لم أستطع تحمل النظر في عينيه، لذا نظرت بعيدًا. هل يعرف شيئًا ما؟ كانت هناك دلائل متعددة في الفترة الأخيرة.
ذلك الشك البارد بأن سيرتين يعرف سري. النظرات الغريبة التي كان يوجهها إلي، والكلمات والتصرفات التي بدت كأنها اختبارات.
بلعت ريقي ببطء. كان قلبي ينبض بعنف . كنت أحسب داخلي باستماتة كيف ستكون ردة فعل سيرتين.
ماذا لو اكتشف أمري؟
هل سيطردني؟
ما الذي يفكّر فيه بخصوصي؟ هل سيقتلني؟
وكأنه علم بحيرتي، لم يتردد سيرتين. أمسك بخدي، والتقت أعيننا أخيرًا، ثم ابتسم ابتسامة رقيقة.
عينيه المنحنيتين و ابتسامته الجميلة كانت ساحرة إلى حد القشعريرة.
“ألم يحن الوقت لتكشفي عن هويتكِ؟”
همس سيرتين بصوت منخفض كما لو أنه لا مجال للهرب.
“توقفي عن التمثيل… قبل أن أغضب حقًا.”
عند سماع ذلك، تراخى جسدي. ماذا سيحدث إن غضب حقًا؟
عينا سيرتين لمعتا ببرود.
كنت فقط أريد البقاء على قيد الحياة. يبدو أنه قد أسيء فهمي.
همست بصوت ضعيف جدًا
“… هل ستتركني أعيش؟”
سند سيرتين بيده الأخرى بجانبي. كان وجهه المنحني نحوي يلمع ببياضه.
كان يبتسم، و كأن كل هذا مجرد تسلية لا أكثر.
ربما هذا الرجل كان يعرف سري منذ البداية.
بينما يقترب وجهه مني أكثر فأكثر، أغمضت عيني لا إراديًا. كنا على مسافة قريبة لدرجة أنني أستطيع سماع أنفاسه .
رائحته الثقيلة و الباردة نوعًا ما كانت تخنقني.
ابتلعت ريقي دون وعي.
تسلل الخوف مع توتر لا يمكن تفسيره إلى جسدي وجعلني متصلبة. لم أكن أعرف نية سيرتين. لقد كان يراقبني طوال الوقت كوحش ينتظر فريسته.
أصابع سيرتين لامست خدي. و كأنها وسم، كانت بشرتي التي لامسها ساخنة.
حتى في هذه اللحظة، شعرت بارتباك مخزٍ. رغم أنني قد أكون على وشك الموت.
بأصابع مرتجفة، أمسكت بحاشية فستاني بقوة.
همس سيرتين بصوت منخفض
“لا تخافي… لأنني…… أرغب في التهامكِ”
كلماته هذه جعلت قلبي يسقط في الهاوية.
*****
قبل 3 أشهر.
عندما تجسدتُ في الرواية لأول مرة، كانت الأمور قد بلغت حدّ اللاعودة؛ فقد أتممتُ مراسم الزواج و تم احتجازي في الغرفة.
عرفتُ حقيقتي في اليوم التالي، حين سمعتُ الخادمات ينادين اسمي
“حقاً، الأميرة الحمقاء إيفلين أصبحـت زوجة وليّ العهد! يا لها من محظوظة؛ حتى لو كان المرء أحمق، فمن حسن حظه أن يولد نبيلاً!”
كنّ يتكلمن بهذه السخرية و هنّ يرتبن غرفتي، غير مباليات بوجودي.
اضطررتُ لكتم صرخة كادت تفلتُ مني حتى غادرن الغرفة.
الأميرة الحمقـاء إيفلين!
و زوجة وليّ العهد!
كانت إيفلين السُمَّ الذي زرعته أسرة دوق سبيلمان.
عندما بلغتْ العاشرة، أصابتها حُمّى شديدة أتلفت دماغها، فبقيت بعقل طفلة في الخامسة طيلة حياتها.
لهذا أخفى الدوق ابنتَه و قام بتربيتها سراً، ثم زوّجها لوليّ العهد سيرتين حين بلغت سنَّ الزواج، مستغلّاً غيابَه في الحرب.
تلقّى الإمبراطور رشوةً كبيرة فسمح بهذا الأمر، ولم تستطع الإمبراطورة—لضعفِ نفوذ أسرتها—منعه.
وهكذا أصبحتْ إيفلين زوجة وليّ العهد، تتحرّك وفقَ أوامر أبيها
“إن أطعتِ والدكِ سأعطيكِ هذه الشوكولاتة كلَّها. ستكون لكِ وحدكِ يا إيفلين.”
فانخدعت روحُ الطفلة البريئة، و أحضرت الكعك المسموم إلى الأميرة و الإمبراطورة وأكلته معهما.
