“اللعنة!”
تفوه الرجل الذي كان يحمل سيفًا منقوشًا عليه شعار دوقية سبيلمان بكلمات عنيفة.
حدث ذلك بعد أن تأكد من أن 12 عربة، التي انطلقت بنظام، قد انقسمت إلى أربع مجموعات. لم يكن يملك الصلاحية الكافية لإيقاف العربات و التحقق منها واحدة تلو الأخرى.
صر الرجل على أسنانه بإحكام وأمسك بلجام الحصان.
“و ماذا نفعل الآن؟”
“هاه. ماذا سنفعل! سننقسم نحن أيضًا إلى أربعة!”
“نعم!”
كان لا بد من التأكد من الداخل قبل أن يتجاوزوا بوابة العاصمة الإمبراطورية. كانت هذه الفكرة الوحيدة التي تدور في رأسه.
استمرت المطاردة اللاهثة.
اختار الرجل عربة تتجه نحو الغرب. فقد أظهرت وليّة العهد إيفلين طوال الوقت ارتباطها الوثيق بلاروس. لا شك أن الإمبراطورة والأميرة كانتا داخل العربة المتجهة إلى لاروس!
لو تمكن فقط من اللحاق بهم قبل أن يعبروا البوابة…!
كان قلبه يخفق بعنف كما لو أنه سينفجر، تمامًا كصوت حوافر الخيول المتسارع.
“أسرعوا أكثر!”
لم يكن هناك أي تردد في حركة يده التي لوّحت بالسوط. صدح صوت الحصان طويلاً، ثم تعثر الحصان الذي لم يحتمل سرعته وسقط إلى الأمام.
“آاااه!”
رأى البواب الذي يتحقق من التصاريح و هو يسمح بمرور العربة. نهض و ركض للأمام، لكنه لم يتمكن من اللحاق بالعربة التي انطلقت بالفعل. لقد كانت وليّة العهد قد رتبت كل شيء.
“اللعنة، تبا!”
خرجت من فمه كلمات و شتائم نابية لم يكن ليسمح لنفسه بقولها عادة. لم يكن يملك التصريح الذي يخوّله عبور تلك البوابة.
استدار بخطوات عنيفة و سحب سيفه. لمع شعار دوقية سبيلمان المنقوش على السيف بوحشية.
“فلتمـت!”
وفي اللحظة التي قطع فيها عنق الحصان الذي كان بالكاد ينهض، أُغلقت البوابة. كان توقيتًا سيئًا بالفعل. وبينما تجاوز جثة الحصان التي لم تغمض عينيها بعد، أطلق الرجل زفيرًا عنيفًا.
راوده تفكير غريب. بدا له أن مصير دوقية سبيلمان يتداعى أمامه بشكل مأساوي، تمامًا مثلما انتهى الحصان قبل قليل.
“يبدو أنني ربيت شبل نمر دون أن أدري. في بيتي، و من دون أن أدرك ذلك.”
كأن صدى صوت دوق سبيلمان المليء بالتهكم عاد يتردد في أذنه من جديد.
“لكن لا يمكنني التوقف الآن، أليس كذلك؟ يجب أن أتابع المهمة حتى وإن كان ذلك فوق طاقتي. يجب أن أفتح بوابة العاصمة قبل ظهور متغير آخر.”
لقد اقتربت النهاية بالفعل.
*****
كانت لحظات الانتظار مليئة بالخوف. حماية الإمبراطورة و فيرونيكا لم تكن أقل من مهمة مقدسة بالنسبة لي. فبداية كل شيء كانت من هناك. عليّ أن أحميهما مهما كلّف الأمر لأمنع تحول سيرتين إلى شرير.
لو فقدنا الإمبراطورة و فيرونيكا هذه المرة، لكان كل ما فعلناه حتى الآن قد ذهب سدى.
صحيح أن الكثير قد تغيّر، حتى سيرتين نفسه تغيّر، لكن لم يكن هناك مجال للسماح بأي متغير جديد.
“ترى كيف وصلت إلى هذه النقطة.”
برزت العروق في يدي التي كانت تمسك بدرابزين الشرفة. لقد ضاعفت عدد الحراس حول القصر من أجل هذا اليوم.
“كل شيء سيكون على ما يرام، سموّكِ. حتى لو كان دوق سبيلمان بنفسه، لم يكن بإمكانه تفتيش كل قصر للتحقيق. و لم يكن ليتوقع أننا سنتصرف بهذه الطريقة.”
استطاعت جوليا أن تواسيني. وكلامها كان صائبًا. لقد باغتنا دوق سبيلمان هذه المرة.
“…أرجوكِ.”
ومع ذلك، لم أستطع نسيان نظرات ذلك الرجل التي كانت تتلألأ كجلد الأفعى. وبعد انتظارٍ بدا أبدياً، انطلقت إشارات الضوء من الجهات الأربع بشكل طبيعي.
“…آه.”
“أرأيتِ، سموّكِ! كنت أعلم أن الأمور ستسير على ما يرام!”
هتفت هايزل بفرح. كانت الأضواء المتلألئة تتناثر بين أشعة الشمس.
ربما سيحاولون اللحاق بنا بأي شكل. لكن بحلول ذلك الوقت، سيكون الأوان قد فات. لم يتبقّ في العاصمة من العائلة الإمبراطورية أصحاب الحق في الخلافة إلا أنا وحدي.
لم يكن متبقياً سوى المواجهة الحاسمة بيني وبين دوق سبيلمان.
