في اليوم الذي غادرت فيه فيرونيكا و الإمبراطورة العاصمة الإمبراطورية بسلام، التقيت بدوق سبيلمان قبل دخولي اجتماع النبلاء.
صوت عصا دوق سبيلمان بات يظهر حتى في أحلامي.
لا يزال يكلمني بابتسامة هادئة.
“بما أننا التقينا، أليس من الصواب أن نحيّي بعضنا، صاحبة السمو ولية العهد؟”
رفع دوق سبيلمان شفتيه بابتسامة.
“رغم كل شيء، أنا والدكِ. ألست الشخص الوحيد المتبقي الذي يستطيع أن يكون سندًا لكِ، وأنتِ وحيدة في هذه القلعة الواسعة؟”
يا له من وقح. لا يزال دوق سبيلمان يعيش في عالمه الخاص.
لم أكن أرغب في التعامل معه، لكنه وقف أمامي بثقة.
ابتسم دوق سبيلمان مجددًا وهو يرفع شفتيه.
“سأمنحكِ فرصة، حتى الآن، يا صاحبة السمو.”
اقترب مني أكثر.
“لكن الفرصة يجب أن أمنحها أنا، يا دوق. استسلم الآن، قد تنجو بحياتكَ على الأقل.”
انحنى دوق سبيلمان حتى لا يسمع صوته غيري، وتحدث بصوت منخفض و خشن.
“إيفلين، أستطيع قتلكِ ونهب كل ما أخفيتهِ. ليس أمرًا صعبًا. هل هناك أحد يستطيع كسر هذا العنق الرقيق بسهولة كما أفعل؟”
أصابتني قشعريرة في جسدي. كان رد فعل غريزي، كأنه أثر منقوش في هذا الجسد.
قبضت على قبضتي و رفعت شفتي بابتسامة، محاوِلة أن أبدو هادئة قدر الإمكان، ثم فتحت فمي وتحدثت.
“العكس صحيح أيضًا. أليس من السهل أيضًا كسر عنقك؟”
“هاها، لقد تعلمتِ الكثير حقًا. تُذكرينني بأشياء كنت قد نسيتها. والدتكِ بشكل خاص، تلك التي لم تكن تعرف مكانتها و تصرفت بتهور. إيفلين، لا تغتري كثيرًا. لا تعرفين صعوبات العالم. لا ترين حتى ما هو أمامك.”
“ألا تظن أن من لا يرى ما أمامه هو أنت؟ يمكنكَ أن تتطلع إلى اجتماع النبلاء اليوم. لقد استعددت جيدًا لتسلّيتك.”
ضحك دوق سبيلمان بسخرية.
تلاقى نظري بنظره، و لم يكن في نيتي التراجع أبدًا.
المخيف فعلًا هو أنني لم أستطع إنكار أن عينيه تشبهان عينيّ.
“…فلندخل، يا صاحبة السمو . سنكون متأخرين إن استمررنا هكذا.”
دخلت متجاوزة دوق سبيلمان.
جلس الحاضرون الذين كانوا يراقبون المواجهة بيننا بهدوء في مقاعدهم.
كنت أحضر مجددًا لاجتماع النبلاء الذي عُقد بدلًا من سيرتين.
في هذا المكان، اليوم، كنت أنوي استعادة مصانع سبيلمان للأسلحة.
ميراث أمي، و حقوقي، و أساس سبيلمان.
سأقلب كل ذلك اليوم.
*****
دون أن يشعر، قبض دوق سبيلمان على عصاه بقوة.
كان نظره مركّزًا على شفتي إيفلين.
ربما كان كل هذا متوقعًا منذ أن اختفى لوكاس.
شعر و كأن سكينًا حادًا يخترق حنجرته.
“لذا، أطالب بحقي في مصانع سبيلمان. عليّ استرجاع كل الشركات العسكرية التي يملكها دوق سبيلمان الآن، و كل الإرث الذي تلقيته.”
“لكن، يا صاحبة السمو …”
أحد النبلاء التابعين لسبيلمان كان أول من تحدث.
“نعتقد أن ما تملكينه الآن من صلاحيات و مسؤوليات يكفي لأن يكون عبئًا كبيرًا. قد يضر هذا بصحة صاحبة السمو. أليس من الأفضل ترك إدارة الأعمال لدوق سبيلمان كما هو الحال الآن؟”
كان من أولئك الذين يحصلون على عقود من مصانع الأسلحة.
و كان على علاقة وثيقة جدًا بدوق سبيلمان.
ابتسمت إيفلين ابتسامة باردة.
لم يكن بإمكانهم إنكار كلامها، لأن الأوراق كانت كاملة.
لذا لجؤوا إلى هذا الكلام العبثي.
أمالت إيفلين رأسها ببطء، وتألقت عيناها الخضراوان.
“حتى اختيار من يتولى الإدارة هو من مهامي. إن أراد دوق سبيلمان ذلك، يمكنه ترشيح نفسه في أي وقت.”
“صاحبة السمو، مصانع سبيلمان كانت تُدار بإذن الإمبراطور! لا يمكن نقل هذه الصلاحية بهذه العشوائية…”
“ومن يملك هذه الصلاحية الآن؟”
رمشت إيفلين بهدوء.
نظر إليها دوق سبيلمان بتعبير جامد. شعر وكأنه يشاهد مسرحية بطيئة.
