ابتسم الفيكونت بنتلي بابتسامة محرجة. لقد تجاوزوا الفائدة وتورطوا حتى في الاتجار بالبشر.
سألت جـوليا
“ما هو الحد الأقصى القانوني للفائدة؟”
“حسب ما أعرفه، 25%. ما يجري الآن مبالغ فيه فعلًا، يا صاحبة السمو.”
لقد تغاضت وزارة الاقتصاد عن ذلك. وفي النهاية، وراء كل هذه الأفعال غير القانونية، كان يقف دوق سبيلمان.
لا، لم يكن هناك شيء لم يفعله. آه، كيف يمكن لشخص كهذا…؟
“كيف انتهى الأمر بلوكاس في قبضة هؤلاء الخارجين عن القانون؟”
“من البداية كانت الأمور غريبة. دوق سبيلمان طلب وكيلًا قانونيًا، وقد أوصيت بلوكاس الذي كان متفوقًا في دراسته عندما درسنا سويًا في الأكاديمية.”
“ثم ماذا…؟”
“بعد ذلك بدأ منزل لوكاس ينهار فجأة. في الواقع، كانت عائلة لوكاس ميسورة الحال نسبيًا ولم تكن تفتقر لشيء. في حياة والده، كانوا يديرون مصنع نسيج صغير.”
“وفشل العمل؟”
“نعم. بدأ الشركاء التجاريون بالانسحاب…”
ابتسم الفيكونت بنتلي بمرارة.
بعد ذلك، أصبح الأمر قصة مألوفة. الوالدان اللذان استدانوا حتى من خلال بيع ابنتهما، وانتهى بهما الحال إلى الانتحار. لقد حاولوا الانتحار معًا، لكن الابن و الابنة نجيا، ومنذ ذلك الحين يتحمل لوكاس مسؤولية شقيقته التي أصبحت عاجزة عن الكلام بعد ذلك اليوم.
يا لها من أسرار مخفية في القصة.
كنت أظنه شريرًا يعادل دوق سبيلمان، و لهذا ظننت أنه يقوم بكل تلك الأفعال القذرة.
تمعنت في وجه الفيكونت بنتلي. من الواضح أنه لا يمكن أن يكون شريرًا لولا ظروفه المحيطة، مظهره يوحي بالضعف.
“إذن، قد يكون هناك مزيد من الأشخاص ممن تم توريطهم ظلمًا مثل الفيكونت و لوكاس؟”
“ظاهريًا، يبدون مخلصين لدوق سبيلمان، لكن هناك كثيرون يعرفون حجم الظلم الذي يتعرضون له.”
لو كان من الممكن جرّهم جميعًا إلى المحكمة، لكان القضاء على دوق سبيلمان أمرًا سهلًا.
لكنهم كانوا في آنٍ واحد جناة و ضحايا. ومن الواضح أنهم لن يتحركوا ما لم يسقط دوق سبيلمان أولًا، وما لم يتم ضمان أمنهم.
“…إذا كان الأمر كذلك، فهذا يدعو للراحة. بالمناسبة، هل تعرف شيئًا عن زواج أمي الراحلة ووفاتها؟”
في تلك اللحظة، تذبذب بريق عيني الفيكونت بنتلي. كانت عيناه تتهربان بنظرات قلق. بدا وجهه وكأن شيئًا ما يقلقه.
“أنا… لا أعرف شيئًا بشكل مؤكد.”
وجهك لا يقول ذلك. وجهك يقول إنك تعرف كل شيء.
“لماذا تحاول إخفاء شيء الآن؟”
“…ما أعرفه هو أن هناك أمرًا غير عادل حدث، وأن زواجهما لم يكن سعيدًا.”
لماذا؟ حسب القصة الأصلية، كان زواجًا عن حب، أليس كذلك؟
فرك الفيكونت بنتلي وجهه بيده كمن يشعر بالتوتر، ثم أطلق تنهيدة طويلة. ثم قال بصوت منخفض
“السيدة الراحلة، الدوقة، كانت تعاني كثيرًا خلال فترة خطوبتها. كانت ترغب في إلغاء الزواج. ولكن… خلال تلك الفترة، علمت أنها كانت حاملاً بسموكِ، فتم فرض الزواج.”
سقط قلبي فجأة. شعرت و كـأني فهمت ما بين السطور غير المعلنة.
“خلال الخطوبة، فقدت الدوقة والديها و بقيت وحيدة. لم يكن هناك أحد يحميها.”
أكمل الفيكونت بنتلي حديثه بعينين مضطربتين.
“ما أعلمه هو أن الدوقة كانت تحب سموكِ بصدق رغم كل شيء. سمعت أنها كانت تقول كثيرًا: ’ابنتي لا يجب أن تعيش مثلي.‘”
أطراف أصابعي ارتجفت.
“عليكِ أن تكوني مختلفة عني، إيفلين. لا يجب أن تكوني تعيسة مثلي. يجب أن تكوني سعيدة، يا ابنتي.”
كأنني سمعت صوتًا يخترق أذني. لم أكن قد سمعت ذلك مباشرة. كان هذا ذكرى أبعد من ذلك. يد تمسح بطني، مهد دافئ أطفو فيه بجسد صغير. السائل الدافئ الذي كان يحيطني.
قبضت يدي بقوة.
