ارتفعت الستارة الفاخرة.
انشغل الناس بمراقبة النجوم الرئيسيين الحاضرين اليوم.
أول من وصل كانت الأميرة الملكية إليزابيث. أولئك الذين ظنوا أن النبل قد تلاشى من ملامحها بسبب سنواتٍ من رياح البحر، كان عليهم أن يشعروا بمرارة مرور الزمن.
“سمو الأميرة ما زالت كما كانت دائمًا.”
“كانت دومًا بمثابة وجه العائلة الإمبراطورية. والدتي الراحلة كانت تحترم سموها كثيرًا.”
“لقد رفعت من مكانة الإمبراطورية بصفتها أميرة ليكسيا. لولاها، هل كان بإمكان قافلة كورتيس أن تكبر بهذا الشكل؟ لقد نالت يوريس فضلًا من ليكسيا!”
كانت الأميرة إليزابيث رمزًا يوقظ الوطنية في القلوب.
بين بعض المتشددين، كان يُقال ان قافلة كورتيس تعود إلى ليكسيا.
ومهما كان ذلك الادعاء مبالغًا فيه، فالحقيقة أن إليزابيث كانت محبوبة على عدة أصعدة.
“يا إلهي، تلك الفتاة هي إينيس تشينشيس، أليست كذلك؟ أليست الوصيفة الجديدة التي جلبتها سمو الأميرة منذ عودتها؟ ينبغي أن تدرك كم هو شرفٌ لها أن تحظى بهذه المكانة.”
“سمعت أن السبب في أن الكونت تشينشيس أصبح الرئيس المؤقت هذه المرة هو أن سمو الأميرة رشحته. من المؤكد أن بصيرة الأميرة إليزابيث صائبة وجديرة بالثقة.”
“بالطبع. لولا ذلك، فكيف لنبيل من الحدود أن يصبح رئيسًا للمجلس؟”
وسط كل تلك الشائعات والتكهنات، سارت إليزابيث برقي. لقد اعتادت على هذه الشائعات طوال حياتها، فصارت الأمور مألوفة.
بل شعرت ببعض السرور. لقد مر وقت طويل منذ أن حضرت في المجتمع الراقي في ليكسيا.
نظرت إليزابيث إلى إينيس بطرف عينها. كانت الفتاة تستمتع بالأنظار الموجهة إليها بوجهٍ متورد.
‘في مثل هذا العمر من الطبيعي أن يغمرها شعور الغرور.’
لا زالت صغيرة و ساذجة، لكنها ذكية وسريعة الفهم.
حين سمعت أن إينيس اكتشفت سر إيفلين، شعرت ببعض المفاجأة. وإن تم توجيهها بشكل جيد، فقد تصبح فتاة نافعة.
“اذهبي و ألقي التحية على والديك، ثم يمكنكِ قضاء بعض الوقت مع أصدقائكِ.”
“لكن، سمو الأميرة…!”
قالت إينيس بوجهٍ متورّد مرتبك.
كان كسب قلوب هؤلاء الفتيات الصغيرات سهلاً. ابتسمت إليزابيث بمزيد من الحنان.
كل ما ترتديه إينيس اليوم كان من إعداد إليزابيث.
كانت سترغب في التباهي بنفسها أمام الآخرين وهي متزينة بشكل جميل ومكلف.
“لا بأس، إينيس. فقط عودي قبل أن يتأخر الوقت كثيرًا.”
“ش، شكراً جزيلاً، سمو الأميرة!”
انحنت إينيس ثم اندفعت بين الحضور، و تلاشت ابتسامة إليزابيث و هي تراقبها.
طالما أن إينيس في يد إليزابيث، فإن الكونت تشينشيس سيؤدي دوره كدمية لسيرتين بشكل جيد.
تأكدت من أن الفتاة تعانق والديها.
كلما ازداد وهمهم، كان ذلك أفضل. فإينيس ليست رهينة. بل إنها تحظى بمحبة كافية، وقد تتمكن من الحصول على مكانة مرموقة في المجتمع الراقي.
وإن تزوجت من عائلة جيدة، فقد تدخل إلى العاصمة.
كانت إليزابيث ماهرة و خبيرة. لذلك عرفت كيف تستغل أحلام الناس.
وبينما كانت ترى الأمور تسير كما خططت، استقبلت الحشود المتجمعة حولها.
“سمو الأميرة! لا أعلم إن كنتِ تذكرينني، لكني القيتُ التحية عليكِ منذ زمن طويل. كم هو مفرح رؤيتكِ تعودين سالمة وبصحة جيدة. و جدتي أيضًا…”
“بالطبع أذكرك. سمعت مؤخرًا أنكِ فقدت جدتكِ. إنه لأمر مؤسف، لكنها كانت نهاية طيبة كما سمعت. وإن زرتُ تلك المنطقة يومًا، سأبعث لكِ تحياتي هناك.”
“سمو الأميرة…!”
كانت معتادة على التعامل مع الناس. وبينما كانت إليزابيث تُظهر أناقتها، وصل البطلان الثانيان.
إيفلين و سيرتين.
توقف الجميع عن الضجيج للحظة. حتى أولئك الذين لم يتركوا اليزابيث ترتاح لحظة صمتوا.
تحولت كل الأنظار نحو إيفلين وسيرتين.
كانت فيرونيكا قد وصلت في وقت سابق وقضت الوقت مع معارفها، أما الإمبراطور و الإمبراطورة فأعلنا عدم حضورهما. لذا أصبحا آخر أفراد العائلة الإمبراطورية دخولًا.
نزلت إيفلين برفقة سيرتين بخفة على الدرج، ممسكة بيده.
“…إنها جميلة حقًا.”
“لقد كانت دومًا جميلة من الخارج… لكن، هل رأيت المقابلة اليوم؟”
“نعم! أليست تصرفاتها تلك تشوّه من سمعة الإمبراطورية؟”
“لابد أنها مجنونة. إن كان ذلك صحيحًا، فإن سمو ولي العهد هو من يستحق الشفقة.”
همس الناس بصوت خافت.
لم يكن هناك يوم ازدحم فيه الصالون كهذا اليوم.
جاء البعض ليظهر أمام إليزابيث أو سيرتين، والبعض الآخر ليبرز نفسه، و آخرون بحثًا عن زواج جيد.
كان على جميع صالونات العاصمة أن تستقبل الزبائن كما لو كانت مشتعلة.
وقد قرأ الجميع مقابلة روزالينا و تداولوها و استمتعوا بها.
ابتسمت روزالينا بخفة وهي تستمع لهمسات الناس.
كانت تخطط لتثبيت الشائعات التي أطلقتها اليوم. على طريقتها الراقية والمميزة.
****
شعرت بعطش.
كان الناس يلومونني بأعينهم.
رغم أن بعضهم بدت عليه الحيرة، فإن الأغلبية بدت وكأنها تصدق تلك المقابلة.
ولية العهد التي ظنوا أنها حمقاء كانت عاقلة، لكنها، أثناء تمثيلها، قابلت رجلًا آخر. يا له من موضوع شائق للثرثرة.
كان هناك جانب أفهم فيه تفكيرهم.
لا بد أنه أصبح متعة كبيرة في حياة المجتمع الممل.
حسب ما قالت هايزل، فإن أعداد بيع مجلات الفضائح ترتفع في الأيام التي تُنشر فيها مقالاتي.
مع ذلك، وجود سيرتين جعلني أشعر أن الأمور على ما يرام، و وجود جوليا و هايزل جعلني لا أشعر بأي شيء، وابتسامة الجدة الكبرى التي كانت تتوجه نحوي جعلتني أشعر بالقوة.
طالما أن الناس الغاليين علي لا يلومونني أو يشيرون إليّ بأصابعهم، فإن العالم من حولي سيظل قويًا.
لذلك كان الأمر أفضل مما توقعت.
لكن بينما كنت أُخفي كل تلك المشاعر، وجدت نفسي بين أشخاص يحاولون جاهدين التحدث إليّ بكلمة واحدة، وشعرت بالإرهاق سريعًا.
توجهت إلى الشرفة بعد أن تفاعلت مع الناس مستخدمة كل ما حفظته و تعلمته من معلومات.
“أحتاج إلى استراحة قصيرة.”
“هل أذهب معكِ؟”
“لا، هايزل.”
كانت جوليا تتعمد الابتعاد عني أمام دوق سبيلمان. وحدها هايزل كانت تلازمني باهتمام.
“حتى لو بقيتِ هنا فقط، سيتشتت انتباه من يبحث عني. آه، سأكون داخل الشرفة. سأخرج بعد استراحة قصيرة جدًا.”
“…نعم، سموكِ. هل أُحضِر لكِ شيئًا لتشربيه؟”
“شكرًا لكِ.”
أخذت الكأس من يد هايزل وتوجهت بسرعة إلى الشرفة.
آه، أشعر وكأنني أستعيد أنفاسي. تنفست هواء الخارج بعمق.
قالت هايزل إن كل من يملكون الوعي مجتمعون هنا، والآن أدركت سبب وصفها بذلك.
“…أريد العودة إلى المنزل.”
تمتمت دون وعي ورشفت من الكأس.
ما الممتع في مثل هذا التجمع؟
بدا سيرتين و الجدة الكبرى طبيعيين جدًا، وهذا جعلني أقدّرهما أكثر.
كنت قد خلعت حذائي و أخذت أحرك أصابع قدمي فوق الرخام البارد عندما…
فجأة، فُتحت الستائر بصوت خافت. ودخل رجل لم أره من قبل.
كان يرتدي ملابس أنيقة.
“من أنتَ؟ هناك من سبقكَ إلى هذا المكان، يُرجى المغادرة.”
تنهدت بتعب و غطيت قدميّ بطرف فستاني.
ظننت أن الأمر بسيط. لم يخطر ببالي أن شيئًا سيحدث في هذا المكان.
لكن الرجل اقترب مني و كأنه لم يسمع كلامي.
“إنه لشرف لي أن ألتقي بكِ، سمو وليّة العهد.”
كانت عيناه مبللتين كمن يغرق في حالة من الهذيان. ولم أشعر بالواقعية حتى اقترب مني أكثر، عندها اجتاحتني قشعريرة في كل جسدي.
“ما الذي تفعله؟ هل تنوي المخاطرة بحياتك؟”
“هاها، لقد سمعت كل شيء. سموكِ تحتاجين إلى رجل. هذا متوقع، فلا بد أنكِ كنتِ محرومة حتى الآن…”
اقترب الرجل مني و هو يترنح. انبعثت منه رائحة كريهة نفاذة.
تراجعت للوراء حتى اصطدم خصري بحافة الشرفة.
كان قلبي ينبض بقوة بسبب الخطر.
‘أرجوك… سيرتين!’
أغمضت عينيّ بقوة وأنا أرى يده تمتد نحوي.
وحين أمسكت بحافة الشرفة بإحكام، فُتحت الستائر.
التعليقات لهذا الفصل "101"