### الحلقة الثامنة
“جلالتك!”
كنتُ أنتظر خارج قاعة الحفل، وعندما رأيتُ إينوك من بعيد، ركضتُ نحوه بخطوات صغيرة.
“الجو بارد، لماذا تنتظرين هنا؟”
“فقط… شعرتُ بالضيق داخل القاعة.”
بعد أن تعاملتُ مع الموقف العاجل، أثقلتني النظرات المسلّطة عليّ، فخرجتُ لتجنّب الناس. انكمشتُ كتفاي من البرد، ونظرتُ إلى إينوك.
“بالمناسبة، كيف سارت الأمور؟”
“… سيشترك دوق هيرينغتون في حرب هاشين.”
“آه.”
حسنًا، إذًا هكذا.
“جيّد، هذا مريح.”
أومأتُ وأنا أخدش ذقني، فلفّني إينوك بمعطفه الدافئ الكبير.
رفع حاجبًا وهو يغطّيني بعناية.
“بالمناسبة، بدوتِ غير مبالية سواء فقدتُ السيطرة أم لا، لم أتوقّع أن تساعدينني هكذا.”
“أوه، لم أكن غير مبالية إلى هذا الحد…”
“ألم تقولي إنّكِ لا تريدين أن تكوني علاجي؟”
لم أجد ردًا على كلامه الصحيح، فأنّيتُ. مدّ إينوك أصابعه الطويلة الرقيقة نحو عنقي.
رتب القماش المجعّد حول رقبتي كأنّه يهندم ملابسي، وأغلق الأزرار بعناية قبل أن يبتعد.
“هكذا يبدو جيّدًا.”
“آه، هذا خانق، جلالتك.”
“حتى لو كان خانقًا، لا مفرّ. الرياح باردة.”
نظر إينوك إلى رقبتي للحظة، ثمّ غطّاها بمعطفه، وأومأ برضا.
“بالمناسبة، كم شربتِ من الخمر؟”
“أم، لم أشرب كثيرًا؟ رشفة واحدة؟”
“…”
أدرتُ عينيّ لتجنّب عينيه الرماديّتين الشفّافتين، ورفعتُ إصبعًا بحذر.
“كأس… واحد؟”
“…”
هل لا يصدّقني؟
ألقيتُ نظرة على إينوك، ورفعتُ إصبعًا آخر خلسة.
“كأسان…؟ أم ثلاث؟”
ضحك إينوك ضحكة خافتة وهو يرى أصابعي تتزايد تدريجيًا.
“ريانا، هل نسيتِ نصيحة الطبيب بتقليل الشرب؟”
“لا، لم أنسَ! تذوّقتُ فقط، مجرّد تذوّق.”
“اذهبي إلى العربة الآن. سألحق بكِ قريبًا.”
“لا، جلالتك، يمكنني الذهاب بمفردي.”
رفضتُ عرض إينوك بمرافقتي، واتّجهتُ للخروج، لكنّني مِلتُ نحو عمود بدلًا من الباب.
قبل أن أصطدم بالعمود مباشرة، أمسك إينوك جبهتي بيده وتنهّد طويلًا.
“هاه، سأرافقكِ.”
“حسنًا… حسب أمركَ.”
* * *
“أنا أمشي بشكل مستقيم، فلماذا ينحرف الطريق؟”
بينما أتّجه إلى العربة مع الفارس الذي أرسله إينوك، شدّدتُ على ساقيّ المترنّحتين.
لكن ذلك لم يُجدِ نفعًا، إذ تعثّرتُ وسقطتُ للأسفل بسبب ساقيّ المتمايلتين.
بوم!
مع صوت مدوٍّ.
“آنسة! هل أنتِ بخير؟”
“نعم… أظنّني بخير…”
باستثناء الإحراج الشديد…؟
أرسلتُ الفارس لينتظر خلف الزاوية، وأنا أنفض التراب عن يديّ وحاولتُ الوقوف، لكنّني جلستُ مجدّدًا.