“سأحميكِ، يا إيفلين. إيفلين، هل يعجبكِ الاسم؟ أخذته من جدتكِ الراحلة من جهة والدتك. كانت تعيش حياة طويلة وسعيدة. أتمنى أن تعيشي مثلها.”
كان صوتًا مفعمًا بكل الحب.
لماذا أتذكر هذا الآن…؟ هل هذه ذكرياتي؟ غريب. هل أتذكر ما حدث و أنا في الرحم؟
“سموكِ، وجهكِ شاحب. أعتقد أنه من الأفضل أن تتوقفي اليوم.”
قالت جوليا بلطف.
كان الفيكونت بنتلي يراقب الوضع بتوتر. ابتلعت ريقي بحنجرة جافة.
“…أجل، لِنفعل ذلك، جوليا.”
أومأت برأسي ببطء.
لكن ما كان غريبًا حقًا هو شيء آخر.
أنا متأكدة أنني كنت أعيش في عالم آخر ثم دخلت هذا العالم الذي كان داخل الرواية. أتذكر حياتي السابقة بوضوح، ولا يمكن أن تكون كذبة. ما زلت أتذكر أسماء أولئك الذين وقفوا معي على المسرح.
لكن الذكرى الدافئة التي عادت لتوها، أشعر وكأنها تخصني حقًا.
كأنني كنت بالفعل “إيفلين”.
****
كان الكونت تشينتشيس يتجول في الغرفة بوجه متوتر. لم يكن قد عاد إلى لاروس منذ أن صعد إلى العاصمة. الآن، لاروس تُدار من قبل مساعده الذي تولى الأمور هناك.
لكن المشكلة لم تكن في لاروس. المشكلة كانت في مجلس النبلاء الذي كان الكونت تشينتشيس مسؤولًا عنه.
ولي العهد الذي وضع الكونت في ذلك المنصب قال له فقط: “أرجو أن تعتني بولية العهد. لا تنسَ أن مستقبلك يعتمد عليها.”
كان يشعر بالقلق والتوتر. رغم أنه كان عالقًا بالفعل في هذا المأزق، إلا أنه لم يكن يعرف ما إذا كان ما يفعله الآن هو الصواب. ولهذا طلب لقاء إينيس.
فإليزابيث كانت على علاقة وثيقة بزوجة ولي العهد.
“استدعيتني يا أبي؟”
قالت إينيس بوجه بدا أكثر هدوءًا من ذي قبل.
“إينيس!”
أضاء وجه الكونت تشينشيس بابتسامة أوسع.
“… هل حصل شيء؟ وجهك…”
“أليست الحرب قد اندلعت؟ ولي العهد غادر العاصمة. لا أستطيع أن أفهم ما الذي يحدث الآن. وليس لي صلة مباشرة بالعاصمة.”
تنهد الكونت تشينشيس وجلس في مكانه. رفعت إينيس كتفيها بخفة.
“كيف هو الجو في القصر الإمبراطوري؟ وماذا عن الأميرة إليزابيث؟”
“هي بخير وفي هدوء تام. هل هذه المرة الأولى التي تقع فيها حرب؟ ثم إنني سمعت أن سمو الأميرة إيفلين قد تولت مكان ولي العهد في غيابه.”
عض الكونت تشينشيس على شفته بقوة.
“هل تظنين أن الوضع جيد كما هو عليه؟ لاروس، تشينشيس؟”
“… أنا.”
تغير تعبير إينيس. لقد رأت الكثير وشعرت بالكثير خلال إقامتها في العاصمة. وتعلمت الكثير أيضًا بجانب إليزابيث. خاصة تعلمت بقسوة كيف تصمت.
“الحكم يعود لكَ يا أبي. لكنني…”
تحركت شفتا إينيس بخفة. ذلك الحذر الذي لم يكن موجودًا سابقًا فاجأ الكونت تشينشيس قليلًا. لقد اختلفت تمامًا عن ذلك الوقت الذي كانت فيه تركض نحوه وتثرثر كما لو أنها اكتشفت شيئًا مذهلًا.
اختارت إينيس كلماتها ببطء.
خلال الفترة الماضية، التقت إينيس بإيفلين عدة مرات أثناء تواجدها بجانب إليزابيث.
كانت إيفلين امرأة ذكية. من الصعب تصديق أنها كانت تعيش كالبلهاء في السابق. أحيانًا، كانت تنظر إلى إينيس بثبات، مما كان يبعث القشعريرة في الجسد.
حينها شعرت بذلك. حتى لو حدث شيء لولي العهد، فلن تنهار إيفلين بسهولة.
بل إن مخالطة شخص مثل دوق سبيلمان قد تؤدي إلى فقدان الحياة بلا سبب.
“… كثيرًا ما أفكر أنني أود أن أُشبه سمو الأميرة إيفلين. إنها حقًا امرأة قوية.”
هذا كل ما كانت قادرة على قوله. ابتسمت إينيس ابتسامة خفيفة.
“بالطبع من الصعب أن أكون مثلها… لكن ربما إن تعلمت منها عن قرب، يمكنني أن أقلدها إلى حدٍ ما؟ أرغب بعد أن أكتسب بعض الخبرة أن أتقدم للعمل كوصيفة لها. هذا حلم العديد من بنات النبلاء حاليًا. لا أعلم إن كنت سأقبل، لكن…”
أطلق الكونت تشينشيس تنهدًا خافتًا وهو ينظر في عيني ابنته التي كأنها مملوءة بالنجوم.
التعليقات لهذا الفصل "112"