جاء سيرتين إلى قصر ولية العهد في وقت مبكر.
ربما سمع سيرتين نفس القصة التي سمعتها من جوليا. أو ربما كان يعرفها حتى قبل ذلك. كان عشاءً عاديًا.
تحدثت عن مقابلتي مع الجدة الكبرى مع فيرونيكا في الصباح، و عن حديثي مع السيدة النبيلة التي دعوتها في فترة بعد الظهر.
في الغالب، كان سيرتين فقط يستمع لكلامي. ولم أجمع شجاعتي للحديث إلا بعد أن انتهينا تمامًا من تناول العشاء و دخلنا غرفة النوم.
“سيرتين.”
“همم.”
“أليس لديكَ ما تقوله لي؟ أعتقد أنني لدي ما أقوله.”
رمش سيرتين بكسل.
كان صدره مكشوفًا من بين طيات الرداء وهو جالس مستندًا إلى لوح السرير.
نظرت إليه كما لو كنت مسحورة… ثم التقت أعيننا. ابتسم سيرتين وكأنه يعرف تمامًا ما أفكر فيه. كانت عيناه و شفاهه المرتويتان ترسمان قوسًا ناعمًا.
مدّ يده إليّ. و فتحت شفتاه برقة.
“هل أعانقكِ؟”
“لا بأس بذلك.”
قلت ذلك بجفاء.
شعرت بحرارة على وجنتي، فرفعت ذقني بتعجرف.
في بعض الأحيان، عندما أكون مع سيرتين، أنسى تمامًا ما كنت أفكر فيه أو ما كنت أريد قوله. وكأنني مصابة بحمى الحب الأول.
عندما أكون بجانب سيرتين، أشعر أن كل شيء سيكون على ما يرام. وهذا ما يجعل الأمر خطرًا.
دفنت رأسي في حضنه. و تمتمت بشعور يشبه الهزيمة.
“أنا من يعانقكَ.”
“كما ترغبين.”
قبّل سيرتين جبيني. تنفست بعمق و أنا أستند إليه. كان هناك الكثير مما أردت قوله. هكذا اعتقدت فجأة.
ماذا لو فقدت هذا العناق الدافئ؟ لو أنني لم أكن أعرفه، لما كنت لأشعر بما يعنيه أن يكون دافئًا و صلبًا بهذا الشكل. لقد عرفت كم هو جميل أن أنام معه بدلاً من أن أنام وحدي.
حتى مجرد تخيل ذلك كان مرعبًا.
بينما كان يربت عليّ، حركت شفتيّ.
“سمعت من جوليا. عن ما يفعله الدوق سبيلمان.”
“…”
“هل ستندلع الحرب حقًا؟”
لا زلت لا أصدق. فكرة أن الحرب واقع.
“ربما.”
عضضت شفتي بقوة.
“هل ستذهب أيضًا؟”
“لا بد من ذلك.”
كان سيرتين يعبث بشعري. قلبي كان يخفق بعنف. لن أستطيع رؤية سيرتين.
إذا اتبعنا الرواية الأصلية، فإن سيرتين يظل حيًا حتى يبلغ رودريك سن الرشد. و كان يفوز بكل الحروب و ينتقم من الدوق سبيلمان.
لكن لا أعلم إن كان لا يزال الأمر كذلك الآن. أولئك الذين كان من المفترض أن ينجوا ماتوا. الماركيز كيلرمان، و أوغستين أيضًا.
“إيفلين.”
ناداني سيرتين باسمي بنبرة دافئة على نحو خاص. ثم ضمّني إليه. وضعت كفيّ على صدره.
انحنى سيرتين و وقبّلني.
ارتعشت بينما عانقته. كان لديه دائماً القدرة على أن يجعلني أضيع تمامًا. كأنه الوحيد المتبقي في عالمي.
“س، سيرتين. أنا حقًا… لدي شيء أريد قوله بصدق…”
غمر سيرتين وجهه في عنقي. همس:
“أنا أستمع.”
بدت كلماته هادئة، و كأن لا شيء يهم، لكن سيرتين بدا متوترًا.
عضضت شفتي بإحكام. كنت أظن أنني الوحيدة التي تشعر بالقلق، لكن يبدو أن سيرتين كذلك أيضًا.
“لقد اشتقت إليكِ. عندما سمعت كلمة الحرب، كان أول من خطر ببالي هو أنتِ. كيف لي أن أذهب… و أترككِ خلفي؟”
“سيرتين…”
“أن أترك خلفي امرأة بهذا الجمال؟”
همس بنبرة مرحة، لكن حركاته كانت خالية من الهدوء. كلمة “الحرب”، و الدوق سبيلمان، قد حاصراه مرة أخرى.