مَن سيشكّ في طفلةٍ بعقل الخامسة؟
ولأن إيفلين تمتلك مناعةً غريبة ضد السم، نجت، بينما ماتت الإمبراطورة والأميرة بعد تناولهما السمّ لفترة طويلة.
بعد أن علمَ سيرتين بالحقيقة، اسودّ قلبُه و أباد أسرة دوق سبيلمان، ثم حبس زوجته الحمقـاء في قصرٍ منفصل مدى الحياة. نجت لأنها تحمل عقل طفلة جاهلة.
و تحت ذريعة الانتقام، قام بإبادة أسرتيّ بطل و بطلة الرواية لارتباطهما بالدوق.
وفي النهاية، يتلقّى ضربةً قاضيةً من البطل و يتنحّى عن العرش، و تُعدَم إيفلين بتهمة السّحر.
كانت روايةً شيقةً فعلاً—مظلمةً إلى حدٍّ بالغ، و جريئةً… جريئةً جداً.
روايةٌ تم تخفيف سوداويَّتَها بالمشاهد الجريئة. لكنّ مشكلةً ظهرت الآن
أنا لست حمقـاء؟
****
على مدى الأسبوعِ الماضي، بينما كنت أعيش بهدوءٍ هنا، أدركت الحقائقَ الآتية:
1. أنا لست حمقاء. (بديهيٌّ تماماً.)
2. وليّ العهد لم يعد بعد من ساحة المعركة؛ سيعود قريباً.
3. البطل الذكر الآن في السادسة من عمره فحسب؛ بالكاد بدأ تعلُّمَ الكتابة.
لا بدّ أنّ لتجسُّدي في هذا التوقيت سبباً؛ لا يعقلُ أني جُسِّدتُ لأموت وحسب.
و رغم أن الإعدام بتهمة السحر يقع في مستقبلٍ بعيد، فإني لا أرغب في ذلك المصير.
و لمنع نهايتي بتلك الطريقة، يجب أن أُحبط تحوّلَ «الظل الأسود» إلى الظلام؛ إذ يبدأ كلُّ شيءٍ بموتِ عائلةِ سيرتين ، ثم اكتشافِه تورّطَ زوجتِه الحمقـاء وعددٍ من النبلاء ، فتتوالى المآسي.
إذن ما عليَّ إلا أن أُحبطَ ذلك، أليس كذلك؟
في الواقع عاش سيرتين مع إيفلين طَوالَ حياته؛ صحيحٌ أنه نفاها، لكنه لم يتخلَّ عنها قطّ لأنها زوجته.
و بقلب المعادلة، فقد منح زوجتَه المجرمة بيتاً و مالاً وطعاماً!
أليس هذا بوذا؟ أو صراحةً…إنه أشبه لشخص أحمق؟
لكن، ماذا لو لم يكتسح الظلامُ سيرتين، و اكتفى بوضعي إلى القصر المنعزل؟
لن أموت، وسأقضي عمري هناك، أستمتع بالمال الجاهز و بطعامٍ يُعدّه غيري.
“…أليست هذه غنيمة صافية؟”
هل سأحقق حلمَ امتلاكِ منزلٍ هكذا؟
حسناً. من الآن فصاعداً، أنا حمقاء.
لطالما رغبت أن أكون ممثلةً و تدرّبتُ على التمثيل طوال عمري؛ فهل يصعُب هذا عليَّ؟ كنت أذهبُ إلى أي مسرحٍ—كبيرٍ أو صغير—إذا تمت دعوتي.
آخرَ ما أذكره أن سيارةً مسرعة صدمتني بينما كنت أعود من تدريبٍ مسرحي.
و الآن عليَّ أن أعيش هنا للأبد، فلأغتنم الفرصة ما أمكن.
في ذلكَ المساء عاد سيرتين.
عاد بطلاً من الحرب ، و لأول مرة يواجهُ مَن يُفترض أنها زوجته ، و أواجهُ أنا كذلك مَن يُفترض أنه زوجي.
انطباعي الأوّل: إنه ضخمٌ جداً؛ شعرت و كأني أمام جدارٍ هائل.
و فوق ذلك الجدار، وجهٌ فائقُ الجمال، كأنه نُحتَ بأناقة.
ما إن رآني حتى ضاق بعينيه؛ كان وسيماً حدَّ الاختناق. طال شعرُه قليلاً بعد ستة أشهرٍ في ساحة القتال فغطى عُنقه.
و مع كل حركةٍ، ظهرت عيناه الغائرتان بين خصلات شعره الرمادي الداكن القريب من السواد؛ عينان زرقاوان طويلتان واسعتان، حتى ابتسامته تنثر جاذبيةً قاتمة.
تنهد، ومسح طرفَ ذقنه بيده، ثم سأل مساعدَه—بعد صمتٍ طويل
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات