ضغط دوق سبيلمان على وزير العدل بوجه يغمره السعادة.
“يجب إغلاق قصر جلالة الإمبراطورة في الحال. ألم تستمع إلى شهادة هذه الخادمة!”
“هذا ليس قرارًا يمكنني اتخاذه وحدي، يا دوق سبيلمان. أنتَ تعلم أن سجن أحد أفراد العائلة الإمبراطورية لا يمكن أن يحدث بكلمة واحدة!”
“ستنوي الهرب قريبًا . هل ستقف مكتوف اليدين؟”
“سجن جلالة الإمبراطورة استنادًا فقط إلى كلام خادمة، أليس هذا مبالغًا فيه؟ هل ستظل مصممًا على هذا الشكل؟”
أشار دوق سبيلمان إلى الخادمة بعصاه.
أطرقت الخادمة المرتجفة رأسها. و قبل أن يضيف دوق سبيلمان شيئًا بوجهه المتجهم، دخل أحدهم. لم تكن سوى إيفلين.
“صاحبة السمو!”
ابتسم وجه وزير العدل بينما ضحك دوق سبيلمان بسخرية. و لكن هل سيتغير شيء بسبب ذلك؟ فشهادة الخادمة لم تُلغَ.
نظر دوق سبيلمان ببرود إلى الخادمة. انكمشت الخادمة و أطرقت رأسها.
كانت يداها المتشققتان من العمل الشاق ترتجفان. باعت الإمبراطورة بنفسها بهاتين اليدين. كان من السهل إقناع الخادمة، فقد كان لديها عائلة يجب أن تعيلها، و كانت الصفقة تقوم على حياتهم.
‘مؤسف بعض الشيء.’
لو كان قد استعد بشكل أفضل، لكان يمكنه إعداد شاهدة أكثر إقناعًا.
لكن الوقت لم يكن كافيًا. كان يجب إنهاء كل شيء بأسرع وقت ممكن. كان عليه توريط الإمبراطورة ثم فيرونيكا.
ثم إيقاظ الإمبراطور في الوقت المناسب من أجل أن يتم الاعتراف بإيفلين كوريثة للعرش. كانت الخطة الكبرى أمامه تتلألأ بوضوح. لم يكن هذا سوى حجر الأساس لذلك المستقبل.
استدار دوق سبيلمان لينظر إلى إيفلين.
تصرفها رفيع المستوى و أنيق. لم يكن قد مر وقت طويل على كونها مجرد طفلة تركض و لعابها يسيل.
ضيق عينيه و التقت عيناه بعينيها. لم تتهرب إيفلين من نظرته. من تلك العينين الجريئتين، شعر سبيلمان بعطر مألوف.
“ريكست. هل هذا حقيقي؟ هل فعلتَ هذا فعلاً؟”
“و ماذا سيتغير؟“
“سيتغير الكثير! ما الذي تفعله بحق السماء؟ هل رأيتَ العائلة التي شنقت نفسها مؤخرًا؟ اتضح أنكَ كنتَ السبب خلف ذلك! لقد مات أناس، يا سبيلمان!”
“و هل كانوا الوحيدين؟ لا تتظاهري بالبراءة، سوديلا. هل أنا الوحيد الذي استفاد من موتهم؟ من الذي جعل العائلة تزدهر؟”
“هذا جريمة، يا ريكست!”
رأى سبيلمان سوديلا في إيفلين. ذلك السلوك النبيل، و العينان النقيتان اللتان لم يمسهما شيء دنس. و ابنة تشبه سوديلا توجه إليه اللوم.
قرأ دوق سبيلمان الاحتقار البارد في عيني إيفلين. كانت تشبه سوديلا أيضًا.
‘كنتُ أظن أنها تشبهني، و لكن، ربما كنتُ مخطئًا’
ضحك دوق سبيلمان بسخرية. بالطبع، لم يكن الأمر مهمًا. طالما انه سيتمكن من استخدام تلك الابنة كورقة رابحة.
“أحسنتِ بالمجيء، يا صاحبة السمو. ربما قد سمعتي بالأخبار أثناء قدومكِ . هذه الخادمة هنا…”
جذب دوق سبيلمان كتف الخادمة بعصاه. ارتجفت الخادمة كما لو كانت شجرة ترتعش في مهب الريح و اقتيدت إليه. انكمشت على نفسها و أطرقت رأسها.
“تشهد بأنها تلقت أوامر من جلالة الإمبراطورة لاغتيال جلالة الإمبراطور.”
أمسك دوق سبيلمان بكتفي الخادمة بكل قوة. اتجهت نظرات إيفلين إلى الخادمة.
أضاف وزير العدل بوجه مرتبك
“الدوق يطلب سجن جلالة الإمبراطورة. ولكن في الوقت الراهن… جلالة الإمبراطور ما يزال حيًا، و أنتِ يا صاحبة السمو مسؤولة عن إدارة شؤون ولي العهد. لا يمكنني اتخاذ مثل هذا القرار وحدي.”
ضحكت إيفلين ببرود. كيف يبدو بهذا الهدوء بعد أن اندفع ككلب مشتعل الذيل؟
رأت دوق سبيلمان مرة أخرى كشخص مذهل. و يا له من جريء في اقتحام وزارة العدل. هل يعتقد حقًا أنه لا أحد يستطيع إيقافه؟
“شكراً لجهودك، أيها الوزير.”
“لا شكر على واجب، صاحبة السمو!”
لم توجه إيفلين كلمة واحدة إلى دوق سبيلمان. و لم تتجه بنظرها حتى إلى الخادمة.
