### الحلقة السابعة
“يا إلهي، كم هي عيناه حادّتان؟”
استغللتُ لحظة تشتّت إينوك، وتسلّلتُ بعيدًا عن ناظريه، ثمّ ألقيتُ نظرة خاطفة نحو المكان الذي قد يكون فيه.
“لم أشرب سوى كأسين. الرائحة… هل تنبعث منّي؟”
ربما لأنّ ريانا، صاحبة هذا الجسد، كانت مغرمة بالخمر، فحتى لو تشتّت ذهني لحظة، أجد يدي تمسك بكأس.
لهذا، تلقّيتُ توبيخ إينوك عدّة مرّات.
“حتى بدون ذكريات، عادات الجسد تبقى كما هي؟”
تذمّرتُ وأنا أتذوّق الكأس، ثمّ قرّرتُ الخروج إلى الشرفة لأستنشق بعض الهواء البارد. لكنّني توقّفتُ عند سماع حوار خلف ستار أبيض.
“سيّدي الدوق، هل هذا مناسب حقًا؟”
“سأتولّى المسؤولية، فلا تقلق.”
“لكن، حتى لو كان الأمر كذلك، فإنّ جلالته…”
‘جلالته؟ هل يتحدّثون عن إينوك؟’
عندما ذُكر اسم إينوك في حوار مشبوه بوضوح، تقوّس حاجباي بزاوية متمرّدة.
تسرّب صوت دوق هيرينغتون إليّ عبر الستار المتماوج مع النسيم.
“ألا تعلم أنّني سأُجبر على المشاركة في حرب هاشين إذا بقيتُ ساكنًا؟ حتى أغيّر المسار ليخرج جلالته إلى الحرب، كل ما عليك فعله هو إبقاؤه مشغولًا حتى ذلك الحين.”
“لكن، سيّدي الدوق، هل هذا ممكن حقًا بالطريقة التي أخبرتنا بها؟ مجرّد التلامس مع جلالته…”
“حسنًا، سنرى عندما نجرّب.”
سحق الدوق السيجار الذي كان يعضّه بقدمه، ورفع زاوية فمه بابتسامة ماكرة.
“من المؤكّد أنّ للإمبراطور نقطة ضعف تتعلّق بالتلامس مع الآخرين. لا أعرف بالضبط ما هي، لكن…”
“هل قد تكون مرتبطة بموت الإمبراطورة السابقة؟”
“ربما. كما قلتَ، ربما تسبّب شعوره بأنّ لمسه قتل والدته في هذه المشكلة. على أيّ حال…”
“ما الخطب، سيّدي الدوق؟”
كنتُ أستمع بحماس لحديثهما، عندما تفاجأتُ بخطوات تقترب منّي وحاولتُ الاختباء.
لكن يد الدوق كانت أسرع، إذ فُتح الستار بعنف قبل أن أتمكّن من الدوران.
“ما الأمر؟”
“لا شيء.”
أدار الدوق جسده ليحجبني عن الرجل الآخر، وأشار برأسه بخفّة.
“اذهب الآن. تأكّد من إبقاء جلالته مشغولًا خلال الوقت المحدّد.”
“حسنًا، سيّدي الدوق.”
‘ولو استطعتَ معرفة نقطة الضعف التي يخفيها الإمبراطور، سيكون ذلك أفضل.’ تمتم الدوق، ثمّ وجّه عينيه الزرقاوين نحوي.
كنتُ في موقف واضح أنّني ضُبطت وأنا أتجسّس، وحاولتُ اختلاق عذر،
لكن…
تشنّجتْ شفتاي. تحرّكتا دون أن يخرج صوت، كأنّ جسدي يخونني، مثلما يحدث عندما أميل الكأس دون وعي.
بينما أرتبك من تصلّب جسدي أمام الدوق مباشرة،
أمسك الدوق بياقتي وسحبني نحوه.
“آه…!”
“ألم أقل لكِ أن تبقي في المنزل بهدوء؟ لماذا تسلّلتِ اليوم أيضًا؟”
“يدكَ… من فضلك…”
ضربتُ يده الغليظة التي خنقت عنقي بصعوبة، فدفعني الدوق بعيدًا وهو يمسك أنفه.
