في اليوم التالي.
توجهت روزالينا إلى قصر ولي العهد و وجهها متورد بشدة.
كانت عيناها محتقنتين بالدم و كأنها لم تنم لحظة، وكانت شفتاها متشققتين تماماً.
وفوق ذلك، لا يُعلم ما الذي حدث، إذ كانت هناك كدمة خضراء على خدها، و كانت حالتها البائسة لا يمكن إخفاؤها حتى بالمكياج.
“السيد مورتيغا!”
نادته روزالينا بانفعال. مظهرها الهادئ والأنيق الذي كانت تظهر به أمامه في السابق قد اختفى منذ زمن.
حدق بها مورتيغا بوجه خالٍ من التعبير.
ترددت روزالينا قليلاً. عيناه الباردتان كانت تشبهان نظرات سيده.
بعد أن كشفت إيفلين عن نفسها، أكثر من تغير كان مورتيغا.
كان يحاول التكفير عن كل أخطائه الماضية ليولد من جديد كإنسان جديد.
كانت روزالينا في الماضي شخصًا يكنّ له مورتيغا الإعجاب، ولكن لم تعد كذلك الآن.
كانت روزالينا شخصًا خطيرًا يهدد أكثر من أي أحد صورة ولي العهدة المثالية.
مورتيغا لم ينسَ أن روزالينا قد آذت إيفلين سابقًا. حتى لو دفن ذلك في ذاكرته، هل يعني هذا أن الأمر لم يحدث؟
مهما كان الإنسان خبيثًا، فلا مفر من طبيعته. هذه هي حقيقة البشر.
“مر وقت طويل، الآنسة روزالينا. ما سبب مجيئكِ إلى هنا اليوم؟”
“السيد مورتيغا. يجب أن تساعدني.”
قالت روزالينا بصوت مرتجف.
كانت على وشك الانهيار بحيث لم تتمكن من ملاحظة أو الرد على التغيرات الطفيفة في تصرفاته.
تسربت الدموع من عينيها المحمرتين.
‘لا يمكن أن يكون هذا! كيف لِسيرتين أن يفعل بي هذا…!’
الكونت باستر؟! قاومت بشدة ورفضت الزواج منه حتى ضربها والدها.
لم تتخيل روزالينا طوال حياتها أن تُعامل بهذه الطريقة.
تشققت حياتها المثالية، و بدأ هذا التصدع من اللحظة التي التقت فيها بإيفلين.
“…أعتقد أن ولي العهد يسيء فهمي بشدة. لقد تم تلفيق تهمة إلي! لم أفعل شيئًا… أنا متأكدة من أن صاحبة السمو تغار مني. ما ذنبي؟ فقط لأنني بدوت مقربة من ولي العهد ، يحاولون تزويجي لرجل غريب.”
بدأت روزالينا تتكلم بغير ترابط وتذرف الدموع. لم تستطع أن تفهم ما يجري.
لماذا سيفعل بها سيرتين هذا؟ ألم تكن مميزة بالنسبة له؟ كل هذا بسبب تلك الفتاة الماكرة التي همست له بأشياء غريبة.
“لقد تجرأت على الكلام بفم قذر. وأكيد أنها ألقت بجسدها عليه…”
“الآنسة روزالينا.”
ناداها مورتيغا ببرود.
“التزمي حدودكِ. يبدو أنكِ نسيتِ من هي الشخص التي تتحدثين عنها الآن.”
“…!”
ارتبكت روزالينا و هزت رأسها.
“لو أستطيع فقط لقاء ولي العهد مرة واحدة، يمكنني أن أشرح كل شيء. سأزيل كل هذا سوء الفهم…”
“لا يمكن مقابلة ولي العهد من دون موعد. هل تعتقدين أنكِ الوحيدة التي تنتظر مقابلته؟ هناك من ينتظرون منذ شهر كامل.”
أبعد مورتيغا يد روزالينا عنه.
“السيد مورتيغا!”
تمسكت به بإلحاح من جديد.
“ل… لقد كنا مقربين. أنا روزالينا!”
لكن عينيه كانتا تظهرات برودًا شديدًا.
“أرجوك، فقط أخبر ولي العهد عني مرة واحدة! أنا متأكدة أنه سيقابلني!”
“الشخص الوحيد الذي يمكنه مقابلته دون موعد هم أفراد العائلة المالكة، وعلى رأسهم صاحبة السمو. أما أنتِ، فلا تملكين أي مؤهل لذلك.”
“مورتيغا!”
صرخت روزالينا بصوت حاد.
وامتلأت عيناها الدامعتان بالحقد والغضب. أظهرت كل ما في داخلها.
في تلك اللحظة.
“السيد مورتيغا.”
صوت ناعم كنسيم الربيع. شخص يبدو كما لو أنه أشعة شمس دافئة لا يخفي نفسه بل هو كذلك بطبيعته، ناداه.
استدار مورتيغا و انحنى سريعًا باحترام.
أظهر خضوعًا أكبر لإيفلين و كأنه يغسل ذنوبه الماضية.
ابتسمت إيفلين بلطف و هي تنظر إليه.
كانت تظهر تقبلاً واسعًا يغطي على الماضي.