“جوليا، هل أنتِ مستعدة؟”
“نعم، سموّكِ. سنجلب لكِ سبيلمان بين يديكِ قريبًا.”
ابتسمت جوليا بثقة. و كانت ابتسامتها مشرقة.
*****
في تلك اللحظة، كان سيرتين و رفاقه يضعون حجر الأساس للانسحاب أيضًا.
لم يكن بوسعه أن يبدو مريضًا أمام العدو. كان عليه أن يظهر كفارس خالد عاد من الموت بمعجزة.
رفع سيرتين شفتيه المكسوتين باللون الأحمر بابتسامة دقيقة. كان معتادًا جدًا على مثل هذا التمثيل.
حتى أمام الموت، كان عليه دائمًا أن يبقى هادئًا. الحبوب المسكنة التي ابتلعها ليصل إلى هذا المقام جعلته يشعر بالدوار.
“هاه.”
استجمع سيرتين قواه. ولم يمض وقت طويل حتى دخل القائد الأعلى لبايرود إلى الخيمة. كان قماش الخيمة المؤقتة يهتز ببطء.
“… لقد كنتَ حيًا حقًا. يقال إن الموت يتفادى ولي عهد ليكسيا، ويبدو أن ذلك صحيح.”
“إنها هذا من حسن الحظ.”
قال سيرتين بهدوء.
“من الأفضل ألا نضيع الوقت في أحاديث لا طائل منها. هل أحضرت كل السلطات إلى هذا المكان كما ينبغي؟”
سأل سيرتين بصوت خافت. على الرغم من إصابته، لم يفقد بريق عينيه الحاد.
تنهد القائد الأعلى لبايرود و جلس في الجهة المقابلة. لم يستطع إخفاء حقيقة أن رؤيته للعائد من الموت قد أضعفت عزيمته.
فضلًا عن أن سيرتين كان رمز النصر الأبدي لـليكسيا.
“نعم، سمو ولي العهد.”
“سأفترض أن كل قرار يُتخذ هنا يعكس قرار ملك بايرود. ديميتور.”
“نعم، سموك.”
فتح ديميتور باب الخيمة، فدخل الفرسان وهم يجرّون رجلًا معهم. اتسعت عينا القائد الأعلى عندما تعرف على الرجل الذي بدا منهكًا.
“هذا الرجل…!”
“هو دبلوماسي ليكسيا الذي كان ينشط في بايرود. بما أنكَ تعرفه، فذلك يُسرّع الأمور.”
“إنه هو! هو من طالب بأن تُصبح الأميرة محظية! و قال إنه إذا أنجبت ولدًا، فستُرفع إلى مقام الإمبراطورة! و لكن الأميرة التي كانت في طريقها إلى ليكسيا…!”
لوّح له سيرتين بيده كي يهدأ.
“أنا أعلم. شعور الظلم و الغضب في بايرود… كلها مبررة. لكن لا ينبغي أن يوجَّه السيف إلى من لا ذنب لهم، أليس كذلك؟”
وبإيماءة من سيرتين ، أزال ديميتور اللجام من فم الرجل.
“سأسألك. من الذي أمرك؟”
“د- دوق سبيلمان! ذلك الوغد هو من أمرني!”
خرج الصوت المتهيج فوضويًا، لكن رغم اضطراب النطق، فإن المعنى كان واضحًا.
تصلب جسد القائد الأعلى لبايرود من البرد.
“هل كان للعائلة الإمبراطورية أو لي علاقة بتلك المسألة؟”
“ل- لا! حين دبّر دوق سبيلمان هذه المكيدة، كان سمو ولي العهد في ساحة المعركة! لقد كانت هذه أفعالًا فردية من دوق سبيلمان!”
اتجهت نظرات سيرتين نحو القائد الأعلى لبايرود.
“بالطبع، أنا أتحمل كامل المسؤولية عن عدم مراقبتي الصارمة لأتباعي. و لذلك، لدي عرض لأقدمه لك.”
استدار القائد الأعلى لبايرود بصلابة ليتأمل سيرتين.
“ستتكفل ليكسيا بجميع التعويضات التي يتحتم على بايرود دفعها بسبب اندلاع الحرب دون التحقق من الوقائع. بل وكل ما تحتاجه بايرود أيضًا.”
“ههب!”
قبض القائد الأعلى على مقبض الكرسي بقوة. لقد دخلت بايرود الحرب وهي تراهن على المملكة كلها. والآن، كانت أوضاعها المالية على وشك الانهيار.
أمال سيرتين رأسه ببطء.
“بالطبع، لا يمكن للمال أن يعوّض كل شيء.”
“و سأترك لكم أمر محاكمة مدبر كل هذه الأحداث. سأرسل دوق سبيلمان و كل الخونة التابعين له إلى بايرود. و ستتبع أحكامهم إرادة الملك.”
كان هذا يعني أن شخصًا يحمل جنسية ليكسيا سيخضع لمحاكمة في بايرود. كان عرضًا من ليكسيا للتخلي عن سلطتها.
خفق قلب القائد الأعلى لبايرود بقوة. في البداية، كان الدافع هو الانتقام. وأي انتقام أصدق من هذا؟
“و مع ذلك، هل تعتقد أن هذه الحرب غير الضرورية ينبغي أن تستمر؟”
كان وقع السؤال ثقيلًا كأنه صفعة.
التعليقات لهذا الفصل "129"