جاءت جوليا تبحث عني في الفجر دون أن تنام. وفي اللحظة التي رأيت فيها ما أحضرته، توقفت دموعي التي كانت تنهمر.
في الحقيقة، كان وجه جوليا مبللًا بالدموع أيضًا، لذلك لم يكن أمامنا سوى أن نبتسم بإحراج.
“ديميتور كان يجيد طي الورق منذ زمن. كان يفعله كثيرًا عندما يلعب مع الأطفال. وهذا الشيء كان رودريك يحبه بشكل خاص…”
قامت جوليا بطي الورقة باتباع الخط الذي رُسم ببطء. ما كان يمكن تجاوزه بسهولة، أدركته جوليا.
كان من المؤكد أن ديميتور أعد هذا الشيء بطريقة لا يمكن إلا لجوليا أن تلاحظها. ومع اكتمال الشكل تدريجيًا، خرجت مني تنهيدة من الدهشة دون وعي.
“هذا هو…”
كان شكله مألوفًا. كان طي ورق “الشرق والغرب والجنوب والشمال” الذي كنا نفعله كثيرًا في الماضي.
“لا يوجد شيء الآن، ولكن إذا فعلت هكذا… هل ترين؟”
أومأت برأسي وعيناي متسعتان.
رأيت بوضوح كلمة “طلقة”. لم تكن تظهر عند النظر من قرب، و لكن عند النظر من مسافة، كانت تظهر بوضوح. كانت المسافات بين الأحرف ترسم صورة دقيقة.
تلاقت نظراتنا أنا و جوليا. حبسنا أنفاسنا بصعوبة لكتم الصرخة.
هل هذه رسالة احتضار؟ أم أنها إشارة على أنه حي حقًا؟
قلبي أخذ ينبض بقوة.
أسرعت و أحضرت المسدس الذي كان على الطاولة.
مع الطلقات الموجودة في المسدس، كان هناك سبع طلقات بالمجمل. من بينها، كانت هناك طلقة واحدة بارزة موضوعة على حدة. أمسكت بها و تفحصتها جيدًا.
“ما الذي يمكن أن يكون بداخلها؟”
“من غير المحتمل أن يكون في مكان ظاهر. دوق سبيلمان فتح رسالتي. إذا كان سِرتين، فلا بد أنه توقع أن يتم تفتيش هذا أيضًا.”
لذلك، كان قد أشار لنا بهذه الطريقة لنفحص الطلقة.
تفحصناها من كل زاوية.
“همم. هل نقارنها مع باقي الطلقات؟”
بناءً على اقتراح جوليا، أخرجنا كل الطلقات. كانت تبدو متشابهة تمامًا.
ثم وضعتها كلها دفعة واحدة على راحة يدي. ظننت أني سألاحظ الفرق إذا نظرت إليها مرة واحدة.
وفي اللحظة التي دحرجتها فوق راحتي…
“آه!”
“صاحبة السمو؟”
“الوزن. الوزن مختلف!”
الطلقة التي كانت في الصندوق كانت أخف بشكل واضح.
عندما سمعتني جوليا، قارنت الأوزان أيضًا، ثم أومأت برأسها.
“صحيح!”
السر كان في هذه الطلقة.
تفحصت الطلقة بعناية، حتى لاحظت شعرة دقيقة في سطحها. كانت في موضع مختلف عن باقي الطلقات.
وعندما خدشتها بأصبعي ببطء…
“حلوى…؟”
عضضت شفتي ثم أطلقتها.
بعد أن أزلت الغلاف المذهّب، ظهرت الحلوى بلون البرقوق، مصنوعة بدقة على شكل طلقة.
انفجرت ضحكتي و دموعي معًا.
“سيرتين، بحق الجحيم…!”
بيني أنا و سيرتين، كانت الحلوى تمثل رابطة سيئة و لكنها كانت أيضًا علاقة بيننا.
تذكرت الأيام التي كنت أتناول فيها الحلوى التي أعطاها لي سيرتين بينما أشتمه.
حتى بعد ذلك، تشاركنا الحلوى سويًا.
بينما كنا معًا ، تدحرجت زجاجة كانت مخبأة تحت السرير و ظهرت أمام سيرتين. و من هناك بدأ كل شيء.
“آه.”
“أرجوك، سيرتين. ليس الآن… .”
أتذكر أن سيردن قبّلني بينما كنت أتناول تلك الحلوى التي وضعتها في فمي.
اللعين، سيرتين.
الحلوى كانت هدية لي.
على الغلاف الذهبي الرقيق الذي كان يغطي الحلوى، كُتبت رسالة موجهة لي و لجوليا.
[جيمس سيأتي، إيفلين. علقي تصريح المرور على الشجرة الخامسة عند مدخل حديقة قصر ولي العهد قبل الساعة الرابعة فجرًا.]
كان يعلم أن أمر الحظر سيصدر.
وأيضًا…
“يا له من وغد. كان ينوي هذا منذ البداية.”
وافقتني جوليا على همسي.
“بالضبط. كان ينوي خداعنا منذ البداية!”
كان بكاءً مشوبًا بالفرح.
