اختفى لوكاس.
كانت هذه الحقيقة كافية لجعل مؤخرة عنق دوق سبيلمان ترتعش بشكل واضح. شعر و كأن الأمور التي كان يعتقد أنها موثوقة، والتي ظن أنها متينة، تنهار مثل قلعة من الرمل.
“اللعنة.”
طحن دوق سبيلمان أسنانه.
“ابحثوا عنه فوراً! فتشوا مكتبه ومنزله ومنزل شقيقته، و اجلبوا كل ما يمكن استخدامه!”
“نعم، سمو الدوق!”
لا بأس، هذا لا يُعد شيئاً.
حاول دوق سبيلمان تهدئة نفسه. تجولت عيناه القاتمتان فوق المكتب.
ما احتمالية أن تكون الوثائق التي يحملها لوكاس قد وصلت إلى إيفلين؟ بالطبع هناك احتمال. لكن ما الطريقة التي ستستخدمها تلك الفتاة بها؟ لا أحد يعرف بعد.
“…لا يمكنني التخلي عنها بسهولة.”
لقد كانت شركة كرّس لها أكثر من عشر سنوات من عمره. أعمال سبيلمان للصناعات الدفاعية نمت بشكل كبير لدرجة أنها لم تعد تتذكر ماضيها. تلك الجهود كانت من صنع دوق سبيلمان. من المؤكد أنه يمكنه إقناع المستثمرين.
فأي شركة عظيمة، إذا فقدت مستثمريها، ستنهار في لحظة. كان يمكن أن يحولها إلى أوراق لا تساوي شيئاً بحيث لا يتمكن أحد من امتلاكها.
تلألأت عينا دوق سبيلمان بلون أزرق باهت.
“و إلا، هناك طريقة أخرى، وهي انتظار أن تأتي إيفلين راكعة.”
لعق دوق سبيلمان شفتيه. قريباً ، ستصل أخبار جيدة. في كل أمور العالم، التوقيت هو الأهم. أصبح فضولياً حقاً بشأن القرار الذي ستتخذه إيفلين.
في تلك الليلة، فقد الإمبراطور وعيه وسقط في غيبوبة.
*****
ما إن تأكد أن الإمبراطور فقد وعيه و تم تشخيصه بالغيبوبة، حتى تم استدعاء أطباء القصر و رئيس الخدم. جميعهم كانوا بوجوه شاحبة.
في هذا العالم، أولئك الذين لا يخدمون أسيادهم بشكل جيد يعاقبون بقسوة.
الآن، هؤلاء أصبحوا مجرمين.
على الرغم من أن الوقت كان يقترب من الفجر، فإن العاملين في القصر الذين لم يناموا بعد كانوا حتماً يصغون إلينا الآن.
أصدرت أوامري بصوت منخفض.
“تحدثوا. ما الذي حدث لجلالة الإمبراطور؟ غيبوبة مفاجئة؟!”
“ذلك…”
انحنى الطبيب الأكبر سناً في القصر.
“لا نعرف السبب. لكن يبدو لي الآن أنه ربما يكون بسبب آثار جانبية للدواء. لقد كان جلالة الإمبراطور يتناول المخدرات لفترة طويلة. لذا، ليس من المستغرب أن تكون قد تسببت في مشاكل.”
“…آه.”
أطلقت تنهيدة.
هذا الكلام منطقي أيضاً. لقد عاش لسنوات تحت تأثير الأدوية.
لكن، كما أعرف، صحيح أن الإمبراطور شخصاً لا يهتم بجسده، لكنه يكره الموت.
لذا كان لا يتناول الأدوية الخطيرة، و كان صارماً جداً بخصوص الجرعات.
هكذا كُتب في الرواية. قيل إنه لا يموت أبداً مهما حصل.
والآن، في هذا التوقيت المشبوه، يسقط في غيبوبة؟
“هل يمكنكم تحديد نوع الدواء؟”
“…لا يمكننا ذلك. جسده مشبع بالأدوية…”
“إذن، لماذا أنتم واقفون هنا؟ لإثبات عدم كفاءتكم؟”
خرجت الكلمات من فمي حادة دون قصد.
شعرت بإحساس سيئ. شعور أن هذا لم يحدث صدفة. نظرت إلى وجوه الأشخاص المنحنين أمامي.
“…كبير الخدم، ألم يُظهر جلالة الإمبراطور أي سلوك غير طبيعي اليوم؟ أو هل تناول طعاماً أو دواءً مميزاً؟”
“حسب معرفتي، لا شيء. أنا أعتذر، صاحبة السمو.”
عدد مرات رمشه، حركات شفتيه، و ثبات وضعه… كل شيء كان مثالياً لدرجة أنه بدا غير طبيعي.
لكن لم يكن لدي أي دليل لأضغط عليهم. لذلك قمت بصرفهم جميعاً.
“استدعي مورتيغا، يا هايزل.”
“نعم، صاحبة السمو.”
عندما غابت هايزل للحظة، جلست على الكرسي.
كانت أختام الإمبراطور و ولي العهد، التي كانت مع سيرتين، كلها في يدي. ما يعني أن الإمبراطور فقد سلطته.
لكن، هل هناك سبب للمساس بالإمبراطور؟ ما الذي سيكسبه دوق سبيلمان من هذا؟
شعرت و كأن شيئاً ما على وشك أن يُكشف، لكنه لا يزال غامضاً.
“هاه. هناك بالتأكيد شيء ما.”
