بعد أن طردتُ إينوك بحدّة،
“آه.”
استيقظتُ من نوم عميق، أتأوّه من الخمر وأتقلب في السرير.
كان شيء يضغط على جسدي، يجعلني غير مرتاحة مهما حاولتُ تغيير وضعيّتي.
“آه! مزعج!”
نهضتُ أخيرًا، وتحسّستُ الشيء الذي يطعن ملابسي، فركتُ عينيّ وأنا في حالة ذهول.
“صحيح… يجب أن أريه لإينوك.”
هم… ، هل أريه غدًا؟
تردّدتُ بين غريزتي وعقلي، ثم تمدّدتُ وخرجتُ من السرير إلى الغرفة.
تاهتُ قليلاً في المكان الغريب، لكنّني وجدتُ غرفة إينوك، وطرقتُ الباب.
“إينوك.” “…” لم يأتِ ردّ، عكس توقّعاتي.
“إينوك، نائم؟” “…” حسنًا، الوقت متأخر.
نظرتُ إلى القمر المضيء عبر نافذة الممر، وقرّرتُ أن أتحدّث صباحًا، لكن…
“… لأن…”
سمعتُ صوتًا خافتًا من خلف الباب.
“لم تنم بعد…؟ إينوك؟ هل يمكنني الدخول؟ سأدخل…”
طرقتُ مرات أخرى، لكن دون ردّ، ففتحتُ الباب.
صرّت المفصلات في هدوء الممر الليلي.
“لديّ شيء أقوله…”
مررتُ بنظري على السرير الفارغ، ورأيتُ باب الشرفة مفتوحًا.
“هل هو هناك؟”
تبعتُ النسيم البارد، ووجدتُ إينوك واقفًا تحت ضوء القمر، وصورة أرون تطفو عبر حجر الاتصال. “إذن، هل وجدتَ شيئًا؟”
[“لا شيء يُذكر، بعد كل هذا العناء!”]
“لا شيء؟”
[“لستُ أيّ أحد! انظر إلى هذا.”]
رفع أرون ذقنه بفخر، ممسكًا شيئًا في يديه.
“ما هذا؟”
نعم، ما هذا؟
أمسكتُ باب الشرفة، وأجلتُ مناداة إينوك، ومددتُ رقبتي لأرى.
ربّما أرى بشكل أفضل هكذا.
[“هذه قطعة قماش بنقوش، لكنّها ممزّقة، فلا أعرف ما هي. وهذه كرة تسجيل.”]
“ما الذي سُجّل في الكرة؟”
[“لا أعرف!”]
“ماذا؟”
[“إنّها من صنع تنين! حتّى أنا لا أستطيع فتحها بسهولة. مغلقة بإحكام.”]
“إذن، لا يمكن رؤيتها؟”
[“لا أعرف. سأبحث عن طريقة. سأعود غدًا عند الفجر.”]
تذمّر أرون، ثم رآني ولوّح بحماس.
[“الماركيزة الصغيرة، مرحبًا!”]
“آه… نعم، منذ مدّة…؟”
خدشتُ خدّي بحرج لأنّني بدوتُ كمن يتنصّت، فأمال إينوك رأسه وهو ينظر إليّ.
تكشّف قميصه الخفيف، مظهرًا جزءًا من جسده القوي.
“بعد أن طردتيني، لمَ أنتِ في غرفتي؟”
“هم…”
تمتمتُ وتحسّستُ كمّي.
“أردتُ إظهار هذا.”
“؟”
“قلتُ إنّني أخذتُ شيئًا من منزل الدوق.”
“آه، كنتُ سأقول، لا تلتقطي أشياء عشوائيّة، ريانا.”
“آه، توقّف عن التذمّر…”
تمتمتُ بنزعاج، وأخرجتُ الجوهرة، لكن الرسالة التي أحملها دائمًا سقطت.
الرسالة التي كتبتها ريانا القديمة لإينوك.
“كنتِ تحملينها دائمًا؟”
“نعم، ظننتُ أنّها قد تُذكّرني بشيء.”
“هل تذكّرتِ شيئًا؟”
“لا، لا شيء.”
انحنيتُ لألتقط الرسالة، لكن يد إينوك سبقتني.
نظرتُ إلى الرسالة التي أخذها، وعدّلتُ وقفتي. “على أيّ حال، هذا.”
مددتُ قبضتي بالجوهرة، فمدّ إينوك يده بالرسالة.
“ما هذا- ريانا! أبعدي يدكِ!”
تحوّل وجهه الهادئ إلى شحوب عندما فتحتُ يدي.
“لا بأس، إينوك، إنّها غير ضارّة.”
“كيف لا تكون…!”
أمسك يدي بسخط، لكنّه هدأ عندما لمس جلدي.