تمايل جسد ريانا الهشّ بقوّة.
“هل سكرتِ مجدّدًا؟ يا للحمقى.”
رمى الدوق منديلًا كان يمسح يده به، كأنّه لمس شيئًا قذرًا، وسأل بنبرة حادّة:
“هل تعتنين بالطفلة جيّدًا؟”
“ماذا؟”
صوت مكتوم ويد مرتجفة.
لم يعجبني أن أُمسك من ياقتي ولا أستطيع النطق بكلمة.
أمسكتُ طرف فستاني بقوّة، معبّرة عن استيائي، فشعرتُ بطعم الدم الخفيف بين أسناني.
ربما بسبب الألم الناتج عن عضّ الجلد الرقيق داخل فمي، توقّف الارتجاف قليلًا.
نظرتُ إلى الدوق مباشرة وتحدّثتُ ببطء:
“أيّ طفلة تقصد…؟”
“يا للحمقاء! من غيرها؟ أتحدّث عن طفلة إليشا التي أوكلتُها إليكِ!”
“طفلة… إليشا؟”
طفلة إليشا؟ لم يكن هناك شيء كهذا في الرواية.
وإذا كانت الطفلة التي أعتني بها الآن…
تذكّرتُ أرييل نائمة بهدوء في سريرها الصغير المزيّن، واتسعت عيناي.
‘هل أرييل ابنة إليشا؟’
الآن أفكّر في الأمر، التشابه بينهما ليس قليلًا.
شعر بلاتيني لامع كأشعة الشمس، وعينان خضراوان كالغابات.
كنتُ أظنّ أنّ مظهر الطفلة يشبه ريانا، لكنّه في الحقيقة يشبه إليشا.
لكن في الرواية الأصليّة، لم يكن للبطلة طفلة…
بينما أرتب أفكاري المضطربة بسبب هذه المعلومات الجديدة،
ضرب الدوق رأسي وأصدر تحذيرًا:
“تأكّدي من أن إليشا لا تعرف بوجود الطفلة. عندما يحين الوقت، سآخذها.”
“…”
“تسك! أرييل أو أيًّا كان اسمها، إذا لم تكونا نافعين، يمكنني التخلّص منكما بسهولة.”
غادر الدوق بسرعة بعد تحذيره المزعج،
وأخيرًا، تحرّر جسدي من التوتر، كأنّني دمية خشبيّة أُطلقت خيوطها.
بشكل عفوي، أمسكتُ كأس خمر من صينيّة خادم مارّ، وأفرغتُها في حلقي.
“واو… ما هذا؟ من هذا الرجل؟ هل هو حقًا من عائلة البطلة؟”
تدفّق السائل القوي في حلقي، فبدأ الجسد المتيبّس يستعيد حيويّته.
أدركتُ أنّ الضجيج الذي كان يرنّ في أذنيّ كان صوت قلبي المتسارع، فزفرتُ بعمق ومرّرتُ يدي على شعري.
“ما هذا الرجل؟ كيف يمسك شخصًا من ياقته بمجرّد رؤيته… آه! صحيح، إينوك!”
شعرتُ بالحرارة تتصاعد إلى وجهي وأنا أمسح فمي، تذكّرتُ إينوك، ومسحتُ المنطقة بسرعة.
رأيتُ إينوك يتحدّث مع شخص ما على مسافة ليست بعيدة، ورجل مشبوه يقترب منه بسرعة. رفعتُ يدي عاليًا.
“جلالتك!”
* * *
“…”
“ريانا…؟”
‘آه، لم أكن أنوي الصراخ بهذا الصوت.’
دفنتُ وجهي في يدي وأنا أسمع صدى كلمة “جلالتك” يتردّد في القاعة الهادئة.
خشيتُ أن يفقد إينوك السيطرة في مكان عام كهذا، فناديته دون تفكير.
لكن الصوت العالي أحرجني، فتقدّمتُ نحو إينوك وأنا أغطّي وجهي، متعرّجة في مشيتي.
ربما بدأ الخمر الذي شربته يؤثّر الآن، إذ تعثّرتُ خلال تلك المسافة القصيرة، مما زاد من إحراجي.
