“إذن، نصعد هنا، ونرتدي هذا، ثم ندور… هم؟”
تتبّعتُ بإصبعي مخطّط قصر الدوق الذي تركه إينوك، لكنني رفعتُ رأسي لصخب خارج الغرفة.
“ما هذا؟ لمَ الشيخان مستعجلان هكذا…؟”
نهضتُ لأرحّب بهما وهما يهرعان إلى الغرفة، لكنني رمشتُ بدهشة.
“وجهيكما… هل حدث شيء؟”
كيف كان الأمر عاجلاً لدرجة أن ينسَيا ربطة عنقهما؟
تسارعت أنفاسهما، فتحرّكتُ بسرعة قلقة.
اصطدمتُ بالمخطّطات أثناء خروجي من بين الطاولة والكرسي.
تساقطت الأوراق السميكة بصوت ثقيل.
“آه! ماذا أفعل!”
نظرتُ بين الشيخين المتصبّبين عرقًا والأوراق المبعثرة، ثم جلستُ لأجمعها.
“اختلطت كلّها، لا أعرف أين هي.”
بوجه حزين، رتّبتُ الأوراق بترتيب مألوف، وسألتُ:
“لمَ هرعتما هكذا؟ أليس لديكما مشاكل في الركبة؟”
“ذلك… هاه…”
“اشربا بعض الماء أولاً.”
ضربا صدورهما وهما يلهثان، فأمسكتُ الأوراق وملأتُ كأس ماء لهما.
“هاه، شكرًا، الآن أشعر بتحسّن.”
هدأ الشيخ الأبيض ومسح صدره.
“الماركيزة.”
“نعم؟”
مررتُ كأسًا للشيخ الأسود المنهار، ونظرتُ إلى الشيخ الأبيض.
“الدوق عبر البوّابة الأولى للتو.”
“ماذا؟”
“آه، بارد!”
انزلقت الكأس من يدي بدهشة.
“آسفة، هل أنتَ بخير؟”
“نعم، أنا… بخير.”
مسحتُ وجه الشيخ المبلّل بمنديل، وسألتُ:
“ماذا يعني ذلك؟ ألم يكن الدوق وقواته في البوّابة الثالثة أمس؟”
من الحدود إلى البوّابة الثالثة، ثم الثانية، وأخيرًا الأولى إلى العاصمة، كان يُفترض أن يستغرق ذلك عشرة أيام.
“كيف عبر من الثالثة إلى الأولى في يوم؟ هل هناك خطأ؟”
لا بدّ أنّه سوء فهم.
ما لم يستخدم الدوق سحر النقل، فهذا مستحيل.
لكن، هل استخدمه؟
“مستحيل.”
تمتمتُ.
الدوق لا يملك سحرًا أو قوة، ويحتاج إلى لفيفة نقل.
“هل استخدم الجميع لفائف النقل؟”
مستحيل، تكلفتها باهظة.
نقل جيش بأكمله سيكلّف ثروة.
إن لم يكن هذا ولا ذاك، فالجواب واحد.
عبستُ ولوّحتُ بيدي.
“لابدّ أنّكما أخطأتما.”
“الفرسان لا يزالون في البوّابة الثالثة.”
“أرأيتما؟ قلتُ إنّه… هم… الفرسان ‘فقط’؟”
ابتسمتُ، لكنني رمشتُ بدهشة.
لمَ ‘فقط’؟
شعرتُ بعدم ارتياح، فأجاب الشيخ الأبيض:
“نعم، الفرسان ‘فقط’ هناك. الدوق يتحرّك منفردًا، ربّما بلفيفة نقل.”
“من يقود الفرسان إذن؟”
“القائد الثاني.”
“هه…”
فهمتُ سبب هرعهما، فضحكتُ باستخفاف ووضعتُ يدي على رأسي.
“آه، رأسي.”
توقّعتُ عشرة أيام، لكنّه عبر البوّابة الأولى.
ضغطتُ على صدغي وأغمضتُ عينيّ.
“من البوّابة الأولى إلى العاصمة، كم يستغرق؟”
“يوم عادةً.”
“وغير عادي؟”
“بلفيفة نقل، ثوانٍ، لكن يمكن استخدامها مرّة يوميًا، فلن يصل اليوم.”
خبر مطمئن.
نقرتُ جبيني بإصبعي، عيناي مغمضتان.
“وجلالته؟”
“لم يعد من التفتيش، ربّما يعود ليلاً.”
“وأرون؟ آه، معه. هم، ماذا نفعل؟”
بقي يوم أو نصف يوم قبل وصول الدوق.
سيضغط على إينوك للزواج فور عودته، مستغلاً انتصاره.
أنا لن أسمح بسرقة قوتي مجدّدًا.
“الشيخان، لا يمكن إيجاد سجلّ قوتي في يوم، أليس كذلك؟”
“صعب…”
“كما توقّعتُ.”
توقّفتُ عن النقر وفتحتُ عينيّ، فبدت الغرفة محمرّة بضوء الغروب.
“الماركيزة؟ لمَ ترتدين معطفك؟”
“لمَ؟ يجب أن أذهب بسرعة.”
“إلى أين؟”
“إلى إليشا.”
“الآن إلى قصر الدوق؟”
“نعم، سأعود بسرعة.”
“لا! ألم يقل جلالته إنّه سيذهب معكِ؟”
“لكنّه غائب. إن وصل الدوق غدًا، هل أضيّع هذا الوقت؟”
“لكن-”
“سيطالب بما يريد ويسرق قوتي. ألا نحتاج إلى ورقة قوية؟”
أمسكتُ الكيس السحري من أرون وابتسمتُ.
“سأذهب بسرعة وآتي بورقة قوية.”
امتدّ ضوء الغروب في الغرفة، وتلألأت عيناي الخضراوان بلون غامض.
“آه، الشيخان، هل يمكنني طلب شيء قبل ذلك؟”
* * * “إذن…”
رأت عيناي المتورّدتان إليشا.
“جئتِ فجأة لنتشارك البسكويت، قبل موعدنا بثلاثة أيام؟”
“نعم، يجب أكله وهو مقرمش، سيتلف غدًا.”
“وجلالته؟ ألم تكونا معًا؟”
“هو في هيفيرون، فشعرتُ بالملل.”
أعطيتُ عذرًا واهيًا، وجلستُ أمامها بطبيعيّة.
“وكتبتِ في الرسالة أنّه يمكنني القدوم في أي وقت.”
تلقّيتُ نظرتها الحادّة، وابتسمتُ، وسلمّتُ سلّة البسكويت للخادم.
كانت وجبة أرييل.
لولم أخذ السلّة اليمنى، لكانت في بطن أرييل الآن. “؟”
لم يأخذ الخادم السلّة، بل حدّق بها.
سعلتُ وقلتُ:
“هل يمكنك تحضير هذا؟”
“نعم؟ آه، نعم!”
أخذ السلّة بحركة متأخرة وخرج بتصرّف غريب.
نظرتُ إليه، فالتفتُ إلى إليشا عند صوتها الحادّ.
“لمَ تنظرين هكذا؟”
“لا شيء.”
“لمَ أردتِ رؤيتي؟ كنتِ ترفضين القدوم خارج الموعد.”
اتّكأتُ على الكرسي، ورجليّ متقاطعتان، وأزلتُ وبرة من ثيابي.
“سمعتِ أنّكِ أرسلتِ دعوات لمن حضروا تلك المناسبة. هل كانت قصيرة؟”
“قصيرة؟ هم، هل هي كذلك؟”
تظاهرتُ بعدم الفهم، فرفع حاجبها الذهبي.
“تتساءلين لمَ أدعو الجميع؟”
“لستُ مهتمّة.”
“شيء سُرق من منزلنا تلك الليلة.”
“أوه، هذا مؤسف.”
هزّ حاجبها لردّي المرح.
“ألا تسألين عما سُرق؟”
“ماذا سُرق؟”
“جو-”
قاطعها طرق أنيق، ووُضع البسكويت على طبق فاخر.
تغيّر الخادم؟
غادر الخادم الجديد بعد إتمام مهمّته.
أغلق الباب بصوت ثقيل.
نظرت إليشا إلى البسكويت بنزعاج لمقاطعتها، ثم مدّت يدها المزيّنة بخاتم أحمر.
“سُرقت جوهرة.”
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات