“واه… قاسٍ، قاسٍ جدًا.” 

أنا من اقترحتْ تقليد القوة الخارقة بسحر أرون، لكن أرون، الذي بدا أكثر حماسًا، دمّر عشر شجرات أخرى حتى غروب الشمس. عندما عدتُ إلى الغرفة، تهاويتُ على الكرسي. 

“كيف لا يرتاح ولو مرة؟” 

ضربتُ ساقيّ المرتجفتين، وتمتمتُ بذهول: 

“السحر القديم…” 

‘حتى لو تجاوزنا الدوق، لمَ كانت ذكريات ريانا مختومة بسحر كهذا؟’ 

‘إذا كتبتُ الرسالة، فأنا من وضعتُ سحر ختم الذكريات…’ 

مددتُ قدميّ، وتذكّرتُ حديثي مع أرون: 

[“‘سحر ختم الذكريات، هل يمكنني أنا وضعه وأنا لستُ ساحرة؟’”] 

[“‘ممكن، لأنّ أساس القوة السحرية والخارقة واحد. يمكنكِ استخدام السحر بالصيغ. حتى الإمبراطور يفتح بوابات.’”] 

“لمَ وضعتُ سحرًا كهذا؟ لمَ كل هذه الألغاز؟” 

تذمّرتُ من علامات الاستفهام في رأسي، وضغطتُ على صدغيّ بسبب صداع عاد. 

كنتُ بخير مع إينوك، لكن بعيدًا عنه، عاد الصداع كشبح. 

“ها هو مجددًا… رأسي يؤلمني.” 

نهضتُ بتعب، وأشعلتُ شمعة عطرية أهداها إينوك، فشعرتُ ببعض الراحة. 

جلستُ متكورة أمام طاولة الزينة، فدخل دين، وأطلق صوتًا قلقًا: 

“رأسكِ يؤلمكِ مجددًا؟” 

“نعم، أكثر هذه الأيام.” 

أغمضتُ عينيّ بقوة من الوخز المزعج، ثم فتحتهما. 

“دين، أزلتَ كل الزهور البنفسجية، صحيح؟” 

“نعم، أزلتُ كل الزهور في القصر بعد أمركِ.” 

“لكن لمَ…” 

‘ما زلتُ أشم رائحة الزهور؟’ 

عبستُ وأنا أضع يدي تحت أنفي، فوضع دين، القلق، كوب شاي على الطاولة. 

“الماركيزة، شاي القرفة يساعد على الصداع. هل تشربينه؟” 

“حقًا؟” 

تقدّمتُ ببطء وجلستُ، فملأ الكوب بالشاي الدافئ.
 
“شكرًا، رائحته زكية.” 

“هل أنتِ بخير حقًا؟ أخبري جلالته-” 

“لا داعي لذلك.” 

لوّحتُ بيدي، مانعة دين من ذكر إينوك. 

“سيمر. أفكّر كثيرًا هذه الأيام، رأسي مجهد.” 

ضحكتُ مازحة، ورشفتُ الشاي، فرقصتْ حاجباي برضا. 

كان طعم شاي القرفة أفضل مما توقّعتُ، فرشفتُ مرة أخرى ونظرتُ إلى دين. 

“أين أرييل؟” 

“تلعب مع روا.” 

“مرة أخرى؟ أرييل تحب روا جدًا.” 

مرّرتُ أصابعي على حافة الكوب، وطرحتُ سؤالًا عفويًا: 

“روا كانت تعمل عند عائلة تاشيل، صحيح؟” 

“نعم، جاءت بتوصية من رئيسة الخادمات هناك.”
 
“وهل كانت ترعى الأطفال من قبل؟” 

“لم يذكر ذلك في التوصية.” 

“حقًا؟” 

رشفة. 

شعرتُ بعطر القرفة الدافئ ينزلق في حلقي، وغمضتُ عينيّ. 

“لمَ جاءت إلى هنا؟ العمل غير مألوف، والسمعة هنا ليست جيدة.” 

“ربما بسبب الأجر الجيد.” 

“ربما…” 

أضاف دين أنّ روا ماهرة وستتأقلم بسرعة، فأومأتُ ببطء ورشفتُ شايًا آخر. 

* * * 
مرّ الوقت بسرعة. 

اقترب يوم دخول فرسان الدوق إلى العاصمة. 

“مهلاً! ضعه هناك، هكذا يسهل إسقاطه.” 

“أوف، إذن افعله أنتَ يا سيد البرج!” 

في الساحة المركزية، تدخّل أرون في نقل الزينة للاحتفال، فشمّر عن ذراعيه بنزق. 

ضحكتُ على تجادله مع الشيوخ، فلفّني عطر منعش مألوف. 

استدرتُ، فوجدتُ إينوك خلفي كالعادة. 

“متى أتيتَ؟” 

“الآن.” 

تبع عيناي المبتسمتان عينيه، فألقى رموشه الطويلة ظلالًا على عينيه الرماديتين. 

“ماذا كنتِ تفعلين؟” 

“أراقب أرون. يبدو أكثر حماسًا مني.” 

دوي. 

التفتُّ لصوت، فرأيتُ أرون يرمي زينة ثقيلة، يلهث، وشعره الفضي يتدلّى بلا حياة. 

“لكن جسده لا يواكب حماسه.” 

نظر إينوك إلى أرون، المنبطح يشرب الماء، بعينين مليئتين بالشفقة. 

“لمَ لا يستخدم السحر بدلاً من هذا؟” 

“من يعرف ما في رأسه؟” 

هزّ رأسانا معًا كأنّنا متفقان. 

توقّف إينوك أولاً، ونظر إلى هياكل الساحة من اليسار إلى اليمين. 

“إذن، ستنقلين هذا العمود لتسقطي التمثال؟” 

“نعم، سنسقط التمثال هناك.” 

أشرتُ إلى مكان فارغ، فزاد الظل على رموشه قلقًا. 

“هل هذا آمن حقًا؟” 

“بالطبع! تدرّبنا مرات عديدة، مثالي تمامًا!” 

رغم تأكيدي السلامة، ارتفع حاجباه قليلًا بالقلق. 

وقفتُ على أطراف أصابعي، وعدّلتُ حاجبيه كقطعة بازل. 

“إن لم تثق بي، ثق بأرون.” 

“ذلك أقلّ إقناعًا.” 

‘ما الذي فعله في لحظة غفلة؟’ 

كان أرون يقفز ممسكًا قدمه. 

“قدمي! أعتقد أنّها انكسرت!” 

رأيتُ زينة ملقاة، يبدو أنّها سقطت على قدمه. 

استسلمتُ للمشهد، وابتسمتُ بحرج: 

“أعني… ليس أرون، بل سحره! هو أفضل ساحر في الإمبراطورية.” 

“ليس عدم ثقة. رأيتُ جهودكِ، كيف لا أثق؟” 

ربّما علق غبار أرون عليّ، فمدّ إينوك أصابعه الطويلة، مسحًا شيئًا من أذني. 

“المعرفة شيء، والقلق شيء آخر. تجاهلي كلامي.”
 
عبثتُ بأذني المحمرة، وضيّقتُ عينيّ مازحة: 

“أنتَ قلق كثيرًا.” 

“بالفعل، لم أعرف أنني قلق لهذا الحد.” 

“أم خائف؟” 

“ربما من أجلكِ.” 

“كح، كح!” 

‘يفعل هذا عمدًا أم ماذا؟’ 

ابتعدتُ خطوة من كلامه المحيّر، فعبس إينوك. 

“لمَ تبتعدين؟”

“فقط… هذه المسافة مناسبة.” 

‘لأنّ قلبي بدأ يخفق بلا خجل!’ 

ابتعدتُ خطوة أخرى خوفًا من سماع خفقاني، فزاد عبوسه. 

“ما هذا…” 

“بالمناسبة! ماذا عن الدوق؟” 

مددتُ ذراعيّ، مغيّرة الموضوع، خوفًا من اقترابه.
 
“كيف تسير خطة منعه من حضور الاحتفال؟” 

“آه، ذلك.” 

أومأتُ بحماس، فرأيتُ حاجبيه يهدآن، فعبس قليلًا من ضوء الشمس. 

“سأمنعه قبل بدء الاحتفال مباشرة. منعه الآن قد يدفعه للتخطيط.” 

“همم، فهمتُ.” 

“بالمناسبة، ريانا.” 

“نعم؟” 

“ماذا عن مقعدكِ غدًا؟ أمرتُ بتجهيزه بجانبي.” 

“لا حاجة لذلك.” 

“لمَ؟” 

“كيف أجلس بجانب جلالتك؟ يخالف القانون.” 

“من يهتمّ بالقانون-” 

“يجب احترامه!” 

ارتفعت حاجباه بنزق. 

“إذن، ليس بجانبي، بل قريبًا-” 

“ذلك أيضًا لا يصلح.” 

“لمَ ترفضين دائمًا؟” 

“لأنني أريد الجلوس مع شخص آخر.” 

“ماذا؟” 

أكمل إينوك عبوسه، لكنّه رفع شفتيه بابتسامة. 

“من هو؟” 

“ستعرف غدًا.” 

“أريد معرفته الآن.” 

كلامه الحاد قطع كلماتي، لكنني ابتسمتُ، مغطية عينيّ من الشمس، متجاهلة حاجبيه المتمردين. 

“شخص تعرفه جيدًا.” 

* * * 
“إذن، تريدين الجلوس بجانبي؟” 

“ليس بجانبكَ تمامًا، فقط مقعد قريب…” 

في يوم الاحتفال، تركتُ إينوك المغتاظ، وطلبتُ من الشخص أمامي الجلوس معه، وأنا أعبث بيديّ.
 
“مقعدي ليس لأيّ أحد. الكثيرون يريدونه.” 

“أعني، ليس بجانبكَ، بل قريبًا! لستُ مرتاحة للجلوس بجانبكَ!” 

عبستُ لنبرته المتعجرفة، فجاءني توبيخ: 

“قلتِ لكِ قلي بالكلام، لا تعبسي!” 

‘ظننتُ أنّه لن يرى من هذه الزاوية.’ 

عدّلتُ رأسي بحرج، فالتقيتُ بعينين رماديتين باردتين مألوفتين. 

“حسنًا، اشرحي لمَ يجب أن أعطيكِ مقعدي.” 

المترجمة:«Яєяє✨»