لم أتمكن من متابعة الحديث إلا بعد أن توقفت الدموع التي انهمرت دون إرادتي.
انتظرني لوكاس بهدوء لفترة طويلة. بل وبدا على وجهه تعبير من العاطفة. حتى دوق سبيلمان لم ينظر إليّ بذلك الشكل من قبل.
أعتقد أن هذه كانت فرصة لأعيد التفكير في شخص يدعى لوكاس. بدأت أشعر بالذنب لأنني كنت أظنه قد يكون مثل دوق سبيلمان تماماً.
وضع لوكاس الصندوق الذي كان قد جلبه قبل قليل على الطاولة. ملأ صندوقان الطاولة بالكامل.
“هذه كل الوثائق التي طلبتِـها. كنت أجمعها لأنني شعرت أن هذا اليوم سيأتي.”
“هل تقصد…”
“أقصد اليوم الذي يمكن فيه الانتقام من دوق سبيلمان.”
ابتسم لوكاس بمرارة.
“أعلم أنني ارتكبت عدداً لا يحصى من الأفعال التي لا يجوز فعلها بموافقته و تحت أمره. كنت أقضي معظم الليالي دون نوم. كنت أنتظر فقط اليوم الذي يمكنني فيه أن أتحرر من قبضة دوق سبيلمان. لم يكتفِ بتدمير حياتي، بل دمّر أيضاً حياة أختي و عائلتي. وأيضاً…”
تلاقت نظراته مع نظراتي.
“دمّر حياة سوديلا سبيلمان أيضاً. سعيد أن سموّكِ تعافت.”
“…شكراً لك.”
أومأ لوكاس برأسه بخفة، ثم أخرج من الصندوق وثيقة ذات غلاف أزرق. كان لونها بارزاً على نحو خاص.
“هذه الوثائق مرتبطة بالدوقة سوديلا سبيلمان. وهي توضّح كيف تعامل الدوق مع وفاتها، و كيف استولى على مشروع الصناعات الدفاعية.”
أخذت الوثائق بيدي.
بدأ لوكاس بشرح التفاصيل ببطء.
“أصل مشروع الصناعات الدفاعية لسبيلمان يعود لوالديّ الدوقة. في ذلك الوقت، كان اسم الشركة مختلفاً تماماً. كانت تُعرف باسم “مشروع لوزينتا للدفاع”. و عادة ما تنتقل ملكيته عبر الخط الأمومي. بعد الدوقة ، كان من المفترض أن تنتقل إليكِ ، يا صاحبة السمو.”
كان ذلك مكتوباً بوضوح في الوثائق.
كان يبدو كأنه عقد كُتب عند زواج والديّ.
هل كتبوا مثل هذا بسبب العمل؟ أم أن هناك مشكلة بينهما لم أكن أعلم بها؟
“قرر دوق سبيلمان أن يستولي على كل شيء. ولذلك…”
في الصفحة التالية… كانت هناك وصية والدتي. وصية موثقة رسمياً. شعرت بأن قلبي سقط فجأة.
“السبب في انتقال مشروع الصناعات الدفاعية إلى دوق سبيلمان، رغم أنه كان من المفترض أن ينتقل إلى سموّك، هو هذه الوصية. كانت عقداً مشروطاً بحياة سموّك.”
تقول الوصية: إذا ماتت إيفلين، يعود المشروع إلى المجتمع. و لكن طالما أن إيفلين تحت حماية دوق سبيلمان، فإن المشروع يكون ملكاً له.
“وفقاً لهذا، فإن المشروع الآن… من المفترض أن يكون ملكي.”
“صحيح. لهذا أخفى الدوق هذه الوصية.”
بالإضافة إلى ذلك، انتقلت الكثير من الأملاك الأخرى إلى دوق سبيلمان.
حتى و هي تموت، بذلت الدوقة كل ما بوسعها لحماية إيفلين.
لكن، هل كانت تعلم؟ هل كانت تعرف ما الذي سيقوم به دوق سبيلمان تحت ذريعة التربية؟ هل كانت تعلم أن الطفلة لم تكن سوى أداة بالنسبة له؟ وهل كانت تعرف أن أوغستين سيموت أيضاً؟
“هل يمكنني استعادة كل هذا فعلاً؟”
“معظمه، نعم. إلى جانب ذلك، الدوق يستخدم الممتلكات الخاصة التي ورثتها سموّكِ كما يحلو له. لأنه يدّعي أنه الوصي القانوني.”
“لكن لو كانت الأمور قد سارت بشكل صحيح، لـكانت كل هذه الأملاك لتنتقل إلى سيرتين عند زواجي. لأنه سيكون الوصي القانوني لي حينها.”
“صحيح. لكن الدوق أخفى هذه الوصية والوثائق و أبقى الأمر سراً.”
الآن أفهم لماذا كان الدوق متمسكاً بلوكاس. إذا مات لوكاس، فسيضطر شخص آخر لإدارة هذه الوثائق، مما يعني ظهور شخص آخر يعرف السر.
الآن فقط أدركت لماذا قد أحكم الدوق سبيلمان قبضته على لوكاس بذلك الشكل.
“سأعود متى احتجت إليّ. لتستخدميني وقتما تشائين.”
“…لقد جهزت لك رحلة إلى لاروس. و لأختك كذلك.”
“شكراً لك ، سموّك.”
“عندما تصل إلى لاروس، اطلب المساعدة من الكونت بريزمان. ولكن كما وعدت…”
“نعم، ما زلت أتذكر، سموّك. بمجرد أن يسقط دوق سبيلمان، سأغادر بعد أن أنهي كل شيء. أنا أيضاً أعلم بخطاياي. وأشعر بالامتنان فقط لعدم الزج بي في السجن.”
كان من حسن الحظ أن الأمور انتهت بهذه الطريقة.
أعتقد أن الذي قاد لوكاس إليّ لم يكن إلا صلة والدتي به. كانت تحميني حتى بعد موتها. أو بالأحرى، تحمي إيفلين.
شعرت بقليل من الذنب. هل كانت تعلم أنني أعيش هذه الحياة بدلاً منها؟
أحسست بطعمٍ مرّ في قلبي.
*****
تنهد لوكاس و خرج إلى الخارج. ركب العربة التي أُعدّت له كما أرشدته الخادمة.
كانت إيفلين شخصية دقيقة و منظمة. من هنا، سيتوجه مباشرة إلى لاروس. كانت تحركاته لا تحتمل أي تأخير.
لا بد أن تكون رحلة طويلة. وقد تأكد بالفعل أن شقيقته الصغرى قد انطلقت.
أرخى لوكاس ربطة عنقه المشدودة واتكأ على مقعد العربة. أغمض عينيه داخل العربة التي بدأت تتحرك بارتجاج خفيف.
“…سوديلا.”
كان قلبه يؤلمه. كان اسماً لم يجرؤ على نطقه طوال الوقت من شدة شعوره بالذنب والعار. شعر أخيراً أنه يستطيع الوقوف أمامها بشجاعة.
“لوكاس، أظن أنني حامل.”
جاءته سوديلا، شاحبة الوجه، و أخبرته بذلك السر.
كان يعلم أنها على علاقة مع ريكست سبيلمان، لكن لم يكن يعتقد أن علاقتهما وصلت لذلك الحد.
شعر و كأن قلبه ينهار.
لكن ما أحبطه أكثر كانت الكلمات التالية التي تبعتها:
“آه، لم أكن أتوقع أنني سأحمل. كنت ذاهبة لأطلب الانفصال… لا، كنت ذاهبة لأقول له إنني أريده أن ينفصل عني… و اقول انني لن أراه مجدداً…”
وجه سوديلا الصغير و هو ينفجر بالبكاء ظل محفوراً في قلبه.
أراد أن يسألها بمرارة: لماذا قابلتِ ذلك الرجل و تركتني؟
لكن في ذلك الوقت ، لم يكن لوكاس قادراً على فعل أي شيء.
“لا تبكي ، سوديلا. كل شيء سيكون بخير. يُقال إن كل مكان فيه بشر يمكن أن يكون مكاناً للعيش. يمكنكِ أن تكوني سعيدة في أي مكان.”
كل ما استطاع فعله هو مواساتها و تهدئتها.
الشخص الذي دفعها للدخول إلى عائلة دوق سبيلمان لم يكن سوى لوكاس نفسه.
“ما كان يجب أن أفعل ذلك، سوديلا. كان عليّ أن أهرب معكِ. كان عليّ أن أواجه دوق سبيلمان. كان عليّ أن أفعل شيئاً، أي شيء من أجلكِ.”
كان لوكاس مجرد رجل عادي، مراهق مليء بالخوف.
وفي النهاية، لم تخرج سوديلا من ذلك القصر حية أبداً.
“ومع ذلك، أنا سعيدة ، لوكاس.”
كان ذلك بعد ولادة إيفلين. كلمات سوديلا التي التقى بها بالمصادفة خارجًا ، ظلت محفورة في قلبه.
“الطفلة تشبهني كثيراً. إنها تناديني أمي الآن. و أخيراً، أشعر أنني أملك العائلة التي كنت أحلم بها.”
كانت سوديلا تحمل تعلقاً استثنائياً بفكرة العائلة.
كانت تحب ابنتها كما لو أنها تحب نفسها.
أصبحت إيفلين كل شيء بالنسبة لها في وقت قصير.
و كأنها كانت تشعر بشيء، بدأت سوديلا بالإسراع في كافة إجراءات الميراث.
حولت معظم أملاكها الخاصة باسم إيفلين و خططت لمستقبل الطفلة.
في ذلك الوقت، لم يكن لوكاس يفهم لماذا كانت تسرع بهذه الدرجة، خاصة و أنها لم تدخل بعد إلى عائلة دوق سبيلمان.
“كان يجب أن أحميكِ، سوديلا.”
فهم السبب فقط بعد أن فقدها.
هي لم تكن سعيدة. كانت تعيسة، وكانت خائفة.
و في النهاية، لم يتمكن لوكاس من حمايتها.
انهمرت دموع ساخنة على خد لوكاس المجعد.
كان مليئاً بالندم.
التعليقات لهذا الفصل "124"