### الحلقة الخامسة
“هل أنتَ بخير الآن؟”
“… نعم.”
رتبّتُ شعره المبعثر بحذر، فخرج صوت مكتوم من حلقه.
بدا متعبًا، لا يزال يسند رأسه على كتفي. رفع إينوك عينيه، فعكست عيناه الرماديّتان المغرورقتان صورتي وأنا أنظر إليه بقلق.
“بالمناسبة، قلتَ إنّ لمسي يجعل جسدكَ دافئًا…”
“…”
“لم أكن أعلم أنّكَ تقصد هذا…”
“ما الذي ظننتيه إذًا؟”
ضحك إينوك ضحكة خافتة، وأنزل عينيه وهو يفرك رأسه بلطف كطفل.
تقلّص جسدي قليلًا بسبب شعره الناعم الذي داعب بشرتي الحسّاسة. يده الكبيرة، التي لا تزال تشبك يدي، ضغطت أكثر.
“… عندما أتلامس مع أحد، يتجمّد جسدي. لكن عندما أتلامس معكِ… يصبح جسدي دافئًا بدلًا من ذلك.”
“أنا فقط…؟ لماذا؟”
“ربما لأن…”
ابتلعتُ ريقي منتظرة إكمال كلامه.
فجأة، شعرتُ بشيء يسحب تنّورتي. أنزلتُ عينيّ، فالتقت عيناي بعينين خضراوين بريئتين تحدّقان بي.
“موا…”
“ماذا؟”
كانت الطفلة تمسك طرف تنّورتي بيد، وباليد الأخرى تمدّ دميتها، التي تعانقها كجزء منها، نحو إينوك.
“جلالتك، انظر إلى هذا.”
“هم؟”
نظرتُ إليه للحظة، ثمّ هززتُ إينوك، الذي كان لا يزال مغمض العينين مستندًا إليّ. رفع جفنيه بصعوبة.
أمام مظهره، أنزلت الطفلة حاجبيها وحاولت رفع الدمية أعلى وهي تئنّ، كأنّها تقول “خذها”.
“… هل تعطيني إيّاها؟”
“أون!”
تردّد إينوك للحظة، ثمّ فتح قبضته ببطء، فسقطت بلّورات الجليد المتبقّية على يده.
بعد التأكّد من أنّ يده لن تُفزع الطفلة، أخذ الدمية بحذر. تقوّست خدّا الطفلة الممتلئتان للأسفل.
“ميان…”
مع الكلمة التي خرجت من فمها الصغير، تبادلتُ أنا وإينوك نظرة مندهشة.
“هل هذا الآن…”
“يبدو أنّها تعتذر لجلالتك.”
هل فهمنا بشكل صحيح؟
زفرت الطفلة بحزن وهي تجلس على الأرض، وتدلّت زاوية عينيها.
تفاجأ إينوك، فرفع رأسه من كتفي، وعبث بالدمية في يده عدّة مرّات، ثمّ انحنى ليصبح في مستوى عيني الطفلة.
“هل تعتذرين لي؟”
“أون…”
“لماذا؟”
“آيا…”
لم تتقن الطفلة الكلام بعد، لكنّها أشارت إلى خدّ إينوك وعبست، كأنّها أدركت أنّ لمستها تسبّبت له بالألم.
تقوّست عيناه الحادتين بنعومة أمام هذا المشهد.
“لا، ليس بسببكِ. أنا من أخافكِ على العكس. أعتذر.”
لم يلمسها مباشرة، لكنّه أمسك يد الدمية الناعمة وربّت على يدها الصغيرة الممتلئة بحنان، فأضاءت عيناها الخضراوان.
عادت سعادتها، فتسلّلت إلى حضني مجدّدًا. أعدّلتُ جلستي لتكون مرتاحة،
وفي تلك اللحظة، عاد داين حاملًا الحليب وبعض الطعام.
توقّف فجأة، وكأنّه روبوت معطّل، وضع الطعام واستدار ليغادر بسرعة.
“أنا، أنا غير موجود. سأغادر الآن، فإذا احتجتم شيئًا، أخبروني.”
“ماذا؟ إلى أين تذهب؟ انتظر…! ما الخطب؟”
خدشتُ خدّي بدهشة أمام هربه المرتبك، وحين رفعتُ يدي، تفاجأتُ بأصابع قويّة ظهرت أمام عينيّ.
“آه! أفزعتني. إذا كنتَ بخير الآن، هل يمكنني… تحرير يدي؟”
لا أعلم متى بدأ يمسك يدي هكذا.
شعرتُ بالحرج وحاولتُ تحرير يدي، لكن إينوك أنزل عينيه بنظرة ناقمة.
“كنتِ تلمسينني جيّدًا قبل قليل… هل سئمتِ من جسدي بالفعل؟”
“واه! كيف تقول شيئًا كهذا!”
هل هذا العالم عاجز عن وجود محادثة نقيّة به؟
قفزتُ مذعورةً أمام نبرته الجريئة التي عادت بعد تعافيه، وعانقتُ أرييل كدرع.
“أبو! بو!”
بدت الطفلة مستاءة من رفعها المفاجئ، لكن أمام اقتراب إينوك الخفي، عانقتُ أرييل بقوّة أكبر وحدّقتُ به.
“كنتُ أفعل ذلك لأنّ جسدكَ تجمّد فجأة، ففزعتُ.”
“بالضبط. ما زلتُ أشعر بالبرد الشديد. المسيني مجدّدًا.”
رفعتُ عينيّ بنزعة بعد أن تحسّستُ جسده بسرعة، بينما يتذمّر دون أن يتغيّر لون وجهه.
“لا تكذب. جسدكَ ليس دافئًا فحسب، بل ينبعث منه الحرارة الآن.”
“اكتُشفتُ.”
هزّ إينوك كتفيه بخفّة ومال برأسه بنعاس.
“لكن، ريانا، لديّ سؤال.”
“ما هو؟”
“قلتِ إنّكِ لم تعتقدي أنّ كلامي عن الدفء يعني هذا. إذًا، ماذا ظننتِ؟”
“أمم… هذا…”
لم أستطع قول الأفكار الفاضحة التي دارت في رأسي أمام سؤاله المفاجئ، فأغلقتُ فمي.
“ماذا؟ ما الذي جعل وجهكِ يحمرّ هكذا؟”
أرفرفت عيناه الطويلتان ببطء وهو ينظر إليّ.
“هذا… لأنّكَ تتحدّث بغرابة!”
“أنا؟ ماذا قلتُ؟”
“كلّ شيء! تطلب منّي لمسكَ، تقول إنّكَ تشعر بالحرارة…”
“قلتُ ما شعرتُ به فقط. هل كان هناك شيء مزعج؟”
فتح عينيه بدهشة كأنّه لا يعرف حقًا، فتحدّثتُ بنزعة.
“هناك تعبيرات أخرى غير هذه الكلمات المحرجة!”
“مثل ماذا؟”
“مثلًا، يمكنكَ القول إنّ لمسي يجعل جسدكَ يذوب… أمم؟”
أغلقتُ فمي بسرعة، مدركةً أنّ كلامي يبدو أغرب من كلامه. ارتجفت عيناي كأنّ زلزالًا ضربني.
نظر إينوك إليّ، وأطلق حسرة خفيفة كأنّه أدرك شيئًا.
“آه.”
رفرف رموشه السوداء ببطء مرّتين كأنّه يرتب أفكاره،
ثمّ ارتفعت شفتاه الحمراوان بنعاس بطيء.
“حقًا، ما الذي فكّرتِ به بعقلكِ الصغير هذا؟”
“لا، لم أقصد ذلك!”
ظهر مرح في صوته ووجهه الوسيم.
ثمّ رفع إينوك يده، التي أعاد ارتداء قفّازاتها بعناية، وحاوط أذني أرييل الصغيرتين كأنّه يمنع الصوت.
“أفهم نيتكِ، لكن تجنّبي مثل هذه التعبيرات. أليست غير لائقة لتسمعها الطفلة؟”
“غير لائقة؟ تعلم أنّني لم أقصد ذلك!”
بدا الموقف مسليًا له.
رأيتُ المرح في عينيه الرماديّتين اللامعتين، فتخلّيتُ عن الجدال الخاسر، وعبثتُ بيد أرييل وغيّرتُ الموضوع.