بطريقة ما، وصلتُ إلى إينوك دون مشاكل كبيرة، وشققتُ طريقي بين الناس حوله.
“آه، لحظة. دعوني أمرّ فقط.”
تجاهلتُ النظرات التي تقول إنّ الآنسة المزعجة تُحدث فوضى مجدّدًا، وتوقّفتُ أمام إينوك لألتقط أنفاسي.
انحنيتُ بأدب لتحيّته، فامتلأ وجهه الوسيم بعلامات استفهام.
تحت أنظار الجميع المركّزة، تحدّثتُ بأقصى درجات اللياقة:
“جلالتك، أعتذر، لكن هل يمكنني إمساك يدك قليلًا؟”
“…؟”
حسنًا، اللياقة لا تجعل التصرّف الغريب عاديًا.
لكن بما أنّني تحيّيتُ وطلبتُ الإذن، تحرّكتُ يدي بحذر نحو هدفي.
خلعتُ القفّاز الأسود عن يده الكبيرة، وشبكتُ أصابعي بأصابعه الطويلة بإحكام، فسمعتُ همهمات مكتومة حولي.
البعض قال إنّ الآنسة جنّت أخيرًا،
والبعض الآخر تفاجأ برؤية إينوك يتلامس مع شخص ما.
وسط همهمات الناس لأسباب مختلفة، نظر إينوك إليّ بقلق وهو مصدوم.
“ريانا، ما الذي تفعلينه فجأة؟ هل شربتِ كثيرًا؟”
“… ليس هذا!”
عبستُ وشدّدتُ قبضتي على يده، ثمّ وقفتُ على أطراف أصابعي.
لكن بسبب فارق الطول، لم أستطع الهمس بسهولة حتى على أطراف أصابعي، فأنّيتُ. انحنى إينوك قليلًا،
فنقلتُ له حوار الدوق الذي سمعته، فأطلق ضحكة ساخرة.
“ها، كنتُ أتساءل لماذا الهدوء مؤخرًا.”
“هؤلاء الناس أشرار! يحاولون استغلال نقاط ضعف الآخرين!”
ربما بسبب الخمر الذي بدأ يؤثّر، أو الغضب من إمساك الدوق لياقتي،
دستُ قدمي بغيظ، فنظر إينوك إليّ بتعبير غامض.
“على أيّ حال، طالما أمسك يدكَ هكذا، لن تفقد السيطرة، أليس كذلك؟”
“نعم، صحيح.”
“إذًا، تمسّك بيدي جيّدًا واختبئ خلفي.”
“… ماذا؟”
“ماذا لو حاول شخص آخر غير ذلك الرجل لمسكَ؟”
أصبح تعبير إينوك أكثر غموضًا عندما طلبتُ منه الاختباء.
كأنّه يقيّم إن كان جسد ريانا الصغير سيغطّيه ولو قليلًا، وضع يده على رأسي.
قاس طولي بيده، وهو لا يتجاوز كتفيه، وحاول كبح ضحكته.
حدّقتُ به بجديّة، مؤكّدة أنّ هذا ليس وقت الضحك، ووقفتُ أمامه بحزم.
“سأحميكَ حتى لا يلمسكَ أحد، فهيا إلى مكان الدوق. سأرافقكَ!”
“همم، هل ستتمكّنين من حمايتي؟”
“هيا بسرعة! إذا ذهبتَ إلى الحرب بالفعل، ماذا سنفعل؟”
“ألا يمكنني الذهاب؟”
“… بالطبع لا!”
أومأتُ بحزم وخفضتُ صوتي أكثر.
“ماذا لو فقدتَ السيطرة في ساحة المعركة؟”
“همم، هل ستأتين معي إذًا؟ قد ينجح الأمر.”
رمقته بنظرة مستاءة أمام نبرته المرحة.
“الحرب ستستغرق أشهرًا حتى لو كانت قصيرة. كيف ستتعامل؟”
“أشهر، أشهر…”
بدت نبرته هادئة رغم أنّ الأمر يعنيه، فبّستُ قدميّ بقلق.
تأمّل إينوك كلامي، ثمّ رفع زاوية شفتيه بابتسامة ماكرة.
“حسنًا، ربما تكون الأشهر صعبة قليلًا.”
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 7"