التي دخلت إلى الداخل كانت فيرونيكا. عبست فيرونيكا واقتربت مني.
“هل أنتِ بخير، إيفلين؟ هل جننت؟ تنحى جانبًا؟”
قالت فيرونيكا بحدة. تراجع الرجل خطوة إلى الوراء بوجه متجهم.
في تلك اللحظة، شعرت بأن التوتر الذي كان يملأ جسدي قد تبخر كليًا. حينها فقط عاد إليّ رشدي.
نعم، لست وحدي هنا. مهما رغبت في الراحة والبقاء وحيدة، فأنا أعلم تمامًا حالتي الآن.
دوق سبيلمان يستهدفني، فكيف لي أن أبقى وحدي و أنا أعلم ما قد يصيبني؟ كانت خادمتان تقفان أمام الباب للحراسة. كنّ موجودات لحمايتي بينما ترافقني هايزل عني.
قلت وأنا أحدق في الرجل
“لابد أن هناك خادمات كنّ يحرسن الباب.”
“أتعتقدين أن مثل هؤلاء العاهرات يمكنهن إيقافي؟ مستحيل. إزاحتهن لم تكن بالأمر الصعب.”
قال الرجل وهو يبتسم ابتسامة ملتوية. لم تبدُ عيناه طبيعية. عضضت شفتي بقوة.
اقتربت فيرونيكا مني، ثم وقفت أمامي لتحميني.
“ما تقوله يوحي بأنكَ ألحقت الأذى بأولئك اللواتي ينفذن أوامري. أتراني أضحوكة؟”
“أنتِ من طلب المجيء، فلماذا تتظاهرين الآن؟”
“… أنا طلبتِ منكَ المجيء؟”
“نعم!”
قال الرجل و هو يتلعثم ، و أخرج مظروفًا من ثيابه ليعرض ما بداخله عليّ. كان يتمايل بشكل مقلق.
“طلب البحث عن رجل…؟”
“أرأيتِ! مكتوب هنا! هذا طلب للبحث عن رجل، لذا يمكن لأي شخص أن يأتي! انظري، هنا! هذا ختم وليّة العهد!”
ضحك الرجل ضحكة عالية. كأنه مهرج. كان الختم يشبه ختمي، لكنه ليس هو. من الواضح أن أحدهم قام بتزويره.
“والآن تتظاهرين بالطهارة والبراءة! يقولون جميعًا أنك كنتِ على علاقة مع رجل منذ زمن. وما الفرق؟ حتى لو كنتِ وليّة العهد، في السرير الكل سواء، الكل متشابه!”
“أتمنى أن تكون على دراية بالشخص الذي تهينه. سأجعلكَ تندم على تلك الكلمات.”
قلت ببرود.
تجمد عقلي. شخص ما استخدم ختمي و خانني. إلى أين وصلت تلك الرسالة؟ من استلمها أيضًا؟
مَن مِـن أولئك بالخارج ينظر إليّ الآن بتلك النظرات القذرة؟ شعرت بالقشعريرة في جسدي كله.
ارتديت حذائي و أنا أتشبث بدرابزين الشرفة. ثم دفعت الرجل بكتفي و خرجت إلى الشرفة.
سمعت صراخه العالي من الخلف، لكنني تجاهلته. وعندما هممت بإصدار أمر بالقبض عليه وأنا قابضة على يدي بقوة—
“سمعت أن هناك مشكلة.”
كان ذلك سيرتين. كانت الخادمات اللواتي التي تعامل معهن سابقًا واقفات خلفه.
أخفضت الخادمات رؤوسهن وكنّ على وشك البكاء. لم يكن باستطاعتهن التعامل مع ذلك الرجل بمفردهن، لذا ذهبن لإحضار سيرتين. كان ذلك القرار صائبًا.
فأنا الآن بحاجة إلى سيرتين أكثر من أي شخص.
“سيرتين.”
اقتربت منه وقبضت على طرف ثوبي. رأيت أصابعي قد شحب لونها. اختفت نظرات الناس من خلفه.
لا أعلم من من بينهم استلم تلك الرسالة. ولا أعلم أي أحمق قد انخدع بها.
“يجب التخلص من الرجل الذي هناك بهدوء.”
“ارفعي رأسك.”
ربّت سيرتين على ظاهر يدي. بصوته الهادئ، تلاشت أصوات الآخرين من حولي. واختفت كذلك النظرات.
رفعت رأسي بتوجيه من يده، والتقت عيناي بعيني سيرتين. نظر إليّ بنعومة.
“ابتسمي، إيفلين. لقد قررتِ أن تنظري إلي فقط، و تسمعي صوتي أنا فقط، أليس كذلك؟”
“… كنتَ تعلم؟”
“رغم أنهم فتشوا الخارج، يبدو أن هناك حشرة مجنونة تسللت.”
“هل تعلم أيضًا بشأن الرسالة التي انتشرت؟”
“تم إبلاغي بها فجر اليوم. تلقيناها من وكر للمخدرات. لم أرد أن تعرفي بأمر مقزز كهذا، آسف.”
“سيرتين.”
ارتجف كتفي.
“أنا آسف لأنكِ اضطررتِ لعيش ذلك.”
ضمّني سيرتين إليه. دخل أتباعه إلى الشرفة من ورائه. سمعت ضوضاء خفيفة من الداخل.