“آه! أخ… لقد جُرحت.”
رفعتُ طرف فستاني عند الشعور بالوخز، فظهرت قطرة دم حمراء على ركبتي.
هززتُ رأسي بدهشة من نفسي، ومسحتُ الدم بسرعة، عندما سمعتُ صوتًا غير مرحّب به.
“أيّها الأحمق! لا تستطيع حتى فعل ذلك، وتجعلني أذهب إلى الحرب؟”
“أعتذر، سيّدي الدوق. تدخّلت الآنسة فجأة…”
سمعتُ صوتًا غاضبًا حادًا وصوت تحطّم شيء ما.
“لكن، يبدو أنّ المعلومات خاطئة. جلالته لم يبدُ متردّدًا في التلامس مع الآنسة.”
“لا شيء صحيح! أن أغيب في وقت حرج كهذا!”
“حتى لو غاب سيّدي الدوق، سنجهّز لزواج جلالته والأميرة دون عوائق. فلا تقلق.”
“بالطبع يجب أن يكون كذلك! تأكّد من مراقبة إليشا جيّدًا حتى لا تتشتّت حتى يصل ‘ذلك الشخص’! ”
“حسنًا، بالطبع.”
“لحسن الحظ، لا يزال هناك وقت قبل الخروج إلى الحرب. خلال الوقت المتبقي، سأنهي الأمور…”
بدأ الدوق، الذي كان ينفث غضبًا كثور هائج، يعدّ خططه وهو يطوي أصابعه.
اكتشفتُ ذلك وأنا أنهض وأعدّل حذائي، فعبستُ.
“آه، ذلك الرجل مجدّدًا؟ يا له من مزاج سيّء.”
كيف يكون والد البطلة بهذا الطبع السيّء؟
في الكتاب، كان طموحًا، لكن ليس لهذه الدرجة…
“بهذا، أليس الطاغية هو هذا الرجل بدلًا من إينوك؟”
تمتمتُ وأنا أدير كاحلي، وقرّرتُ المغادرة.
لن أستفيد شيئًا من مواجهة الدوق مجدّدًا.
لكن، إمّا أنّ الحياة ليست سهلة، أو أنّ حظّي سيّء بشكل خاص.
من بين كلّ الطرق، اختار الدوق الطريق الذي أنا فيه، واكتشفني وهو يسير بعنف.
“ها! تتجسّسين خلسة كفأر!”
“لم أتجسّس، كنتُ هنا أولًا، وسقطتُ، ثمّ جئتَ أنتَ…”
حاول جسدي التيبّس مجدّدًا أمام الدوق، لكن، ربما لأنّها المرّة الثانية، تمكّنتُ من تحريك فمي وتمتمتُ.
المشكلة أنّ صوتي كان ضعيفًا جدًا، لم يسمعه سوى أذنيّ.
على أيّ حال، على عكس المرّة السابقة، استجاب جسدي قليلًا، فحاولتُ التوجّه إلى الفارس خلف الزاوية.
لكن في تلك اللحظة، رنّ صوت احتكاك حاد، وشعرتُ بألم حارق على وجهي.
“إلى أين تذهبين؟ هل ستركضين إلى الإمبراطور لتخبريه بما سمعته؟”
صفعة.
مع الصوت الثاني، انهارت ساقاي الضعيفتان.
“أيتها الناقمة! لا تعرفين الامتنان لمن ربّاكِ، وتجرؤين على تعطيل خططي؟”
طعم معدني… أم دم؟
شممتُ رائحة الدم تتسرّب في فمي الصغير، وأنا أحرّك جفنيّ ببطء، بينما استمرّ الدوق في الصراخ.
“كالمعتاد! كنتِ يجب أن تبقي هادئة كدمية، فلماذا تثيرين المشاكل في كلّ حفل؟”
عندما رأى الدوق معطف إينوك حولي، سخر وهو يمزّق شعره من الغضب.