“جلالة الإمبراطور على حافة الموت، و ولي العهد قد فوّض إليَّ جميع صلاحياته. لذا يمكن القول إني الوريثة الوحيدة لإرادة الإمبراطور. و أنا، أعطي الصلاحية لنفسي استعادة مصانع سبيلمان.”
ارتعشت شفاه النبلاء.
رمش دوق سبيلمان بعينيه.
من جعل الإمبراطور في هذه الحالة لم يكن سوى دوق سبيلمان.
هو من خنق رقبة الحمل المطيع.
الآن، الإمبراطور كان تحت سيطرة إيفلين.
و كل ما كان يظنه دوق سبيلمان في يده، انزلق إلى قبضة إيفلين.
طريق بلا مخرج. شعر كأن روحه تجمدت.
صرير. صدر صوت مخيف من يد دوق سبيلمان وهو يقبض على العصا بقوة.
“ستتولى وزارة العدل و مستشاريني هذا الأمر. بالطبع الحديث عن الأعمال هنا ليس مناسبًا، لكن بما أن مصانع الأسلحة تتعلق بالأمن القومي، كان لا بد من ذكرها. سنتابع الحديث لاحقًا بعد إنهاء إجراءات نقل الصلاحيات. آه، و سيُعاد اسم مصانع سبيلمان إلى اسمها الأصلي: مصانع لوجينتا. علينا أن نعيد لها هويتها الأصلية.”
قالت إيفلين بصوت خفيف، كأن طائرًا يغرد ، بصوت ناعم ومنعش.
تنفس دوق سبيلمان ببطء.
“مصانع لوزينتا كانت وصية والدي. لم يكن ليرضى بهذا التوسع العشوائي! و فوق هذا، تصدير غير قانوني! حقًا ، ليس لك حدود! كم تظن أن هذه المجد الزائف سيدوم؟”
عادت إليه مجددًا ذكرى كان قد نسيها… و ربما كان يتمنى نسيانها إلى الأبد.
“أوقفت دعم أبحاثهم أيضًا؟ بهذه الطريقة، كيف تعتقد أنهم سيتقدمون؟ حتى لو بدا أن شركة لوجينتا للصناعات الدفاعية تتصدر الآن، فإن هذا سيتغير بسرعة. ألا تشعر أن المتأخرين يلاحقوننا بلا هوادة؟ من فضلك، ريكست سبيلمان، عد إلى صوابك.”
أغلق دوق سبيلمان عينيه بقوة ثم فتحهما من جديد. رؤيته لسوديلا جالسة في ذاك المكان المرتفع المتألق بدلًا من إيفلين لم يكن سوى وهم من أوهامه.
العيون الزمردية التي تشبه عينيه، الشعر الأحمر الموروث في عائلة دوق سبيلمان. مظهرها كان انعكاسًا تامًا له ، و مع ذلك فإن إيفلين كانت تشبه سوديلا بشدة لسببٍ ما.
“سيأتي يوم تدفع فيه ثمن كل ما فعلته. سأنتظر ذلك اليوم. سأعود حتمًا لرؤية وجهك.”
تلك المرأة التي كانت تلعنه حتى آخر لحظة من حياتها كانت تجلس في ذاك المكان.
“لن أموت، ريكست سبيلمان.”
و كأنها لم تمت فعلًا. كانت توبخه من خلال عيني إيفلين. كان شعورًا مرعبًا، و كأن كل ما بناه ينساب من بين أصابعه مثل حبات الرمال. كان قد تبقى فقط آخر درجة، ثم انهار كل شيء. تنهد دوق سبيلمان ساخرًا.
“ابنتي هي من ستحاسبك.”
ربما كانت سوديلا قد تنبأت بما يحدث الآن.
*****
بعد انتهاء اجتماع النبلاء، اجتمع النبلاء التابعون لسبيلمان. ساروا خلف دوق سبيلمان المغادر من قاعة الاجتماع منتصب القامة، مثل صغار البط يتبعون أمهم.
“يا سيدي، لن تسلمهم كل شيء هكذا، صحيح؟”
“بالتأكيد تملك خطة ما! كيف تسلم كل شيء لتلك الفتاة الصغيرة؟”
تحدثوا جميعًا بوجوه قلقة.
سار دوق سبيلمان ببطء. نعم، كيف يمكن أن يسلمهم؟ لو لم يملكهم من قبل، لكان أمرًا مختلفًا، لكنه امتلك كل شيء بالفعل. القلعة الذهبية التي شيدها دوق سبيلمان كانت تبعث وهجًا حارًا نحوه.
“نعم، كما تقولون. كيف يمكن أن أتنازل؟ كل هذا ما حققناه بأنفسنا. أليس كذلك؟”
قال دوق سبيلمان بصوت غريب.
تراجع أولئك الذين تجمعوا كقطيع من الذئاب للحظة.
“علينا أن نكون مستعدين للمواجهة أيضًا. إلى متى سنظل نشاهد تعسف العائلة المالكة؟ إنها مجرد فتاة ضعيفة لا تملك سوى ختمٍ تافه.”
“إذن…”
ابتسم دوق سبيلمان بابتسامة زاهية كفطر سام.
“الآن هو الوقت المناسب. لقد حان الوقت لتذوق اليأس الذي يختبئ في عيون المنتشين بالنصر.”
التعليقات لهذا الفصل "130"