“إذن، يجب أن نجد الغرفة التي رأيتها أولاً، أليس كذلك؟”
“صحيح؟ هل أختطف أحد بناة قصر الدوق؟”
“لا، أرون، القصر بُني قبل مئات السنين، هل يعقل أن يكون أحدهم على قيد الحياة؟”
“آه، صحيح.”
فجأة، تدخّل شيء بين رأسي ورأس أرون ونحن نتحدث بحماس.
“ما هذا…؟”
نظرتُ جانبًا إلى لفافة ورقية سميكة.
رأيتُ يدًا ترتدي قفازًا أسود تمسك بها، فابتسمتُ بعرض وجهي.
“إينوك! متى وصلت؟”
“الآن.”
“لكن، لمَ وجهك هكذا؟”
ابتسم إينوك لترحيبي، لكن بدا منزعجًا.
أمالتُ رأسي لتعبيره المتناقض، فضيّقت عيناه الرماديّتان، تنظران إليّ وإلى أرون.
“يبدو أنّكما اقتربتما كثيرًا.”
“ماذا؟ لا، لمَ نحن قريبان هكذا!”
“آه! اصطدمتُ بالزاوية! كيف تدفعينني هكذا، الماركيزة!”
“آسفة، آسفة، هل أنتَ بخير؟ لم أتحكّم بقوتي.”
أدركتُ قربنا الزائد، فدفعته بعيدًا، فارتطم أرون بالطاولة وقفز.
اقتربتُ منه، لكنني رفعتُ يديّ للأعلى، إذ زاد انحراف حاجبي إينوك مع قربي من أرون.
“لا، إينوك، لسنا مقربين.”
“تبدوان كذلك.”
“لا! كنا نناقش كيفية إيجاد تلك الغرفة في القصر، أليس كذلك، أرون؟”
دوستُ على قدم أرون تحت الطاولة، فأومأ بحماس، شعره الفضي يتمايل.
“نعم، صحيح! الماركيزة بحاجة لإيجاد الغرفة لأحصل على- آه! لمَ تضربينني!”
كان يدافع عنّي، لكن صفعتُ جبينه لتسرّعه.
“ههه، كان هناك ذبابة على جبين أرون.”
حدّقتُ به، فأدرك خطأه وضحك بإحراج.
“آه؟ ههه، ذبابة! شكرًا، الماركيزة!”
“بالمناسبة، إينوك، ألم تقل إنّك ستذهب إلى هيفيرون؟”
نظرتُ إلى أرون، ثم اقتربتُ من إينوك.
تعرّضت هيفيرون لهجوم وحوش، وكان على إينوك زيارتها لتقييم الأضرار.
رغم استخدام دائرة سحريّة للعودة السريعة، بدا مشغولًا، فلمَ جاء؟
رمشتُ بدهشة.
“أردتُ إعطاءكِ شيئًا وأخذ سيد البرج، فمررتُ.”
زاد انحراف حاجبيه وهو ينظر إليّ.
“هم، ريانا، وعدتِ ألّا تلمسي أحد إلّا أنا، لكنكِ خرقتِ الوعد مرتين.”
تنهّد إينوك بأسى، فبدت ملامحه حزينة.
“إينوك، هل أنتَ غاضب؟”
حرّكتُ رأسي لأرى وجهه المخفوض، وحاولتُ رفعه، لكنّه أمسك يدي وقبّل راحتها، مبتسمًا.
“غاضب؟ مستحيل أن أغضب منكِ. فقط، لا تقتربي من الآخرين كثيرًا، فأشعر بالحزن.”
“بالطبع، بالطبع…”
“بالطبع ماذا؟ أكملي، ريانا.”
كنتُ سأقول إنّه الأقرب، كما في العربة، لكن الكلمات لم تخرج، وقلبي يدقّ بلا هوادة.
خفتُ أن يسمع إينوك دقّاته، فأشرتُ إلى اللفافة.
“ما هذا؟”
“هذا؟”
لحسن الحظ، انتقل اهتمامه إلى سؤالي.
“مخطّطات قصر الدوق.”
فرد إحدى اللفافات على الطاولة، كاشفًا عن هيكل معقّد.
أطلقتُ إعجابًا خافتًا.
“من أين حصلتَ عليها؟”
“من خادم الدوق السابق.”
“أعطاها لكَ بسهولة؟”
“لا، هدّدته.”
“حسنًا… ماذا؟”
أومأتُ، ثم ذهلتُ من ردّه الهادئ.
“هل سمعت بشكل صحيح؟”
رمشتُ، ظننتُ أنّني أخطأتُ السمع، لكنّه كرّر بنظرتيْن:
“هدّدته، وأعطيته رشوة.”
“…؟”
هل التهديد والرشوة هنا تعنيان شيئًا آخر؟ ربّما هديّة أو إقناع؟
ابتسم إينوك ببراءة، فشعرتُ بالارتباك.
نقر اللفافة بإصبعه.
“هيا، لنرَ أين الغرفة الغريبة التي رأيتِها.”
“نعم، كانت هناك كروم شائكة-”
جرفتني كلماته، فبدأتُ أسرد ما أعرف.
بعد تحليل المعلومات، وجدنا مكانًا مشابهًا، وأشرتُ إلى لفافة أخرى.
“إينوك، ما هذه؟”
على عكس اللفافات المتعدّدة، كانت هذه لفافة واحدة.
فكّ إينوك رباطها، وقال:
“كيف أصفها؟”
نبرته البطيئة أعجبتني، فرمشّتُ بانتظار.
وجد كلمة مناسبة، وابتسم بشقاوة وهو يفرد الورقة.
“المشتبه بها؟” * * *
في تلك اللحظة، اندلع اضطراب صغير في قصر الدوق بسبب زائر غير مرغوب.
“إن استمريت، ستضعنا في موقف صعب.”
صوت معدني.
فتح رجل يرتدي رداء كاهن أبيض فمه بشكل مثلثي.
“أريد فقط الدخول للحظة-”
“لا يمكن، بدون إذن الدوق.”
“هيا، أنا لستُ غريبًا، أعرف الدوق منذ سنوات!”
“لا يمكن.”
تحوّل ابتسامته المتزلّفة إلى تجهّم.
“كيف يجرؤ حارس على هذا! كيف أصبحتُ هكذا…!”
“أليس ذلك الكاهن الأعلى؟”
“لمَ هو هنا وليس في المعبد؟”
“لا، أقصد الكاهن الأعلى السابق.”
“من؟ آه، الذي طُرد بسبب الرشوة؟ يا رجل، أيّ كاهن هذا؟ مجرد وغد!”
أخفى الرجل وجهه بردائه، وهرع بعيدًا عن النظرات.
سار خلف الجدران إلى الجزء الخلفي من القصر، وتنفّس بنزعاج.
“رشوة بسيطة، أيّ جريمة هذه؟ وكأنّهم أنقياء!”
ارتجفت شفتاه الرقيقتان من الغضب.
أدار رأسه نحو القصر، فعلّق رداؤه الأبيض.
“لو قال كلمة واحدة فقط، لما وصلتُ إلى هذا الحال… كم خدمتُ هيرينغتون، ويتجاهلني!”
صرّ على أسنانه، ثم وضع يديه على صدره بتقوى، وتنفّس بعمق.
“ليس وقت الغضب، يجب أن أدخل…”
هدأ نفسه، لكن سمع حفيفًا قريبًا.
“تعالي، يا فراشة، تناولي طعامك.”
“؟”
“أكلتِ جيدًا؟ سأحضر شيئًا أفضل للعشاء.”
رأى موظّفًا يرتدي زيًا مزيّنًا بنقشة وردة.
“خادم القصر؟”
ابتسم بسخرية، مؤمنًا أنّ الحظّ لم يتخلّ عنه.
جمّع قوته الإلهيّة المتبقّية، واقترب من الشخص الجالس.
هربت قطّة صغيرة إلى الأعشاب، ونظر الخادم بدهشة إلى الرجل.
“من…”
“مرحبًا، أخي، هل تؤمن بالحاكم؟ ”
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات