لم أستطع حتى التفكير في فتح الرسالة التي قد تكون وصية. عادت جوليا بعد وقت قصير. كانت تحمل بعض الأشياء التي يجب مراجعتها قبل دخول اجتماع اليوم. تبعها مورتيغا.
عبس مورتيغا عندما تحقق من الأشياء الموضوعة على الطاولة.
“هل جاء الدوق؟”
أومأت برأسي.
“…تعمّدت عدم استلامها، هذا الوغد. أعتذر، يا صاحبة السمو ، على هذا الكلام البذيء أمامك…”
تنهد مورتيغا. لكنني وافقته تمامًا. في الواقع، دوق سبيلمان كان شريرًا لا يستحق حتى وصفه بالوغد.
“لا بأس.”
بدا أنه يعرف سبب رفض مورتيغا لاستلام الرسائل. كانت العاصمة الإمبراطورية كلها ترفض الاعتراف بوفاته بكل ما أوتيت من قوة. لم تعترف العاصمة رسميًا بالأمر، لذا لم يعرف النبلاء ما يجب عليهم فعله.
حتى الصحافة كانت حذرة، تراقب تحركات العاصمة بصمت. لم يُعثر على الجثة بعد. لذا، لا أحد يصدق أنه مات.
“جوليا، توجد أيضًا رسالة من الدوق روجر.”
ترددت جوليا قليلًا وهي تلمس ظرف الرسالة.
“لم أظن أنني سأرى هذا اليوم.”
وضعت الظرف على الطاولة مرة أخرى.
“لا أظن أن هذا هو الوقت المناسب لقراءة هذا، يا سمو الأميرة. أمامنا أمر مهم الآن.”
رغم ما قالته، لم تستطع جوليا أن تبعد نظرها عن الوصية.
لكنها كانت محقة. لم يكن لدي وقت الآن. جمعت الوصايا و الصندوق الذي يحتوي على البندقية، و وضعتها بعناية في الدرج.
لم يُتح لنا حتى وقتٌ للحزن على أحد. على الأقل ليس الآن. بعد أن اختفت تلك الأشياء عن الأنظار، تنهدت جوليا تنهدًا عميقًا.
تلاقت نظراتنا. كأن كل منا يعرف ما يفكر فيه الآخر، فابتسمتُ بسخرية.
“الآن… من الأفضل أن نركز هنا. يبدو أن دوق سبيلمان لا يريد التنازل عن وزارة الاقتصاد، رغم أنه تخلى عن وزارة الخارجية.”
قالت جوليا بصوت خافت فيه شيء من الحزن.
و هي محقة. دوق سبيلمان كان يفعل كل ما في وسعه لحماية وزارة الاقتصاد. حتى أنه أتى بهذه الوصايا ليهزّنا، كجزء من تلك الخطة.
المثير للدهشة أن دوق سبيلمان يهاجم حتى جوليا، كأنها لم تعد ذات فائدة له.
“منذ البداية، موظفو وزارة الاقتصاد كانوا من أتباع دوق سبيلمان.”
“هل هناك من بينهم من عليه دين لبنك ريموند؟”
هزت هايزل رأسها.
“ذلك المكان محصّن كحصن منيع. لن يكون من السهل إقناعهم.”
هذا يعني أنه معقل دوق سبيلمان. وللسيطرة على لوكاس، يجب كسب ولائهم.
لحل هذه المشكلة، كنا بحاجة لتعاون وزارة الاقتصاد. حتى لو انتهكوا قوانين الفائدة، فإن التعامل معهم بطريقة خاطئة سيُعتبر تعديًا على اختصاص الوزارة.
الاحتكاك بين الوزارات كان أمرًا يُتجنّب دائمًا. إذ من المؤكد أن صلاحياتنا ستتقلص. و قد تدافع وزارة الاقتصاد عنهم. و هكذا ندور في حلقة مفرغة.
كنا في حيرة من أمرنا، لا نعرف ماذا نقول، حينها…
جاء إلينا الكونت تشينشيس. لم يكن شخصًا طلب لقاءً خاصًا من قبل.
كأنه أراد فقط أن يؤدي عمله دون التورط في أي شيء.
“لقد مر وقت طويل، سمو ولية العهد.”
“…لم أظن أنكَ ستأتي إليّ.”
ابتسم الكونت تشينشيس ابتسامة باهتة. كان لا يزال يبدو مترددًا، وجهه متوتر، بل بدا عليه القلق.
“في الحقيقة… لم أكن أتوقع ذلك أنا أيضًا. عندما قبلت المنصب المؤقت، لم أظن أن الأمور ستستمر لهذا الحد.”
“أنا ممتنة لجهودك.”
بالتأكيد، كان سيرتين يفكر بنفس الطريقة. أردت أن أقول ذلك، لكنني كتمت كلماتي.
شعرت بالغثيان مرة أخرى. قبضت يدي بإحكام حتى غرست أظافري في راحتي.
“أتيت اليوم لأنني أظن أنني قد أتمكن من مساعدتكم.”
“مساعدة…؟”
“أفترض أنكم تعانون الآن بسبب وزارة الاقتصاد. دوق سبيلمان لا يتراجع أبدًا. وسيظل كذلك. لقد جاء أحد أتباعه إليّ أيضًا.”
ربما أرادوا استمالته. شعرت بالخوف في قلبي.
لا، إيفلين. لدينا إينيس، و ابنه أيضًا. لا يمكن أن يخوننا.
“…للرئيس سلطة اتخاذ قرارات فردية وفقًا لحكمه. يمكنه استخدامها عندما يرى أن ما يُناقش في الاجتماع غير عادل. لكن لا يمكن استخدام هذه السلطة سوى مرة كل ثلاث سنوات، لذا يجب الحذر. إذا خسر هذه السلطة، يُعتبر الرئيس ناقص الصلاحيات.”
لم أكن أعلم بوجود مثل هذه السلطة. قالت جوليا ذلك كأنها تذكرت فجأة.
“يمكنكَ إذًا استخدام هذه السلطة!”
“نعم. لكن ما يمكنني فعله فقط هو منح إذن لوزارة العدل للتحقيق مع وزارة الاقتصاد. هل سيكون هذا كافيًا… لمساعدتكم؟”
امتدت يدٌ للمساعدة لم نكن نتوقعها. في لحظة لم نتوقعها أبدًا، اتخذ الكونت تشينشيس قراره.
“أرجوكِ اعتنِ بإينيس، يا صاحبة السمو.”
كان الكونت تشينشيس لا يزال يحمل ملامح الأب. عادت قطع اللغز إلى أماكنها. إينيس و الكونت تشينشيس، نعم.
****
كان دوق سبيلمان أيضًا يلتقي برجاله قبل دخول اجتماع النبلاء.
بعد أن أثار الفوضى بشكل مناسب مع إيفلين ويوليا، حان الآن وقت إنجاز عمله. لا يزال هناك في العاصمة الواسعة من يتبع إرادة دوق سبيلمان.
اجتمع رجاله في مكان مغلق أُعدّ خصيصًا لهم. في الخارج، كان الخدم يحرسون المكان بإحكام.
“بفضل جهودكم، لم تنهَر القضية العظمى.”
“إلى متى سنبقى نشاهد تلك الفتاة الصغيرة تعبث بشؤون الإمبراطورية؟ حتى وإن كانت زوجة ولي العهد، إلا أنها تتدخل كثيرًا. ولي العهد قد مات، لذا في الواقع، تلك المرأة أيضًا…”
رفع دوق سبيلمان يده ليوقف الكلام.
“هل تشككون في شرعية ابنتي؟”
قال دوق سبيلمان ببرود.
“الآن هو الوقت الذي يجب فيه الاعتراف بشرعية ابنتي و دعمها أكثر من أي وقت مضى. أنتم تسيئون الفهم كثيرًا.”
كان دوق سبيلمان يبقي على إيفلين حيّة لسبب وجيه. لأنها، و منصب ولية العهد ، كانا يحملان تلك القيمة!
“هل تعرفون ذلك؟”
صمت الحاضرون وحدّقوا بدوق سبيلمان. حرّك شفتيه بوجه يغمره الغبطة.
“في عروق تلك الفتاة تجري دماء العائلة الإمبراطورية. قبل عدة أجيال، تزوجت أسرة دوق سبيلمان من أميرة إمبراطورية. كانت تلك المرأة إحدى جدّاتي.”
رغم أن أسرة دوق سبيلمان في ذلك الوقت لم تكن سوى أسرة كونت بسيطة.
“إن اختفت الأميرة فيرونيكا، فلن يكون من غير المعقول أن تحل تلك الفتاة مكان ولي العهد، أليس كذلك؟”
أطلق دوق سبيلمان ضحكة مريبة. هذا هو السبب الذي يجعل إيفلين تحتفظ بذلك المنصب.
إذا أصبحت إيفلين بديلةً لولي العهد، و مـات الإمبراطور…
فإن دوق سبيلمان سيقف على القمة. سيكون ذاك المقعد، الذي يشغله الآن ذلك الأحمق المدمن، من نصيبه.
أولئك الذين أنهوا حساباتهم حتى هذه النقطة أطلقوا آهات إعجاب. كان النصر قريبًا جدًا.
“لكن لهذا، يجب التأكد من موت ولي العهد. متى سيتم الإعلان الرسمي؟”
“هل من الممكن… أن يكون لا يزال حيًا؟ إنه شخص عنيد فعلًا.”
بسبب تأخّر الإعلان، بدأت هذه الشكوك تظهر.
“لا تقلقوا.”
رفع دوق سبيلمان زاوية شفتيه بابتسامة.
كان هناك سبب لموافقته على قرار الإغلاق. لم تكن إيفلين وحدها من يلاحق جثة ذلك الوغد. بل هو أيضًا.
“ذلك الوغد لن تطأ قدمه العاصمة حيًا.”
قال دوق سبيلمان ببرود. سيُقتل الوغد حتى بعد موته.
سيعثر على الجثة و يحرقها، ثم يبعثر رمادها في صحراء بعيدة. قد لا يكون من السيئ رؤية إيفلين تائهة تبحث عن جثته طوال حياتها.
و إن لم يكن ذلك…
‘قد أستخدم جثته كوسيلة لربط طوق حول عنق إيفلين.’
حتى وجه ابنة تبكي سيكون جميلًا.
التعليقات لهذا الفصل "117"