يقولون إنه لخداع العدو، يجب أن تخدع الحلفاء أولًا.
لا أظن أن قرار سيرتين كان خاطئًا.
إنه يفعل كل ما بوسعه ليعود حيًا، وللوفاء بوعده لي.
سيرتين كان حيًا.
بالتأكيد لا يزال حيًا.
شعرت براحة جعلت جسدي يرتخي تمامًا.
تحققت من خط يد سيرتين مرة أخرى. كنت أعرف اسم “جيمس” أيضًا.
ضغطت على عيني الساخنتين بقوة.
السطر الأخير جعلني أبتسم بشكل ساخر
[الحلوى هدية. تناوليها وانتظريني. من سيرتين خاصتك.]
حتى ذلك الأسلوب المتبجح، كان يشبه سيرتين تمامًا.
وضعت الحلوى التي بدأت تذوب بحرارة كفي في فمي.
طعم البرقوق الحلو.
طعم مألوف.
تركتها تذوب في فمي.
“كم الساعة الآن، جوليا؟”
“لقد أصبحت الساعة الواحدة فجرًا للتو.”
“إذا أردنا إصدار تصريح مرور، فمن الأفضل أن نسرع. هل تعتقدين أن مورتغا مستيقظ بعد؟”
كان من الأفضل أن نقوم بالأمر الآن بدلًا من إثارة الضجة عندما يستيقظ الجميع.
كما أنني كنت أشعر بالقلق.
إذا اختفى تصريح المرور بعد أن نعلقه، فهذا يعني أن سيرتين حي.
لكن إن لم يختفِ…
فقد يأتي إلينا يأس أشد مما نحن فيه الآن.
لكني أؤمن أن ذلك لن يحدث.
قررت أن أؤمن بأن مستقبلًا حلوًا سيأتينا، مثل هذه الحلوى التي تذوب ببطء في فمي.
*****
لم أنم طوال الليل. وبمجرد أن أصبحت الساعة السادسة صباحًا ، خرجت إلى الحديقة.
راقبت الحديقة طوال الليل، لكن من الصعب التأكد من أي شيء في مكان لا يدخله الضوء. و إن أضأنا الضوء، فقد يعرض ذلك جيمس للخطر.
لم تستطع جوليا النوم أيضًا.
التقينا بوجوه شاحبة عند مدخل قصر ولي العهد، و تبادلنا ابتسامة خفيفة.
مشينا بهدوء كما لو كنا في نزهة. الجميع في القصر كان يعلم أننا لم نعد ننام منذ تلقينا الخبر الحزين. لم يكن من الغريب أن نكون مستيقظتين في هذا الوقت.
“…لا يوجد شيء.”
همست جوليا بصوت منخفض.
دُرنا حول الشجرة عدة مرات، ولكن لم نتمكن من العثور على شيء. أطلقنا أنا و جوليا هتاف فرح مكبوت. كانت هذه بمثابة رسالة نجاة من طرفهم.
دفنت وجهي في كفيّ.
“…كم شعرت بالقلق. كنت أعتقد حقًا أنه مات…”
عانقتني جوليا من الخلف و أنا أتنفس. لقد عاد. إلي. وهذا وحده كان كافيًا. إنه على قيد الحياة، وهذا يكفي.
*****
في تلك الساعة.
لم يكن سيرتين قادرًا على النوم أيضًا.
تنهد سيرتين طويلاً وهو يضع يده على خصره. كانت عملية الشفاء بطيئة بسبب الجرح العميق الناتج عن الريح الحادة. على الرغم من تحذير الطبيب بأنه كاد يفقد نصف خصره، لم يستطع أن يستريح.
كانت شفتا سيرتين الجافتان تتقلصان من الألم.
“تسك…”
لم يكن من السهل التظاهر بالموت.
لم يكن ديميتور وحده من شارك في التخطيط لموت سيرتين.
كان عليه أن يتظاهر بالموت ويهرب متجنبًا أولئك المتنكرين في هيئة فرسان.
قدّم سيرتين خصره، و قدّم ديميتور كتفه.
بفضله، تمكنا من تزييف موته بسعر زهيد.
كان مستعدًا لكل ذلك، لكن تفكيره كان مشغولًا بإيفلين طوال الوقت.
“هل بكت كثيرًا؟”
لا بد من ذلك.
“هل تألمت كثيرًا؟”
ربما كذلك.
رغم أنها تبدو قوية من الخارج، إلا أن قلبها أرق من أي شخص آخر.
حين فكر في الدموع التي سالت من عيني إيفلين، شعر قلبه بالبرودة.
أطلق سيرتين أنينًا من الألم ثم اعتدل في جلسته.
كان ينوي أن يجعل كل دمعة سالت من عيني إيفلين تُدفع ثمنها.
قد حان الوقت لدوق سبيلمان أن يتعلم أن من يجعل الآخرين يبكون، سيبكي دمًا من عينيه.
كان هناك صقر يطير في السماء الفجرية.
يحمل على جناحيه الأمل.
كان وقت الهجوم المضاد يقترب.
التعليقات لهذا الفصل "119"