بينما كنت أنا و فيرونيكا نتحرك، كان مورتيغا يؤدي مهمته على أكمل وجه.
لقد ضغط على الرجل الملقب بتاجر الأدوية، و اكتشف الدواء الذي أُعطيَ للإمبراطور.
“يقول ان الدواء من تحضيره هو. و يمكنه صنع ترياق، و ربما يعود الإمبراطور إلى وعيه مؤقتاً أيضاً.”
ربما كان هذا هو كل ما خطط له دوق سبيلمان. لذا استخدم دواءً لجعله يستيقظ لاحقًا و ليس سماً قاتلاً.
و بما أنه علم باختفاء تاجر الأدوية، فلا بد أنه وجد بديلاً جديداً. الآن المهم هو كيفية الاستفادة من هذا.
“يقول إنه سيعطي الدواء مقابل تنفيذ طلبه. إنه يعاني من أعراض إدمان حادة. و يتقيأ كلما تناول شيئاً.”
“ماذا قال سيرتين؟”
“قال أعطوه ما يريد.”
“افعل كما قال.”
طالما أنه يريد تدمير حياته بنفسه، فلا بأس. أومأ مورتيغا برأسه.
“لكن يجب أن تحصل على الدواء مهما كان الثمن.”
“نعم، صاحبة السمو.”
قريباً ستغادر فيرونيكا مع الإمبراطورة. و بحسب ما قالته فيرونيكا، فالإمبراطورة تعتقد أن مغادرتها للقصر الإمبراطوري ستؤدي إلى كارثة.
و تعتقد أنها ستموت بالتأكيد. و بعض ذلك صحيح بالفعل.
“إنها تخشى فقدان مكانتها. لأنها تعتقد أن كل ما تبقى لها في هذه الحياة هو كونها إمبراطورة. تعتقد أن هذا اللقب هو ما يحميها.”
كان من المدهش قليلاً أن الإمبراطورة متمسكة بهذا اللقب. لم أكن أعتقد أنها كذلك.
“إذاً، كيف سنُخرجها؟”
كما قالت فيرونيكا، بدا أن بقاء الإمبراطورة خارج العاصمة الإمبراطورية هو الأفضل.
حتى جوليا وافقت.
سيكون من مصلحتنا إرسال الإمبراطورة إلى مكان لا تصل إليه يد سبيلمان.
“سأُخرجها حتى لو اضطررت لإعطائها الدواء. لا تقلقي، إيفلين. اتركي أمر والدتي لي. هذه المرة… لا، هذه المرة لن أسمح لها بأن تعيق خطواتك. لقد كانت والدتي دائماً تعيق طريق أخي. و هذا يكفي الآن.”
قالت فيرونيكا إنها ستذهب إلى فيلا سرية لا يعرفها أحد إلا أفراد العائلة الإمبراطورية.
بسبب حالة الطوارئ ، فإن كل بوابات المرور كانت تخضع للمراقبة.
فيرونيكا طلبت فقط إصدار تصريح مرور واحد. المشكلة كانت في دوق سبيلمان الذي قد يتعقبها.
“سيدي ، من الأفضل إصدار أربعة تصاريح مرور.”
“و لماذا أربعة؟”
“نريد استخدامها عند خروج فيرونيكا.”
عدد بوابات المرور المؤدية خارج العاصمة هو أربعة.
“إذا ظهرت فيرونيكا عند البوابات الأربع، فلن يتمكن دوق سبيلمان من تتبعها.”
فتح مورتيغا عينيه على وسعهما وصفق بيديه.
كانت فكرة بسيطة و سهلة لتضليل العدو.
و رغم أنه لا يمكن استخدامها إلا مرة واحدة، إلا أنه سيكون من الممكن تهريب الأميرة فيرونيكا و الإمبراطورة بأمان.
“حضّروا أربع عربات متطابقة ، بنفس الحمولة ، وبنفس الطاقم . و بما أن لدينا تصاريح مرور ، فلن يفتشوها من الداخل.”
“نعم ، صاحبة السمو. سأهتم بالأمر كما أمرتِ.”
كان مورتيغا يتوافق معي جيداً في العمل.
غالباً ما كان يعمل حتى عندما يكون مرهقاً، كنت أجد فيه ملامح من سيرتين. ربما لأنه يحاول أن يشبهه.
و إلا…
ربما لأنني أنا من أفتقد سيرتين.
عندما أفكر في سيرتين الذي لم يرسل أي خبر، أشعر و كأن قلبي ينقبض.
هل هو حقاً على قيد الحياة؟ أم أنني أمارس على نفسي تعذيب الأمل؟
أغير رأيي عدة مرات في اليوم.
في الليل، أجلس شاردة في غرفتي التي كان يقيم فيها.
آثار سيرتين التي بدأت تتلاشى تثير في نفسي حسرة.
وحتى عدد الحلوى التي كنت أتناولها و أنا أتذكر ذكرياتي معه، بدأ يقل تدريجياً.
“سيدي مورتيغا.”
“نعم، سموكِ.”
“… هل تتذكر الحلوى التي أعطاني إياها سيرتين من قبل؟”
“أتذكرها جيداً.”
“… أريد أن أعرف إن كان بإمكانكَ الحصول على المزيد منها.”
اتسعت عينا مورتيغا قليلاً. أدرْتُ رأسي بخفة من شدة الإحراج.