“…أعتقد ذلك أيضاً.”
لكن قبل أن تصل هايزل مع مورتيغا، وصل خبر آخر.
كانت رئيسة وصيفات القصر الإمبراطوري.
رأيتها عدة مرات، لكن لم تكن هناك أي علاقة وثيقة بيننا. ولم يكن لديها سبب حقيقي لزيارتي هكذا.
“سمو الأميرة! أرجو المعذرة على الإزعاج، لكن لدي أمر عاجل لأبلغكِ به!”
“تحدثي.”
شعرت بقشعريرة تسري في جسدي. راودني إحساس أنني قد أجد خيطاً لحل اللغز الذي حيّرني.
في اللحظة التي فتحت فيها فمها، شعرت و كأن دمي كله قد نزف وغادر جسدي.
“……إحدى وصيفات الإمبراطورة اعترفت بأنها سممت طعام جلالة الإمبراطور! قالت ان الإمبراطورة أمرتها بذلك! و قدمت الدواء كدليل، و تم القبض على الوصيفة بالفعل، سموك! لكن كما تعلمين، الإمبراطورة ليست من النوع الذي يفعل أمورًا كهذه أبدًا. لا يوجد سبب يدعوها لذلك! إنها حتى لا تستطيع أن ترفع الملعقة وحدها الآن، فلماذا بحق السماء…….”
ثم انفجرت كبيرة الوصيفات بالبكاء.
بدأت أفهم. ما هي الخطة التي يرسمها دوق سبيلمان. بينما كنت أتحرك بلا توقف، كان هو أيضًا كذلك. كان دوق سبيلمان يخطط لطرد العائلة المالكة من هذا القصر.
يريد استخدام الإمبراطور للإيقاع بالإمبراطورة، ثم استخدام الإمبراطورة للإطاحة بفيرونيكا.
“هاه.”
دوق سبيلمان يفاجئني كل مرة بطريقة لا تخطر على بالي.
“……سأتولى التحقيق في هذا الأمر بنفسي. تأكدي من عدم تعرض جلالة الإمبراطورة لأي أذى ، و اعتني بها جيدًا.”
أخفيت يدي المرتعشتين و تحدثت بثبات.
إذا تزعزعت أو خفت ، فسيتزعزعون هم أيضًا. كان عليّ أن أبدو قوية قدر الإمكان.
انحنت كبيرة الوصيفات و هي تشهق بالبكاء.
“نعم، نعم، سمو ولية العهد…… شكرًا لكِ. هل يمكنني اصطحاب الأميرة فيرونيكا؟ جلالة الإمبراطورة قلقة للغاية و تبحث عنها باستمرار.”
“هل تعرف جلالتها ما الذي يحدث الآن؟”
“لم أخبرها. إن أخبرناها بطريقة خاطئة فقد…!”
أظنني عرفت ما الذي لم تجرؤ على قوله
فالإمبراطورة ضعيفة جدًا، وإذا تلقت صدمة قوية، قد تنهار. أو قد تتخذ قرارًا خاطئًا.
“لقد أحسنتِ. و يجب أن تظلي كذلك، لا تخبري جلالتها بشيء عن هذا الأمر. مفهوم؟”
“نعم، سموك!”
ناولتُ كبيرة الوصيفات منديلًا.
“من الأفضل أن تمسحي دموعكِ قبل العودة. ثم اذهبي إلى الأميرة فيرونيكا. و اشرحي لها الوضع بهدوء قبل أن تأتي. أخبريها أنني سأقدم المساعدة.”
“شكرًا لكِ، صاحبة السمو. أشكركِ حقًا، سموك!”
انحنت كبيرة الوصيفات انحناءة عميقة و هي تودعني.
أطلقت تنهيدة طويلة بينما أراقبها تغادر. التقت عيناي بعيني جوليا.
“……الثعبان السام عض شخصًا آخر من جديد.”
“حقًا ، جوليا. يبدو أن دوق سبيلمان قرر أن يطرد كل أفراد العائلة المالكة.”
بدأت أرى بوضوح الخطة التي يرسمها دوق سبيلمان. بعد أن يطرد العائلة المالكة من العاصمة، لن يتبقى سواي.
وحين أُعزل، سيحاول دوق سبيلمان…… أن يصبح هو الإمبراطور. سينتقل إليه ما أملكه من صلاحيات.
و سيستخدم الدم الملكي الضعيف الذي يجري في عروقي و عروقه كمبرر شرعي لذلك.
“أظن أن هناك سببًا يجعل دوق سبيلمان لا يتخلى عني ، جوليا. من الواضح أنه ينوي أن يجعلني… خليفة لسيرتين.”
أومأت جوليا برأسها بوجه جاد.
للحظة، شعرت بالتردد.
“هل عليّ أن أغادر؟ إذا لم أكن هنا…”
“لا!”
صرخت جوليا بحزم.
“أرجوكِ، لا تقولي ذلك أبدًا مرة أخرى.”
“جوليا ، إذا فكرنا بطريقة منطقية…”
“الحياة ليست دائمًا منطقية. وأنا متأكدة أن وجودكِ إلى جانبنا أهم بكثير من أي منطق. و لهذا فإن هذه الطريقة أكثر فاعلية.”
واجهت جوليا العقلانية بالكفاءة.
لم يسعني سوى أن أبتسم ابتسامة خفيفة و أنا أنظر إلى وجهها.
التعليقات لهذا الفصل "125"