“أوه، يبدو أنّكِ نلتِ اهتمام الإمبراطور. وماذا بعد؟ هل تعتقدين أنّ الاقتراب منه سيُنقذكِ؟ سيغيّر شيئًا؟ هل ظننتِ أنّكِ وجدتِ مخرجًا؟”
‘ما الذي يتحدّث عنه؟’
لحستُ زاوية شفتي الممزّقة، وعبستُ.
كلمات الدوق جعلتني أشعر أنّ ريانا اقتربت من إينوك ليس لتصبح إمبراطورة، بل…
‘كأنّها تريد البقاء على قيد الحياة.’
ما هذا؟ هل، كما في بعض الروايات، ريانا مريضة بمرض عضال؟
تحسّستُ جسدي، لكنّني استنتجتُ أنّ هذا غير صحيح.
رغم نحافتها وضعفها، كانت ريانا شابة سليمة جسديًا.
ربما لو استمرّت في الشرب لعقود، قد يكون الأمر مختلفًا.
بينما أفكّر بعقل مشوّش بالخمر، بدا أنّ الدوق اعتقد أنّني أتجاهله، فرفع يده مجدّدًا.
“هل تتجاهلين كلامي الآن؟”
“لا، ليس هذا…!”
آه، كان يجب ألّا آتي إلى هنا اليوم.
أغمضتُ عينيّ استعدادًا للألم القادم، لكن صوتًا باردًا أوقف يد الدوق.
“ما الذي تفعله الآن؟”
“جلالتك؟ كيف…”
“سألتُ عمّا تفعله.”
تفاجأ الدوق بردّ إينوك الحاد، وهو الذي عادةً لا يهتمّ بالآخرين.
تردّد للحظة، ثمّ ارتدى قناع الوداعة، وساعدني على الوقوف من الأرض.
“كانت هذه الفتاة تثير الفوضى في الحفل، فكنتُ أؤدّبها ككبير في العائلة.”
“هل هذا صحيح؟ لكن، بدقّة، عائلة هيرينغتون ليست كبيرة على عائلة دافني.”
سحبني إينوك من قبضة الدوق العنيفة، وتحدّث بوجه متصلب.
“كيف… تجد مكانًا لتلمسه في هذا الجسد الصغير؟”
“آه، جلالتك، هذا مؤلم. لا تضغط.”
“آه، أعتذر. هل تتألمين كثيرًا؟”
تردّدت يد إينوك في الهواء وهو يرى تأوّهي.
بالطبع أتألم!
كنتُ سأقول إنّ أسناني تهتزّ من قبضته العنيفة، لكن الدوق تقدّم بوقاحة.
“لم أفعل شيئًا، جلالتك. سقطتْ وحدها، هذا كلّ شيء.”
لو كان صامتًا، لكان أفضل.
نظرتُ إليه بحنق وهو يتحدّث بطلاقة ويمسح لحيته الدهنيّة.
أذني لا تزال تطنّ من الصفعة، وهو يكذب دون خجل.
غاضبة، ضغطتُ على شفتي الممزّقة بإصبعي.
شعرتُ بشفتي تتمزّق أكثر تحت الضغط.
عبستُ من الشعور غير المريح، ونظرتُ إلى إينوك، الذي كان يحدّق بالدوق ببرود.
“جلالتك.”
“…؟ ريانا! شفتيكِ تنزفان…!”
شعرتُ بالدم يسيل من شفتي الممزّقة عندما فتحتُ فمي، وأشرتُ بإصبعي الذي كان يضغط على شفتي نحو الدوق.
“جلالتك، هذا الرجل، أقصد الدوق، ضربني.”
“لا، هذا غير صحيح! ريانا، كيف تكذبين أمام جلالته؟”
من يكذب الآن؟
لم أنظر إلى الدوق، وسحبتُ إصبعي، ورفعتُ يدي أمام وجه إينوك.
بإصبعين، السبّابة والوسطى، بثقة.
“ضربني. مرّتين.”
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 8"