ربّما شعر بحالتي الطبيعيّة.
“ما هذا…؟”
“غريب، أليس كذلك؟”
سحبتُ يده ووضعتُ الجوهرة في كفّه.
“هذه نفسها الموجودة في خاتم إليشا، أليس كذلك؟ لكن لمَ-”
عندما لامست الجوهرة طرف الرسالة، بدأت تتغيّر.
كأنّ قطرة صبغة سقطت في الحليب، أو كأنّ الورق يمتصّ الزيت، بدأ ضوء الجوهرة الأحمر ينتقل إلى الرسالة.
“ما هذا…؟”
رقصت النيران على الورقة، مرسومة كلمات، وظهرت صورة في الهواء كفيلم قديم.
[“ريانا، من يعرف أنّكِ أظهرتِ قوة خارقة؟”]
ظهر رجل وسيم من زاوية منخفضة.
ثم صوت ريانا الصغيرة:
[“لا أحد.”]
ابتسم الرجل برضا، وانحنى، كاشفًا عن وجهه.
عيون زرقاء كالسماء تحت شعر متماوج.
كان الدوق هيرينغتون الشاب، يمسك بشيء بقوّة. اهتزّت الصورة، كأنّه أمسك كتفي ريانا الصغيرة.
[“جيد. من الآن، هذا سرّ بيننا.”]
تحدّث بصوت مخيف، قائلاً إنّ قوة ريانا ستُنسب إلى إليشا، لتصبح إليشا بطلة النبوءة والإمبراطورة.
انطفأت الصورة بصوت طقطقة، وفقدت الجوهرة لمعانها.
“إينوك.”
“… نعم.”
“ما الذي رأيته؟ هل كان بسبب الخمر؟”
“… لا، أنا رأيته أيضًا.”
“إذن، ما هذا…؟”
نظرتُ بين الصورة الباهتة وقطعة قلب التنين السوداء، فتدخّل صوت.
[“إنّها ذكرى.”]
لم ينقطع الاتصال، فتحدّث أرون من حجر الاتصال، مضيّقًا عينيه الحمراوين.
[“سحر ختم الذكرى.”] * * *
“هل تذكّرتِ شيئًا الآن؟”
تدفّقت ذكريات الأمس كالماء.
“كيف نسيتُ هذا…؟”
كيف أنسى شيئًا بهذه الأهميّة، حتّى لو كنتُ مخمورة؟
ضحكتُ على نفسي، بينما طوى إينوك الرسالة.
“هل تعلمين كم فزعتُ عندما سقطتِ؟”
“سقطتُ؟”
“نعم، ربّما بسبب الصدمة المفاجئة. لكن لا ضرر، لحسن الحظ.”
حدّق إينوك في الكلمات المتماوجة، ثم أغلق الرسالة.
“سحر ختم الذكرى. سمعتُ عنه، لكن لم أتوقّع رؤيته…”
“إذن، هذا سبب فقدان ذكرياتي…؟”
“… لنعد إلى القصر ونواصل الحديث. سيد البرج ربّما وصل الآن إلى منزل الماركيز.”
شدّ إينوك عباءتي لحمايتي من البرد، وكان يرتدي سترته عندما دخل الإمبراطور السابق مع صوت خادم.
“ستغادر؟”
“نعم.”
“جئتَ كما شئتَ، وتغادر كذلك.”
“لم أخطط للبقاء طويلاً.”
كان الجوّ قد تحسّن في غرفة الطعام، لكن إينوك وضع حدًا باردًا.
نظرت عيناه الرماديّتان إليّ بعد أن توقّفتا عند إينوك.
“خذي هذا.”
“ما هذا؟”
أمسكتُ السلّة، فتسلّل رائحة حلوة.
رفعتُ القماش، فرأيتُ حلويات مرتبة بشكل أنيق.
“أخطأ الطبّاخ وأعدّ الكثير من الحلويات.”
لوّح الإمبراطور السابق بنزعاج بوجهه القاسي.
“رأيتُ أنّكِ تحبّين الحلويات، خذيها أو اتركيها.”
“كلّها؟”
“لمَ، لا تريدين؟”
“لا، شكرًا! سأستمتع بها.”
أمسكتُ السلّة بقوّة، مبتسمة، بينما كاد يأخذها.
نظر إليّ الإمبراطور السابق، ثم استدار إلى إينوك، رافعًا يده.
“ستُقام وليمة العودة قريبًا.”
“ربّما.”
تجنّب إينوك يد والده، وتوقّفت يد الإمبراطور السابق في الهواء.
“حسنًا، سأراكَ حينها.”
سحب يده كأنّ شيئًا لم يحدث، وغادر الغرفة.
“اذهبا بحذر.”
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات