في ذلك الوقت.
كان دوق سبيلمان يحدّق في أتباعه بنظرة باردة.
كانوا أولئك الذين يخلصون لعائلة سبيلمان، و يخلصون لأمواله.
جميعهم كانوا بوجوه شاحبة يكسوها طيف الهزيمة.
لم يكن فقدان السيد الشاب من عائلة سبيلمان كافيًا، فقد تلقى الدوق الهزيمة الكاملة.
كانت ضربة مرتدة من ولي العهد و ولية العهد.
لم يجرؤ أحد على الكلام بتهور تحت مراقبة دوق سبيلمان.
كانت حادثة ذلك اليوم من المحرمات التي لم يُتحدث عنها، كما أن استدعاء الدوق لهم بهذه الطريقة كان حدثًا نادرًا.
كان الدوق روجر جالسًا في المقعد الأعلى مكانة.
“لا يوجد قانون يقول ان الهزيمة لمرة واحدة تعني الهزيمة إلى الأبد. أليس كذلك، الدوق روجر؟”
“إن تمكنّا من النهوض بعد تلك الهزيمة و تحقيق النصر، فذلك صحيح.”
“قبل أن نناقش ما سيأتي لاحقًا، أريد تأكيد أمر واحد. هل كانت الدوقة حقًا لا تعلم أن إيفلين في كامل وعيها؟”
كان صوته باردًا كالصقيع.
لكن ديميتور لم يكن أقل حدة.
فهو الآخر بطل عاد منتصرًا من ساحات الحرب.
رجل نجا من ساحات القتال حيث كانت البنادق والسيوف و الدماء تتطاير، كان يملك حضورًا عنيفًا.
قال ديميتور بصوت بارد
“لا أظن أنني في موقعٍ ليتم لومي من شخص لم يتمكن حتى من تمييز حالة ابنته. بل أنا من لديه سؤال. هل حقًا لم تكن تعلم؟ أم كنتَ تفكر بشيء آخر؟ سمعت أنكَ التقيت بولية العهد أكثر من مرة. أنا و جوليا مجرد غرباء، أما أنت فلا.”
صمت دوق سبيلمان للحظة عند سماعه كلام ديميتور.
هل كان يجهل ذلك؟ لقد راوده الشك. بل تحقق أيضًا.
ومع ذلك، ظلّ في داخله شيء من الريبة، و تغاضى عنه.
وربما، من ناحية أخرى، كان يعتقد بإيمان راسخ أن إيفلين لن تخونه أبدًا.
ولم يكن ذلك نابعًا من ثقة حمقـاء.
بل كان يثق في مشاعر الخوف التي زرعها داخل إيفلين.
كان يثق في ارتجافها منه وعجزها حتى عن النظر في عينيه.
ولكن، كما قال ديميتور، كان الدوق أيضًا مخدوعًا.
ابتسم دوق سبيلمان ابتسامة خفيفة.
“ليس لدي ما أقوله. نعم، لم أكن أعلم. لم أتوقع أبدًا أن تحمل تلك الفتاة نوايا خبيثة. يبدو أنها تشبهني بعض الشيء، ذكية و ماهرة. و تعرف كيف تُخفي نفسها.”
“لا ينبغي أن يتكرر شيء كهذا. لو تصرفت جوليا تصرفًا خاطئًا و لو قليلًا ، لفقد أطفالي والدتهم.”
“…سآخذ ذلك بعين الاعتبار.”
“وماذا تنوي أن تفعل الآن؟ كنت تقول انكَ ستطيح بولي العهد، لكنكَ كشفت عن نقطة ضعفك بدلًا من ذلك. لقد وعدتني بالأمان و الهدوء. بهذه الطريقة، لن يتم أي من زيجات الأطفال أيضًا.”
بل إن ديميتور هو من كان يضغط على دوق سبيلمان الآن.
ضحك الدوق ببرود.
“لا داعي للقلق. لا يمكنني التراجع لمجرد هذا الأمر التافه. قريبًا…”
أسقط دوق سبيلمان آخر جملة عمداً ليزيد من حدة التوتر.
ثم جال بنظره ببطء على أتباعه.
“ستندلع الحرب.”
عند تصريحه بذلك، عمّ القلق أرجاء القاعة. ارتسم التوتر على وجوه الحاضرين.
كانوا جميعًا ممّن يرتبطون بعقود تصنيع السلاح مع شركة سبيلمان، أو من المستثمرين فيها.
كانوا على متن نفس السفينة سياسيًا وتجاريًا.
فالحرب تعني أرباحًا ضخمة لصناعة السلاح.
“وكيف يمكنك أن تجزم بذلك؟”
كان ديميتور هو الوحيد الذي لم يتمكن من الضحك.
قطّب جبينه
‘أشخاص مقززون.’
لا يعرفون بشاعة الحرب.
لا يعرفون ثمن الأرواح التي سقطت هناك.
لا يعرفون كم مات أولئك الناس ظلمًا.
لا يعرفون حزن من بقي وحيدًا من بعدهم.
لأنهم لم يكونوا أبدًا في ذلك المكان! و لـهذا يجرؤون على كسب المال من الحرب.
كان يكاد يتقيأ كل ما في صدره من قرف.
لكنه أجبر نفسه على كتم كل ذلك.
“لا تبدو سعيدًا. ومع ذلك، أعلم أنكَ استثمرت مبلغًا كبيرًا في شركتنا مؤخرًا.”
“ذلك شيء، و الحرب شيء آخر. لقد قضيتُ وقتًا طويلًا في ساحات المعارك.”
“آه.”
ضيّق دوق سبيلمان عينيه و ابتسم.
“وكيف تضمن اندلاع الحرب؟”
“لأني لم أُجربها بنفسي.”
قال دوق سبيلمان بنعومة
“الدول الصغيرة التي لا تملك شيئًا، يسهل إشعالها ببعض التحريض. تمامًا كإغاظة طفل ليبكي. لا تقلقوا.”
“سنربح مالًا طائلًا! شكرًا لك يا دوق!”
“إذًا، من الطبيعي أن يذهب ولي العهد بنفسه! أليس من الواجب أن يخرج بطل الحرب رغم أن الإمبراطور ما زال في صحة جيدة؟”
التقت عينا دوق سبيلمان بعيني ديميتور.
“الكثيرون يموتون في ساحة الحرب.”
“…”
“حتى الآن، كان من العجيب أن ولي العهد قد عاد حيًا. هذا ما أعتقده.”
قبض ديميتور على يده فوق فخذه بقوة.
السبب وراء صمت دوق سبيلمان و تراجعه في الأيام الأخيرة كان هذا المخطط القذر.
تنازل عن رئاسة مجلس النبلاء، و وافق على إصلاح وزارة الخارجية.
تصرّف كما لو أنه يتنازل عن كل شيء، أو كأن هزيمته أمام إيفلين قد قسمت ظهره – لكن كل ذلك كان تمثيلًا.
سرت قشعريرة باردة في عموده الفقري.
كان ينوي دفع سيرتين مجددًا إلى ساحة الحرب!
كان دوق سبيلمان على استعداد للتضحية بأرواح الآخرين كأنها حشرات ، فقط ليحقق أهدافه. ومن بين أولئك الآخرين… كان ديميتور أيضًا أحدهم.
“الدوق روجر، الصديق المقرب والموثوق، سيكون بجانب سمو ولي العهد، فلا بد أنه يشعر بالكثير من الطمأنينة.”
“…….”
“آه، لا تقلق. سأعتني جيدًا بسمو الأميرة، و بالدوقة روجر، و بأطفالك أيضًا . هممم، يجب أن أُسرع في إقامة الزواج. لكي أحصل على ذريعة لحمايتهم، على الأقل.”
“الحرب كارثة لا يجب أن تقع. سيموت الكثير من الناس.”
“هل هذا… مهم؟”
هز دوق سبيلمان رأسه كأنه لا يفهم.
“الناس يولدون و يموتون بطبيعتهم. إنهم فقط يموتون. لأنهم لم يستطيعوا حماية أنفسهم. لا تضيّع مشاعركَ على أمر تافه كهذا. المهم هو الإنجاز العظيم الذي سنحققه.”
أغلق ديميتور فمه بإحكام.
لم يكن شخصًا يمكن إقناعه. كان وحشًا لا يمتّ بصلة للمنطق البشري منذ البداية.
وأخيرًا، بدا أن ديميتور فهم سبب إمساك دوق سبيلمان بيده. كان يفكر في هذه اللحظة منذ البداية.
لدفع ديميتور إلى ساحة الحرب، و قتل سيرتين هناك.
“لن تستطيع إيقاف الحرب.”
قال دوق سبيلمان كأنه يقرأ ما في داخل ديميتور.
“لقد اشتعل الفتيل بالفعل. و سرعان ما ستصل ألسنة اللهب إلى العاصمة، و سيتم استدعاء الجيش.”
“هاه.”
لقد غطى دوق سبيلمان عيني ديميتور أيضًا. كان يعتقد أنه كان يراقب دوق سبيلمان عن كثب، لكن يبدو أن الأمر لم يكن كذلك. المخدوع كان ديميتور.
“لا داعي لأن تشعر بهذا القدر من التأثر. نحن في النهاية في قارب واحد، أليس كذلك؟ لذا فهذا أمر جيد. أليس كذلك؟”
كان سيرتين يرى ما هو أمامه، لكن دوق سبيلمان كان يرى أيضًا أبعد من ذلك. بدا أن رائحة البارود والدماء تلامس أنفه.
كان المتحمسون يتحدثون عن الأرباح التي سيجنونها من الحرب.
هؤلاء جميعهم… كانوا وحوشًا.
****
في ذلك الوقت.
كان سيرتين يلتقي أيضًا بالماركيز ريموند.
وكان ذلك بسبب أمر ذكره الماركيز ريموند عرضًا في الماضي.
مسح الماركيز ريموند العرق البارد المتشكل على جبينه. بدا وجهه الشاحب متوترًا.
“تحدث.”
“تشير الشائعات إلى أن الحرب ستندلع قريبًا، ويبدو أنها صحيحة.”
ابتسم سيرتين بسخرية باردة.
“صحيحة ، هاه؟”
“نعم. يقال إن سكان منطقة أيتيس الجنوبية بدأوا بالاستعداد للإخلاء. و هناك شائعات كثيرة أن مملكة بايرود التي تقع على الحدود مع منطقة أيتيس تقوم بحشد جيشها.”
مملكة بايرود ، مملكة تعيش على أساس محاصيلها الوفيرة.
أسلافهم كانوا صيادي حيوانات يقومون بالصيد الجائر، و أسس هؤلاء الصيادون المملكة و هم يوجهون رماحهم نحو الناس. شعب عدواني و ذو طبع متسرع.
أشار سيرتين إلى مورتيغا.
“هل حدث شيء في مملكة بايرود؟”
بدأ مورتيغا يفتش بسرعة في المعلومات التي يعرفها. واختار منها ما قد يكون له علاقة بالحرب.
“الأميرة ماتت.”
“و ما علاقة ذلك بالحرب؟”
“كان يتم التحضير لزواج ملكي. سمعت أن إحدى الدول كانت تطالب بالأميرة.”
عقد مورتيغا حاجبيه دون أن يشعر.
وفي تلك اللحظة، تذكر دوق سبيلمان الذي يسيطر على وزارة الخارجية.
وخطرت على باله فرضية مرعبة.
التعليقات لهذا الفصل "105"