيث حديثها بنبرة هادئة.
“هؤلاء الذين أدخلتهم، سيعودون إلى أماكنهم الأصلية بمجرد تحقيق الهدف.”
ظهرت نظرة اضطراب في وجهها و هي تنظر إلى إيفلين .
“لا حاجة لإثارة الشكوك أو الأوهام عن استدعاء قوى خارجية. أعطيهم زيّ فرسان القصر. سيتحرّك فرسان كورتيس من أجل ليكسيا و من أجلكِ. لا حاجة لإدخالهم إلى القصر. اجعليهم يتكفّلون بضرب العدو من الخلف.”
لقد سلّمت إليزابيث لإيفلين سلاحًا. بات هناك حلٌّ لمشكلة نقص القوات. لم يعد من الضروري انتظار القوات الداعمة من لاروس، و كانت هذه فرصة لتحقيق ما تصبو إليه.
ارتسمت ابتسامة على شفتي إيفلين.
“جدّتي… لا أعلم حقًا كيف أرد لكِ هذا الجميل. في كل مرة، تسبقينني في التفكير بما لم يخطر لي حتى.”
“عندما يكبر الإنسان، يرى أكثر. بالطبع، سأتحمّل مسؤولية ما قمتُ به دون إذن. و إن وجب أن أنال العقوبة، فسوف أتقبلها مهما كانت.”
“…ألا يكفي ألّا يُكشَف الأمر؟”
قالت إيفلين مازحةً بعينين مغمضتين و ابتسامةٍ لطيفة.
ما همّت به كان خطرًا بطبيعة الحال. كانت على وشك تحويل الجنود الخاصين بكورتيس إلى فرسان ليكسيا في الظاهر. و إن أراد أحدهم أن ينظر إلى الأمر، فبإمكانه أن يصنع منه قضية.
و قد تُطرد إليزابيث من ليكسيا مجددًا. و سينتهي حلمها بقضاء آخر أيام حياتها هنا.
لكنها بدت متقبّلةً لجميع الاحتمالات بالفعل.
“يكفي أن نكون كظل يظهر ثم يختفي، جدتي. شكرًا جزيلًا لك.”
بدأت إليزابيث تعبث بيدها، و قد بدا أن ما كانت توشك على قوله الآن هو شيءٌ تردّدت طويلًا في الإفصاح عنه. لكنه في الأصل كان حديثًا قد سبق و تكلمت به فيرونيكا.
“…قالت فيرونيكا شيئًا كهذا. إن لم يعد سيرتين سالمًا، حقًا، إن حدث ذلك… فعليكِ أن تعتلي العرش.”
“جدّتي، هذا…! لا. سيرتين سيعود بالتأكيد، و أنا لا أفكّر في ذلك إطلاقًا.”
“لا. فكّري في الأمر، إيفلين. أنا أظن أنكِ مؤهلة لذلك تمامًا.”
ابتسمت إليزابيث وهي تنظر إلى وجه إيفلين الشاحب ، كلما نظرت إليها ازدادت قناعةً بأنها… فتاةٌ جميلة بحق.
كان ذلك أقوى إعلان دعمٍ يمكن أن يُقال. إعلانٌ بأنها ستدعم إيفلين أيًّا كان قرارها. وفي طيّاته… كانت حياة الإمبراطور نفسه، وحياة الأميرة إليزابيث، على المحك.
التعليقات لهذا الفصل "131"