“هل يمكنني مقابلة سيرتين؟ أتمنى ألا يكون مشغولًا الآن. لدي أمر أريد مناقشته.”
“تفضلي بالدخول. لا يوجد شيء في هذا القصر يمكن أن يقف حائلاً في طريق صاحبة السمو.”
أجاب مورتيغا بإخلاص.
كانت روزالينا تراقب كل هذا المشهد. ثم صرخت.
“آاااااه!”
اندفعت نحو إيفلين.
لم يوقفها أحد، و كان مشهد إيفلين وهي تُستقبل دون مانع كافياً ليشعل غضب روزالينا.
انفجرت أخيرًا بعد أن وصلت إلى حافّة حدودها.
“أنتِ السبب! كل هذا بسببكِ! كيف لفتاة مثلكِ أن تجرؤ على الوقوف بجانب سيرتين…! لو أنكِ لم تكوني موجودة!”
لم يكن لدى إيفلين الوقت حتى لتعقد حاجبيها.
فقد وقفت أمامها جوليا و هايزل، وأمسك مورتيغا بروزالينا.
تلوّت روزالينا بجسدها بعدما قُيدت ذراعاها.
“…السيد مورتيغا.”
“نعم، صاحبة السمو.”
“ألا تعتقد أن بوابة قصر ولي العهد منخفضة للغاية؟ هل فُتحت للجميع لكي يتمكنوا من العبور؟”
“سأقوم بتصحيح الوضع فورًا.”
“يبدو أنه من الضروري تعليم بعض الناس أن هذا القصر لا يمكن تجاوزه بسهولة. الآنسة روزالينا. قبل الزواج، عليكِ تنظيف جسدك و تدريب روحك. سأرسل إليكِ معلمة آداب مشهورة إلى منزلك. لا يجب أن تسيئي إلى سمعة مملكة يوريس أو إلى عائلة ليكسيا و الكونت كارما.”
قالت إيفلين وكأنها تُحسن إليها. ثم أشارت بإصبعها بخفة.
“تأكد من أنها لا تُحدث أي فوضى أخرى، السيد مورتيغا.”
“نعم، صاحبة السمو.”
أومأ مورتيغا برأسه. كان تصرفه يوحي وكأنه أصبح الآن مساعد إيفلين، لا سيرتين.
حتى عندما كانت روزالينا تصرخ بوجه غارق في الدموع، لم تلتفت إليها إيفلين. وكأنها لم تعد تستحق حتى الالتفات إليها
تصرف مورتيغا وفقًا لأوامر إيفلين و سحب روزالينا للخارج. وبينما كانت تُسحب، تجاهلها الجميع من أولئك الذين كانوا ينتظرون مقابلة سيرتين.
كان أمرًا طبيعيًا. فقد رأوا جميعًا من هو المتحكم الحقيقي في هذا القصر.
وفوق كل شيء، كانت أوامر إيفلين واضحة: “لا تسمحوا لأي أحد بتجاوز العتبة.” لم يرغب أحد في أن يُنظر إليه على أنه “أي أحد” مثل روزالينا.
انهارت روزالينا جالسة أمام بوابة القصر و انفجرت بالبكاء.
وقف حراس قصر ولي العهد حاجزًا أمامها. لم تعد قادرة على دخول القصر بعد الآن.
“السيد مورتيغا!!”
استدار مورتيغا عنها وتنهد بعمق.
في الماضي، كان سيرتين يترك أمر التعامل مع روزالينا بالكامل له. و ها هو يشعر بالقشعريرة على ذراعه.
كان سيرتين يختبر روزالينا أيضًا. ينتظر اللحظة التي تُظهر فيها حقيقتها.
وربما كان يُظهر لمورتيغا أيضًا: إذا لم تُدرك الوضع جيدًا، سينتهي بك الحال مثل روزالينا.
هز مورتيغا رأسه.
“يا له من شخص لا يرحم.”
إلى أي مدى كان سيرتين يُخطط ويرى المستقبل؟
ما زال أمامه طريق طويل للحاق بسيرتين.
أسرع مورتيغا في خطواته. لم يكن هناك وقت ليُضيع.
*****
في مساء ذلك اليوم.
كانت روزالينا تحدق في السيدة العجوز التي جاءت لزيارتها. كانت المرأة تحمل عصًا صلبة في يدها.
“جئت بأمر من صاحبة السمو. سمعت أن هناك آنسة تحتاج إلى تدريب نفسي. بما أن موعد زواجكِ من الكونت باستر قد تحدد، طُلب مني أن أتولى تدريبكِ حتى ذلك الحين.”
ذرفت روزالينا دموعها وهي تحدق في الفراغ.
“…لا حاجة لذلك.”
“تسك، لا يوجد لديكِ ذرة من الأدب حقًا. أيتها الكونتيسة، كيف ربّيتِ هذه الفتاة؟ على هذا الحال… آه، علي أن أبذل قصارى جهدي لأتمكن من الوقوف أمام صاحبة السمو . استمعي جيدًا، الآنسة روزالينا. أنا لست من أولئك الذين يُدللون. خصوصًا في مثل هذا الوضع العاجل.”
أغلقت روزالينا عينيها بإحكام.
لقد كانت هزيمة كاملة.
التعليقات لهذا الفصل "104"