رفعني سيرتين بين ذراعيه.
“هاه…”
“الدوق روجر سيذهب أيضًا، أليس كذلك؟”
“لا تشكك فيه. الدوق روجر سيكون إلى جانبكَ حتى النهاية. أنا فقط آسفة لأنني لن أكون هناك.”
“لن أترككِ تذهبين إلى مكان خطير وبشع كهذا. حتى لو انشقت السماء نصفين.”
كان صوته خشنًا بعض الشيء.
“الفيكونت بنتلي… آه. سألتقي به وسنتحدث عن الآنسة سيلا. حتى يكون بيت دوق روجر… قادرًا على حماية نفسه بشكل مستقل.”
بدأ نفسي يتسارع. شعرت وكأن أفكاري تزداد غموضًا. كنت قد ناقشت الأمر بالفعل مع جوليا.
كان الهدف هو تهريب سيلا، و رودريك، و لـيا من العاصمة. و كان التعاون من الكونت بنتلي ضروريًا لذلك.
كان الهدف منع أن يُستخدم بيت دوق روجر كورقة ضغط بعد بدء الحرب. و أيضًا، كنا قد ناقشنا أمرًا آخر…
“… السيد لوكاس، بما أنه من دعاة السلام… ربـ، ربما يمكنني التحدث معه…”
“شكرًا لك.”
****
أن يتركها، أن يكون من دونها، أن يكون لوحده.
رغم أنه كان الأمر المعتاد، إلا أن هذه المرة كانت مختلفة بشكل مخيف. لم يشعر من قبل بهذا القدر من الوخز عند فكرة البقاء وحيدًا.
إيفلين دائمًا ما تبذل قصارى جهدها. كان يفكر أحيانًا أنه لو كانت إيفلين خصمًا سياسيًا له، لكان الأمر حقًا صعبًا.
لأن أولئك الذين يبذلون أقصى ما لديهم بكل هذا الشغف، غالبًا ما يكشفون عن قوة كامنة مرعبة.
مرر سيرتين أصابعه خلال شعر إيفلين النائمة. كانت وجنتها البيضاء ناعمة كحبة لؤلؤ.
فرك شفتيه على وجنتها. رغم أنه استنشق عطرها طوال الليل، إلا أن ذلك لم يروِ عطشه.
“إيفلين…”
في ظلمة الليل، كشف سيرتين عن جانبه الهش.
ماذا لو لم يتمكن من العودة إلى إيفلين؟ ماذا لو مات هذه المرة حقًا، في مكان لا وجود لها فيه؟
ابتسم سيرتين ببرود. كان وجهًا لم يره أحد من قبل. و ربما شعرت إيفلين بضعفه.
فقد كانت الليلة لطيفة على نحو خاص.
“سأعود.”
ابتداءً من الغد ، ستدخل ليكسيا حالة الحرب.
قد لا تتاح له هذه اللحظة من الراحة مجددًا لفترة طويلة.
في الماضي، لم تكن الحرب مخيفة. و لأكون أكثر صراحة، لم يكن الموت مخيفًا.
الإمبراطور كان يشاهد فقط، الإمبراطورة كانت ضعيفة، و الدوق سبيلمان كان دائمًا قاسيًا كما هو معتاد. كان يعرف أنهم يدفعونه نحو الموت.
ومع ذلك، كان سيرتين يعود حيًا.
وبما أن الدوق سبيلمان رأى ما يستطيع سيرتين فعله، فهذه المرة سوف يستغل كل ما لديه. سيحاول قتله بأي ثمن.
“سأعود حيًا… ليروا ذلك بأنفسهم.”
همس بهذه الكلمات وهو ممسك بشعر إيفلين الوردي بين يديه.
المكان الذي توجد فيه إيفلين هو موطن سيرتين. لذلك، حتى لو مات، فليكن هنا، بجانب إيفلين.
حتى هذه الأفكار الضعيفة سيذيبها تمامًا في ظلام الليل.
ابتداءً من الغد، يجب أن يكون سيرتين السيف و الدرع الذي لم ينكسر يومًا في ساحة الحرب، و أمل ليكسيا.
حرّك سيرتين شفتيه.
“… أنا أحبك.”
همس سيرتين بصوت مكتوم. كانت هذه أول مرة يعترف فيها بذلك إلى إيفلين وهي نائمة.
وتمنى أن يتمكن يومًا من النظر في عينيها ليقولها مباشرة، ثم قبّل وجنتها.
التعليقات لهذا الفصل "107"