“بالطبع، أعلم أن مثل هذا الأمر يجب أن يقرره مجلس النبلاء. لكننا الآن في حالة حرب. كيف يمكننا اتباع كل الإجراءات؟”
“إذن…!”
“سأسجن جلالة الإمبراطورة.”
توقفت نظرات إيفلين مرة أخرى على دوق سبيلمان. ابتسمت ببرود.
“سأسمح بذلك. و أؤمن أن هذا سيكون من أجل مصلحة جلالة الإمبراطورة أيضًا. الفرسان الذين يحرسونها سيظلون كما هم، فقد تركهم ولي العهد لحمايتها. حتى تنتهي كل المحاكمات و تنكشف الحقيقة، لا يجب أن تُمس جلالة الإمبراطورة بأدنى أذى. هل هذا واضح؟”
“نعم، صاحبة السمو.”
“أعتقد أن هذا كافٍ ليرضيكَ ، أليس كذلك، دوق؟”
انحنى دوق سبيلمان برأسه ببطء. كان يبدو و كأنه سيعض على عنقه إن لم توافق.
وافقت إيفلين على السجن دون اعتراض. لماذا بحق السماء؟
‘هل تظن أنها ستتمكن من حمايتها إذا أبقتها في الداخل؟’
كان تحطيم نفسية الإمبراطورة أمرًا سهلاً جدًا. لم تكن تصلح أن تكون إمبراطورة منذ البداية. كان من الصعب جدًا حماية شخص لا يستطيع حماية نفسه.
لم تكن تختلف عن طفل غير منضبط.
‘ما الذي تفكر فيه؟’
لأول مرة، لم يستطع أن يخمن ما يدور في ذهن إيفلين. بدت و كأنها قد نضجت أكثر.
“يجب سجن هذه الخادمة و التحقيق معها ببطء، صاحبة السمو.”
سجن الإمبراطورة لا يعني بالضرورة أنها محمية. و كان ينوي أن يعلّمهم هذا مرة أخرى.
“افعلوا ذلك.”
لم تهتم إيفلين أكثر من ذلك. لقد أدّت ما جاءت من أجله.
فبمجرد أن يُسجن أحدهم ، لن يتمكن أي شخص من الدخول أو الخروج من عنده . و خلال تلك الفترة، ستغادر الإمبراطورة العاصمة الإمبراطورية مع فيرونيكا.
تلك كانت خطة إيفلين و فيرونيكا.
حتى لا تكون الإمبراطورة ألعوبة في يد دوق سبيلمان بعد الآن. كانت الإمبراطورة تناسبها الحياة خارج القصر أكثر من داخله.
****
في تلك اللحظة.
كان سيرتين قد عثر على دليل يثبت أن دوق سبيلمان تدخل في شؤون بايرود. ولعل التعبير الأدق هو أنه حصل على شاهد.
في الوقت الذي كان فيه سيرتين و ديميتور يختبئان و يقومان بتزييف موتهما ، كان اللورد آيتيس يواجه بايرود.
و لإنهاء الحرب مع بايرود بأسرع ما يمكن، كان لا بد من إثبات أن هذا لم يكن بإرادة ليكسيا.
و لهذا، قام سيرتين و ديميتور، برفقة الاشخاص المخلصين الذين اختبأوا معهما طوال الفترة الماضية ، بتمشيط المناطق القريبة من الحدود و بايرود بحثاً عن أدلة. و أخيراً، أثمرت جهودهم.
الرجل الذي تم القبض عليه كان ساجداً على الأرض وعيناه معصوبتان.
“أر، أرجوكم، فقط دعوني أعيش! لم أفعل سوى ما أُمِرت به!”
في مثل هذه اللحظات، دائماً ما تتكرر نفس الكلمات.
ابتسم سيرتين ببرود. حتى دوق سبيلمان كان متلهفاً لقتل هذا الرجل ، إذ لم يكن من عادته أن يترك خلفه ما قد يسبب له المشاكل لاحقاً.
و من الناحية الفعلية، كان سيرتين و ديميتور قد أنقذا هذا الرجل من براثنه.
“لم تفعل سوى ما أُمِرت به.”
قالها سيرتين بصوت بارد.
“بالحرب التي أشعلتها بلسانكَ المخادع ، تلطخت الأرض بالدم الأحمر. و مع ذلك تزعم أنكَ بلا ذنب؟”
قال الرجل بتوسل
“أنا، أنا فقط لم أرغب في الموت. قالوا انهم سيقتلون عائلتي أيضاً إن لم أنفذ ما أُمِرت به…”
“في اللحظة التي تضحي فيها بغيركَ ، ستتحول من ضحية إلى جاني.”
أشار سيرتين بيده ، فقام الفرسان بجعل الرجل يقف و نزعوا العصابة عن عينيه. وقف سيرتين متكتفاً ينظر إليه.
“ص، صاحب السمو ولي العهد!”
شحب وجه الرجل.
“ل، لقد قيل إنكَ قد مت…!”
“ربما عدت للحياة لأن هناك أمراً لم يُحل بعد. من الآن فصاعدًا ، يجب أن تقول الحقيقة فقط. إن كنت ترغب في النجاة، و لو بحياتكَ البائسة هذه.”
انفجر الرجل بالبكاء.
لكن لم يكن لذلك الرجل الحق في البكاء. فالدموع التي تسبب بها كانت أكثر بكثير.
إيفلين أيضاً…
تماسك سيرتين بصعوبة و أعاد جلسته.
كان يوم العودة يقترب.
التعليقات لهذا الفصل "127"