جاء دوق سبيلمان إليّ بوجه يعلوه السرور. لم يكن ذلك الوجه الذي كان يرتجف رعباً عندما رآني من قبل. بل كان وجهًا كريهًا واثقًا من انتصاره.
رفضتُ طلبه للمثول أمامي، ومع ذلك اقتحم المكان وجلس في المقعد دون إذن.
رمقته بنظرة باردة. ووقفت هايزل إلى جانبي متشبثة بي وكأنها تحاول حمايتي. هل يجب أن أعتبر نفسي محظوظة لأن جوليا لم تكن في المكان حينها؟
كانت جوليا تنفر بشدة من دوق سبيلمان. بل كانت تكرهه. وكانت تتجنب أي موقف قد يظهر علاقتها بي. أما الآن، فقد ذهبت إلى وزارة العدل لمعالجة مسألة سيلا.
“ما رأيكِ، إيفلين؟”
“……”
“لا أعلم ما الذي دفعك إلى الوقوف إلى جانب ولي العهد، لكنني أرى أنه يجب أن أمنحكِ فرصة واحدة على الأقل.”
ارتسمت ابتسامة على زوايا شفتي دوق سبيلمان المتجمدة. ضيّق عينيه وهو ينظر إليّ.
“لا أفهم ما الذي تقصده.”
قطعتُ حديثه ببرود، فقهقه دوق سبيلمان باستخفاف.
“ما الأمر؟ هل تريدين أن أطردكِ إلى هناك أيضًا؟ من تظنين أنه يقف خلف كل هذا؟ أحقًا تظنين أن حربًا كهذه ستندلع من العدم وفي التوقيت الذي أريده؟ هل أنتِ ساذجة لهذه الدرجة؟ لا، بل أنتِ تشبهينني أكثر من أي أحد آخر.”
بدأ يعبث بعصاه. ذلك التصرف المتباهي جعَلني أشعر بالغثيان. يا له من كائن أحط من الحيوان.
“إهانة لا توصف. هل هذا كل ما جئتَ لتقوله دون إذن؟”
لكن دوق سبيلمان تجاهل كلماتي وكأنه لم يسمعها.
“تعرفين كيف تنتظرين، و تعرفين كيف تصمتين، وتعرفين كيف تخفين نفسكِ. كنت أعلم منذ صغركِ أنكِ نبتة جيدة. ولهذا حزنت بشدة حين صرتِ بتلك الحال. وكما تعلمين، أوغستين لم يكن نبتة جيدة أبداً.”
وصف ابنه — بل ابنه الميت — بتلك الطريقة؟ لا أحد سوى هذا الرجل قادر على ذلك.
أصابتني قشعريرة. شعور غريزي بالخوف. كأنني أمام شيطان لا إنسان. قبضت على يدي بقوة.
لا بأس، إيفلين.
وما الشيطان…؟ ألم يقل الجنود إنهم يضربون حتى الأشباح؟ سأكون ولية العهد التي تطيح بالشياطين.
“أن تتولي وحدكِ مهام ولي العهد أمر غير منطقي في الحقيقة. مهما كنتِ ذكية، هل سبق لكِ حتى أن خضتِ في السياسة؟ سأساعدكِ.”
بدت كلماته وكأنه يريد أن يتولّى شؤون الحكم باسمي.
كلام لا يُصدَّق. إلى أي درجة يريد أن يتدخل؟
هل نسي كيف حمى سيرتين هذا المكان؟ كيف حافظ عليّ؟
كانت هناك الكثير من الأمور العالقة بالفعل. كان عليّ أن أعيد هيكلة وزارة الاقتصاد. وكان دوق سبيلمان عائقًا، لا معينًا.
“لا حاجة لذلك، دوق سبيلمان. أشكركَ كثيرًا على كرمك، لكن من المهم أن أتعلم ببطء.”
وقبل أن يتمكن دوق سبيلمان من الرد، سُمع صوت طرق على الباب.
“سيدتي، الشخص الذي كنتِ تنتظرينه قد وصل.”
“أتجرؤ، و أنا…”
“لقد أتيتَ من دون موعد، أما الزائر فهو على موعد مسبق. دعه يدخل.”
عبس دوق سبيلمان و حدّق بي. من الواضح أنه لم يعجبه الأمر. و أنا أيضًا، لا يعجبني أمثالك أبدًا.
الداخل من الباب كان مورتيغا. لقد قرر أن يساعدني في تولّي مهام ولي العهد في الفترة القادمة.
“تحيةً لسيدتي.”
نظر مورتيغا إلى دوق سبيلمان للحظة، ثم تكلّم بوجه خالٍ من التعبير.
“إن كنتِ مشغولة الآن…”
“بل جئتَ في الوقت المناسب تمامًا. عليكَ أن تثبت كلامي. ولي العهد أبقاكَ من أجلي، وستساعدني في إدارة شؤون الحكم. لكن دوق سبيلمان لا يصدق هذا.”
“آه.”
قهقه مورتيغا ببرود، ثم قال بوجه يشبه وجه سيرتين:
“لا داعي للقلق يا صاحب السمو. سأكون أنا، ومعي مستشارو ولي العهد، عونًا لولية العهد. لدينا الخبرة الكافية في العمل التنفيذي، ولن يكون هناك أي نقص. كما تعلم، سبق لي أن توليت المهام بالنيابة لفترة.”
“هكذا إذاً… هذا يطمئنني قليلاً.”
تمتم دوق سبيلمان.
“صاحبة السمو ، أرجو أن تكوني حذرة. أن تُنهش ابنتي من قبل الذئاب المتربصة سيكون أمرًا مؤلمًا جدًا.”
