“…في مملكة بايرود يتم توزيع منشورات دعائية، يزعمون أنهم سيستردون ثمن حياة الأميرة بالدم…”
فتّش مورتيغا بين الأوراق الموضوعة على مكتبه وأخرج ورقة صفراء اللون.
“حدث ذلك قبل حوالي أسبوعين.”
أخد سيرتين منشورات مملكة بايرود.
“لكن نصل السيف تم توجيهه نحونا.”
“صحيح.”
ضحك سيرتين بسخرية، ويده التي مررها على وجهه كانت ترتجف قليلاً.
يبدو أن هذه كانت الورقة التي كان يخفيها دوق سبيلمان.
قال مورتيغا بنبرة مليئة بالخجل
“…أنا آسف، سموّك. كان عليّ أن أكون أكثر حذرًا.”
مهمة مورتيغا هي جمع المعلومات وفرزها ثم تسليمها لسيرتين.
أما وضع الخطط و رسم المستقبل اعتمادًا على تلك المعلومات فهو من مسؤولية سيرتين، ولي العهد و وريث الإمبراطورية القادم . لكن مورتيغا لم يُؤدِّ دوره كما يجب.
عض مورتيغا على شفتيه بقوة.
كلما ظن أنه تحسن، و أنه تقدم خطوة، وجد نفسه يتراجع إلى نقطة الصفر.
“أنا، حقًا…”
“كفى. ليس خطأك.”
قال سيرتين بصوت متخلل بالتنهد.
“وليس هذا وقت الشعور بالذنب. حقيقة أن سبيلمان للصناعات العسكرية قد تحركت تعني أن جلالة الإمبراطور قد منحهم الإذن. ماركيز ريموند، ماذا حدث بخصوص شراء السندات؟”
“أؤكد أننا أحرزنا تقدمًا ملموسًا.”
أومأ سيرتين برأسه، ثم وجه نظره إلى مورتيغا.
لم تكن سبيلمان تزود سيرتين وحده بالسلاح. فقد واجه في ساحة المعركة أعداء يحملون نفس الأسلحة.
لم يكن هناك رقم تسلسلي أو علامة تدل على أنها من سبيلمان، لكن من الواضح أنها نفس الأسلحة.
لم يتمكنوا بعد من القبض على أي دليل، كانوا فقط يتعقبون أثرها.
“ربما…”
“نعم، سموّك.”
“يجب ألا يتكرر ما حدث من قبل. أرسلوا رجالًا إلى الشركات المتعاقدة مع سبيلمان. ماركيز ريموند، ستساعدهم في ذلك.”
“يمكنني ذلك، سموّك.”
قال الماركيز ريموند بحماسة.
في الأوقات الحرجة، فإن شخصية القائد الذي لا يتزعزع تمثل مصدر إلهام لمن يتبعونه.
وسيرتين بشخصيته تلك جعل قلب ريموند العجوز ينبض بالحماسة.
حتى عندما تم اتهامه زورًا بجريمة قتل بعدما وقع في فخ دوق سبيلمان، لم يتردد سيرتين لحظة.
بدأ يفكر الماركيز ريموند بأن هذا الشاب ربما هو القبطان الذي يستطيع أن يضع مصير عائلته بين يديه.
وطبعًا، هذا التغيير في مشاعره ساهمت فيه هايزل أيضًا.
“سموّ ولي العهد هو من سيرتقي بـليكسيا. لن يضحي بنفسه بدافع عاطفة فارغة. و أما سموّ ولية العهد…”
“هل هناك مشكلة؟”
“أبدًا؟ كل يوم معها مليء بالمفاجآت. سموّ الأميرة ستكون إلى جانب سموّ ولي العهد أينما ذهب. كلاهما ينظر في نفس الاتجاه. أتوق لرؤية إلى أي مدى ستصل ليكسيا بفضلهما. لا وجود لزهرة حمراء تزهر لألف عام، يا أبي. لكن إن استمر حكمهما طويلًا، فقد تظل ليكسيا مزدهرة لألف عام أخرى.”
كانت طفلة حساسة و ذكية. وحتى خلال الفترة القصيرة التي قضتها مع الأميرة، وصلت هايزل إلى هذا الاستنتاج.
قرر الماركيز ريموند أن يراهن بمصيره على سيرتين.
“ربما أتمكن من تأمين موطئ قدم داخل سبيلمان. لقد أمسكت بخيط لا بأس به.”
“كونكَ واثقًا بهذه الطريقة يبعث الطمأنينة. مورتيغا، أرسل رجالك لمساعدة الماركيز رايموند.”
“نعم، سموّك.”
كان هناك عملاء مدربون خصيصًا لمثل هذه المهام. وسينفذون مهامهم على أكمل وجه.
“وهناك أمر آخر. من الداخل نبحث عن الأدلة، ومن الخارج نمنع الفساد. لا يجب أن تتجاوز المياه العكرة جدار القلعة. خذ ختمي و اذهب إلى وزارة العدل.”
أظهرت عينا سيرتين برودة قاتلة.
“حرّك القضاة الكبار. تواصل فقط مع من لا يقع تحت تأثير دوق سبيلمان أو دوق روجر. هل تفهم ما أريده؟”
“سأقوم بتشديد التفتيش على السفن العابرة والحدود.”
“حتى نملة واحدة لا يجب أن تمر.”
“نعم، سموّك!”
وهكذا تم إنشاء خط الدفاع الأول. تخيل سيرتين مستقبله.
لا مفر من أن يجد نفسه في ساحة المعركة. وفي العاصمة الإمبراطورية، التي تُعد بدورها ساحة قتال، لن يبقى سوى إيفلين. لمجرد التفكير بذلك، شعر بدوار.
بينما كان يحتضن إيفلين و يـغفو بجانبها، كانت تخطر له هذه الفكرة دائما.
ليته يستطيع حمايتها من كل ألم وخوف ومعاناة في هذا العالم.
كان يريد بناء جدار عالٍ لا يستطيع شيء تجاوزه، ليجعلها ترى فقط ما هو جميل، وتفكر فقط في كل ما هو سعيد. بين ذراعيه.
‘….كيف يمكن أن أكون بهذا العجز.’
ابتسم سيرتين بسخرية.
****
في تلك اللحظة، كانت إيفلين تتحدث عن أمر مشابه مع جوليا و هايزل.
ربما لأنهم كانوا يراقبون صناعات سبيلمان العسكرية عن كثب، استطاعوا سماع الأخبار التي تفيد بأنهم يتصرفون بشكل مريب.
“إنتاجهم الكبير للأسلحة يعني أنهم يستعدون للحرب، سمو الأميرة.”
تمتمت هايزل بوجه شاحب.
“وهذا يعني أيضًا أن الإمبراطور قد منحهم الموافقة بالفعل.”
“دون أي نقاش؟”
“الأمر ممكن. فالدوق سبيلمان كان دائمًا يحصل على ما يريد من خلال اجتماعاته الخاصة مع الإمبراطور. حتى و إن كانت مكانة مجلس النبلاء قد ازدادت، فإن ليكسيا لا تزال مملكة يحكمها ملك.”
قالت جوليا بصوت ممتزج بتنهد.
الحرب، إذًا.
كان أمرًا يدعو للضحك المر. ذُكر في الرواية الأصلية أن الحرب كانت تحدث باستمرار، لكنها لم تتوقع أن يكون الأمر بهذا الشكل.
حرب تندلع من أجل رغبة شخص ما.
مرت أمام عينيها صور و مقاطع فيديو رأتها في الماضي. أناس لا تعرفهم يفقدون أطرافهم، يعانون من صدمة نفسية، ويموتون.
تذكرت وجه طفل غارق في الدموع. وتذكرت أيضًا الأطفال الذين كانوا يلتقطون فوارغ الرصاص في مداخل القرى التي دمرتها الحرب.
وعلى تلك الصور، تراكمت وجوه الأشخاص الذين تعرفهم.
جوليا ، لـيا ، رودريك ، هايزل ، الجدة الكبرى… ثم… سيرتين الخاص بها.
شعرت بانهيار في صدرها.
“ألا يمكننا إيقاف ذلك؟”
“إشعال الحرب سهل، لكن إيقافها صعب. الفتيل اشتعل بالفعل.”
ابتلعت ريقها. حلقها بدأ يؤلمها كأن أحدًا يخنقها.
إذا لم يكن بالإمكان جمع الماء المسكوب، فقد حان الوقت للتفكير في شيء آخر. لم تستطع أن تسمح لسيرتين بالسير وحده في هذا الطريق الشائك.
لم تكن تملك أي قوة خارقة. ليتها كانت ساحرة تستطيع على الأقل إطلاق كرة نارية. و مع ذلك، لا بد أن هناك شيئًا يمكنها فعله من أجله.
“…يبدو أن هناك سببًا لبقاء لوكاس صامتًا حتى الآن. كيف يسير التقدم في البحث عن نقطة ضعف لوكاس؟”
“أعتقد أننا قد نتمكن من الوصول إليها قريبًا. لوكاس أيضًا من دعاة السلام . هو يعارض الحرب.”
“جيد. جوليا ، علينا أن نكسب لوكاس بأي طريقة. و أريدكِ أن تلتقي سرا بالكونت بنتلي.”
كانت تريد أن تجعل سيرتين يثق بديميتور تمامًا. وإذا لم يكن لدى دوق روجر أي رهائن، فربما على الأقل سيكون بإمكانه أن يثق بذلك.
إذا لم تستطع أن تكون بجانب سيرتين، فعلى الأقل كانت تريد أن تضع إلى جانبه صديقًا يستطيع أن يستند عليه.
“أعتقد أنني أستطيع المساعدة في هذا، سمو الأميرة.”
قالت هايزل بعينين متألقتين.
“تصادف… أن الفيكونت بنتلي بحاجة إلى المال. زوجته تبدو مريضة جدًا. و هناك شائعات في الوسط المالي أن الدوق سبيلمان لن يمنحه المال إلا إذا تخلى عن ابنته. يمكننا رمي طُعم للكونت بنتلي.”
“عندما يكون الإنسان في حاجة ماسة، فإنه يعض أي طُعم يُلقى إليه. حسنًا، هايزل.”
شعرت وكأنها كسبت جيشًا بأكمله. و كأن نسيمًا يحمل الطمأنينة أتى إليها في اللحظة التي كانت تنتظرها.
لا تقلقي كثيرًا، إيفلين. هو لن يموت.
التعليقات لهذا الفصل "106"