شدّني سيرتين أكثر إلى أحضانه. كأنه يريد أن يحميني من هذا العالم.
بين ذراعيه، عدت لأشعر بالأمان. لم يعد شر الناس يصل إليّ. و تحدثت بصوت هادئ ودقيق.
“… أظنني أعلم من فعل ذلك. هناك شخص واحد فقط يمكنه تزوير ختمي.”
روزالينا كانت تكتب الرسائل بدلًا مني أحيانًا. فقد كانت وصيفتي الوحيدة في ذلك الوقت.
وكان بإمكانها الوصول إلى ختمي، لذا قامت بنسخه. لم أكن لأتخيل أنها ستلجأ إلى حيلة قذرة و وضيعة كهذه. التقت عيناي بعيني سيرتين.
“تنظرين بتلك النظرة التي تدل على أنكِ تفكرين بشيء ما مجددًا.”
ابتسمت ابتسامة خفيفة. لم أكن أنوي أن أكون الضحية فقط.
رأيت روزالينا من خلفه. كانت عيناها تلتقيان بعيني، و وجهها كان يبدو باردًا. تم سحب الرجل المثير للضجة خارجًا.
حتى بينما كانت العمة العظيمة تنظّم قاعة الحفل، لم تتهرب روزالينا من نظرتي. كأنها تقول ان الأمر لم ينتهِ بعد. لقد نسيتكِ طويلًا، أليس كذلك؟
*****
بعد أن تم ترتيب كل الأوضاع، توجهت مع فيرونيكا وحدنا إلى غرفة الراحة.
على عكس ما كان عليه الأمر من قبل، كانت هايزل و الخادمات اللواتي هرعن مذعورات يحرُسن الباب من الخارج.
تبادلن النظرات الحذرة، و كانت فيرونيكا هي من بدأت بالكلام أولًا.
“… أنا آسفة.”
كان صوتها خافتًا و مليئًا بالضعف. لم تستطع حتى النظر إلى وجهي وأدارت رأسها جانبًا.
تابعت فيرونيكا كلامها بنبرة تهكمية.
“كان ذلك مجرد شعور بالنقص. لقد عشت طوال حياتي مختبئة خلف أخي. و أفهم أنه قد سئم مني. كنت أظن أنني لا أستطيع فعل شيء لأنني ضعيفة و عـاجزة. وكنت أعتبر أنه من الطبيعي أن يكون أخي القوي هو من يحميني و يحمي والدتي.”
اخترت أن أستمع إلى حديث فيرونيكا.
في الحقيقة، لم أكره فيرونيكا يومًا.
فهي كانت الشخص الذي قبلني دون تحامل حتى وأنا من دم سبيلمان. لم تنظر إليّ قط بنظرة كراهية. كيف لي أن أكره فيرونيكا اللطيفة؟
“لكن لم يكن الأمر كذلك. حتى في تلك الظروف… رأيت إيفلين تكافح و هي تتظاهر بذلك التمثيل.”
احمرّت عينا فيرونيكا.
“تساءلت، ماذا لو كنت أنا في نفس الموقف؟ وأنا بهذا الشكل الآن. في كل مرة أنظر فيها إلى إيفلين، كنت أشعر بالازدراء تجاه نفسي. كرهت نفسي كثيرًا حتى لم أعد أتحمل. و كلما رأيت إيفلين، كنت أشعر أنني سأفقد صوابي… لهذا تصرفت بذلك الشكل المقيت.”
“يحق لكِ أن تكرهيني. لقد خدعتكِ بالفعل…”
عندما رأيت فيرونيكا بهذا الشكل ، شعرت بالحزن أيضًا.
فمن جعلها هكذا لم يكن أحدًا سوى دوق سبيلمان.
لقد كان دوق سبيلمان يضع قناع البالغ و يدمّر حياة العديد من الأطفال.
وكانت فيرونيكا واحدة من ضحاياه. الشخص المسمى تايلورد، لا شك أنه نقطة ضعفها. ومن المؤكد أنه على صلة بدوق سبيلمان.
“لأنني من نسل سبيلمان. يمكنني أن أتفهم تمامًا…”
هزّت فيرونيكا رأسها بعنف.
“إيفلين و سبيلمان مختلفان. لم أضعهما في نفس المرتبة أبدًا. لأن…. نظرة إيفلين كانت دائمًا صافية و نقية جدًا. فقط أنا من كنت حقيرة… هل يجب أن أتوقف عن الكلام؟”
نظرت إليّ فيرونيكا بنظرة خاطفة. كان طرف أنفها محمرًا. لا بد أنها كانت تعاني في داخلها لفترة طويلة.
كانت تتألم أكثر مما جعلتني أتألم. وعندما رأيت عينيها الشبهتين بعيني سيرتين و قد امتلأتا بالدموع، شعرت بألم في قلبي.
أكرر مجددًا، لم أستطع أبدًا أن أكره فيرونيكا. إنها تشبه سيرتين.
“هل… نكون أصدقاء؟”
العبارة التي لم أتمكن من قولها بشكل صحيح سابقًا، قلتها الآن.
“فير، إذًا نحن أصدقاء!”
أومأت فيرونيكا برأسها بقوة و هي تكاد تبكي. أمسكت بيدي مجددًا.
تلك كانت اللحظة التي أصبحنا فيها أصدقاء حقًا. على قدم المساواة، و بنفس النظرة.
التعليقات لهذا الفصل "102"