كان هذا تهديدًا موجَّهًا لي. لكنني رددت عليه بالمثل.
“أشكر لكَ قلقك، دوق. لكن هل تعلم؟ حتى الذئاب لا تستطيع تفادي رصاصة الصياد. بالمناسبة، أفكر في تعلّم الرماية. ما رأيك، مورتيغا؟”
“فكرة ممتازة.”
“من أجل حمايتي، لا بد من ذلك.”
ضرب دوق سبيلمان الأرض بعصاه ثم غادر الغرفة بعنف. تابعت خروجه بتنهيدة ثقيلة.
“…آسفة لرؤيتكَ هذا المشهد.”
“بل العكس، سيدتي!”
قال مورتيغا بعينين لامعتين. وكأن سلوكه السابق اختفى تمامًا.
“أتطلع إلى العمل معكِ!”
…لا أدري إن كنت أتوهم، لكن وجهه بدا وكأنه يلمع. أومأت برأسي. كنت بأمسّ الحاجة إلى مساعدته.
****
بعد خمسة أيام.
بفضل الرحلة المكثفة التي لم نتوقف فيها للراحة، استطعنا تقليص الوقت و الوصول إلى الجبهة الجنوبية أسرع من المتوقع. خرج حاكم أيتيس لاستقبال وفد سيرتين.
“صاحب السمو ولي العهد، شكرًا لتكبدكم عناء هذا الطريق الطويل.”
“لا أهمية للمجاملات الآن. ما الوضع الحالي؟”
“لا تزال المواجهة قائمة فقط حتى الآن.”
“هل وصل الدعم من المناطق المجاورة؟”
أومأ لورد آيتيس برأسه.
“لقد أرسلنا رسائل مستعجلة إلى لوردات المناطق الحدودية وقد استجاب اثنان منهم.”
كان هذا ضمن التوقعات. في موقف قد تندلع فيه الحرب، لم يكن من السهل أن يقدم أحد جيشه بسهولة.
“قد أمامي. أريد التأكد من الأمور العاجلة أولاً. الدوق روجر، عليكَ تنظيم الجيش وتوفير الراحة للفرسان.”
“نعم، سموك.”
تحرك سيرتين بسرعة خلف لورد آيتيس.
الهواء البارد والقاسي دغدغ أنفه. راودته أوهام وكأن العدو الذي لم يواجهه بعد يقف أمامه مباشرة. هواء مألوف وغريب في آنٍ واحد.
اشتد توتر جسد سيرتين. من الآن فصاعدًا، لا مجال لأي تهاون ولو للحظة.
“ما عدد قوات العدو؟”
“يبدو أن بايرود قد استعد بشكل كامل، يا صاحب السمو. يُعتقد أن العدد وصل إلى خمسين ألفاً.”
عضّ سيرتين على شفتيه. لم يكن يعرف السبب الدقيق لفقدان الأميرة، لكن إن كانوا يعتقدون أن ليكسيا مسؤولة عن موتها… فهم إذًا جاؤوا إلى هنا وهم يراهنون على مصير دولتهم.
“…بحسب ما أرسله الجاسوس، فقد طالبت ليكسيا بأن تكون الأميرة من محظيات ولي العهد. على ما يبدو… نظرًا لوضع الأميرة الصحي، فقد نظر بايرود إلى الأمر بإيجابية.”
“ولم أعلم أنا بهذا؟”
هاه، هل يوجد شيء أكثر غباء من هذا؟ لا شك أن دوق سبيلمان مذهل بحق. إلى أي مدى تمكن من التسلل و التأثير؟
“أعتذر، ولكن… عندما اجتازت الأميرة حدود ليكسيا، هاجمها الفرسان هناك، و قيل إنها توفيت.”
“ولم تكن تعرف هذا أيضاً؟”
انحنى لورد آيتيس برأسه أكثر.
مرر سيرتين يده في شعره. ما نفع إلقاء اللوم الآن؟ لقد وقعت الحادثة، ونحن في ساحة حرب.
حدق سيرتين في السهل الواسع خارج القلعة. كأنه يرى راية بايرود ترفرف من بعيد. تملكه شعور بالغثيان.
لم يكن يخاف الموت قط. ولا للحظة واحدة. الموت كان دائمًا إلى جانبه.
“سيرتين.”
لكن فجأة.
لأول مرة، الآن.
شعر بالخوف من الموت.
****
بعد 3 أيام.
إصلاح وزارة الاقتصاد لم يكن أمرًا سهلاً. لم يتوانَ دوق سبيلمان عن الاصطدام بي بكل قوته وكأنه لم يعد لديه ما يخسره، و حتى في اجتماع النبلاء بقيادة الكونت تشينشيس، كانوا يعارضون كل كلمة أقولها.
هاه، أعصابي تحترق.
اليوم أيضًا، بعد أن قضيت وقتي كله أواجه انتقادات دوق سبيلمان، غادرت قاعة الاجتماع، فجاء إليّ كبير خدم القصر الإمبراطوري مسرعًا بخطى قلقة. وجهه شاحب، وعروق زرقاء بارزة، وبؤبؤا عينيه متسعان.
“صاحبة السمو! هناك خبر عاجل!”
سقط ما كان في يده على الأرض.
“ص، صاحب السمو ولي العهد… وردنا خبر أنه… م… مات، يا سموّك…! أ، أنا آسف، يا صاحبة السمو!”
الخبر الذي لم أكن أريد سماعه أبدًا، والذي لم أكن أنتظره قط، جاءني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل "113"