“… سأُحضر لكِ منها، صاحبة السمو. مهما كان عدد الزجاجات.”
“شكراً لك.”
“لا شكر على واجب.”
هز مورتيغا رأسه. عيناه كانتا تلمعان بدموع خفيفة وهو ينظر إلي.
هذه المرة، هو من أدار وجهه.
ربما لأنه فهم مغزى طلبي لتلك الحلوى.
ربما هو أيضاً يرى سيرتين من خلالي، كما أراه أنا من خلال أشياء كثيرة.
مورتيغا أمضى وقتاً أطول مني مع سيرتين.
رغم أنهما لم يتبادلا الحب كما فعلت أنا و سيرتين، فلا شك أن بينهما قصة خاصة بهما.
“… أفتقد سيرتين.”
“نعم، سموك. و أنا كذلك.”
تنهدت بخفة.
شعرت و كأنني على وشك البكاء، فرفعت رأسي قليلاً و أغمضت عيني.
ليـعد فقط، و سأعانقه بشدة.
سأخبره بالكلمات التي لم أستطع قولها.
كم اشتقت إليه.
و كم أحبـه.
الكلمات التي كانت تتراكم بداخلي كانت تزداد عمقًا شيئًا فشيئًا.
*****
ساعدتني جدتي الكبرى في تجهيز العربة و تزيينها من الداخل. تم إعداد أربع عربات متطابقة، بعدد متطابق من الأشخاص، وأمتعة متطابقة كذلك.
بمساعدة قافلة كورتيس، تم الانتهاء من كل شيء في غضون يومين فقط.
“إيفلين.”
اقتربت مني فيرونيكا بتردد. كان وجهها الصغير يحمل مشاعر الأسف.
“أشعر بالأسف الشديد لأنني سأغادر و أترككِ وحدكِ في مثل هذا الوقت.”
“ما تقومين بهِ يا فيرونيكا هو أمر صعب، لذا لا تفكري بهذه الطريقة.”
أن تتكفل بالإمبراطورة وحدها، لا بد أنه كان يتطلب منها شجاعة كبيرة.
فضلًا عن أن الخروج من القصر الإمبراطوري والعيش خارجه كان أمرًا جديدًا أيضًا على فيرونيكا. لقد أظهرت شجاعة عمرها بأكمله.
احتضنتني فيرونيكا بشدة. كانت حرارة حضنها المفاجئ دافئة. بللت دموعها كتفي.
تمتمت فيرونيكا.
“أنا آسفة. و أنا ممتنة لكِ دائمًا. علينا أن نودع بعضنا حتى يحين يوم اللقاء من جديد.”
“…و أنا كذلك، فيرونيكا. انا ممتنة لكِ حقًا. من أعماق قلبي.”
أومأت فيرونيكا برأسها.
“لا تبكي.”
بدأت تلمس يدي بهدوء.
“و لا تنتظريني طويلًا أيضًا.”
“…فيرونيكا.”
“سأعود حتمًا. و لكن حتى إن لم أفعل… إيفلين، سأدعمكِ مهما كان القرار الذي تتخذينه. أظن أن القصر من دون أخي يليق بكِ كثيرًا.”
كان واضحًا تمامًا ما تقصده من كلامها. كانت تقول إنه لا بأس إن أنا توليت العرش مكان سيرتين. لم يسبق لي أن فكرت بذلك مطلقًا.
“فيرونيكا، هذا…!”
“كنت أفكر في ذلك طوال الوقت. إيفلين، أنتِ تفعلين كل ما بوسعكِ للحفاظ على مكان اخي ، بينما أنا لم أفعل شيئًا. حين توليتُ مكانه فقط لأنني وُلدتُ أميرة، كنت أراقب دومًا ما يحدث عندما يتولى العرش شخص لا يستحقه.”
تابعت فيرونيكا حديثها بعينين دامعتين.
“أبي. أعتقد أنني سأصبح مثله. على عكس أخـي، أنا لست قوية.”
“لم يخطر ببالي ذلك ولو لمرة واحدة. أنا…”
إذا مات سيرتين. إن لم يتمكن حقًا من العودة.
عندها فقط أدركت. أنني لم أفكر مطلقًا فيما سيحدث بعد ذلك. المستقبل الذي فكرت فيه فيرونيكا ، لم أجرؤ حتى على تخيله.
ربما كنت أتجنبه عمدًا. فكلما كان الواقع المرير بعيدًا، كان ذلك أفضل.
“حينها اجلسي أنتِ في ذلك المكان، إيفلين.”
همست فيرونيكا بصوت لا يسمعه سواي.
“لم أرَ من هو أنسب منكِ لذلك العرش. أنا متأكدة من أنكِ ستكونين إمبراطورة عظيمة. ذاك العرش، هو المكان الذي تركه لكِ أخي.”
“……”
“فكري في الأمر من الآن فصاعدًا. إيفلين، أنا… أظن أنه لا بأس إن ارتاح أخي الآن.”
تساقطت دموع فيرونيكا بغزارة.
“لقد كنت… أختًا فاشلة فعلًا. إن احتجتِ مساعدتي، فلا تترددي في التواصل معي، إيفلين.”
غادرت فيرونيكا على هذا النحو. تاركة ورائها صدمة كبيرة في نفسي.
مستقبل لا يعود فيه سيرتين. مستقبل أبقى فيه وحدي.
هل سأتمكن من… العيش بعد ذلك؟
التعليقات لهذا الفصل "128"