“على أيّ حال، لا تستخدم مثل هذه التعبيرات مجدّدًا. إنّها تسبّب سوء الفهم.”
“سأفكّر في الأمر.”
“… لكن، اسمع.”
“ماذا؟”
“لماذا… يحدث هذا؟”
“ماذا تقصدين؟”
“أقصد… أنّكَ تتجمّد عند التلامس مع أحد.”
“آه.”
أشار إينوك إلى قلبه بلامبالاة.
“عندما أتلامس مع أحد، تثور شظيّة جليد عالقة هنا.”
“ماذا؟ لماذا هي هناك؟”
“أنا من زرعتُها.”
جاءت إجابته هادئة كأنّه يذكر حقيقة عاديّة، لكن عينيه، التي كانت مرحة، أصبحتا عميقتين.
“عندما يتجمّد جسدي، لا يذوب مهما فعلتُ. لا شيء يمكنني فعله سوى الانتظار أيامًا حتّى يتوقّف الثوران…”
أنزل رأسه، ينظر إلى يده التي لامستني، وتابع.
“ربما لأنّ عائلة دافني تتحكّم بالنار، عندما أتلامس معكِ، لا يتوقّف الثوران فحسب، بل ترتفع حرارتي بسرعة.”
“… ماذا؟”
أشار إينوك إلى قلبه، وتبعت عيناه الرماديّتان نظرتي.
“بهذه الطريقة، قد أتمكّن من إذابة هذه الشظيّة الجليديّة المزعجة.”
“لحظة، لحظة. أليس هذا سوء فهم؟”
مالتُ برأسي وأنا أستمع إلى شرحه بهدوء.
لا يمكن أن يكون هذا صحيحًا.
“صحيح أنّ عائلة دافني تتحكّم بالنار، لكنّني لستُ كذلك.”
في هذا العالم، توجد قوى خاصّة مثل النار، الجليد، والرياح.
الجليد يخصّ إينوك فقط، والنار تخصّ أفراد عائلة دافني الذين يرثونها.
لكن المشكلة أنّ ريانا لا تستطيع التحكّم بالنار على الإطلاق.
على عكس إليشا، البطلة، التي أظهرت أقوى قوّة نار في تاريخ الإمبراطوريّة.
بسبب هذا الإعداد، وُلدت ريانا كشخصيّة شريرة تُغرق نفسها بالخمر وتثير الفوضى بسبب شعورها بالنقص.
أن تتحكّم ريانا بالنار؟ هناك خطأ ما بالتأكيد.
رفعتُ علامة استفهام فوق رأسي وأنا أستعيد المعلومات. مال رأس إينوك إلى اليسار.
“مستحيل. لقمع قوّتي، يجب أن تكون قوّتكِ فوق العاديّة.”
“لا، أنا لا أتحكّم بالنار، ولا حتّى أُشعل دخانًا. القوّة موجودة لدى إليشا.”
هززتُ رأسي بثقة. خلع إينوك قفّازاته بهدوء ورفع يده.
ثمّ،
توب.
“آه؟”
قبل أن أمنعه، وخز خدّ أرييل الممتلئ بإصبعه الأبيض.
تفاجأتُ ببلّورات الجليد التي تفتّحت بسرعة من طرف إصبعه، فأمسكتُ يده وخرجت صرخة حادّة من فمي.
“هل جننتَ؟ لستَ مهووسًا بالتجمّد! ما الذي تفعله؟”
خفتُ أن يصبح جسده باردًا بشكل مخيف مجدّدًا.
لم أرد رؤية مظهره الشبيه بالميّت مرّة أخرى.
فركتُ بلّورات الجليد بقوّة كأنّني أزيل بقعة، وأنفختُ عليها لتدفأ بسرعة.
نظر إينوك إليّ بهدوء، ثمّ أسند جبهته على رأسي، وتحرّكت حنجرته بمرح.
“أرأيتِ؟ إنّها تذوب جيّدًا.”
“كان يمكنكَ قول ذلك فقط! لماذا تستخدم جسدكَ للتجربة؟”
“لا شيء أدقّ من الرؤية بالعين.”
كاد يتحوّل إلى تمثال جليدي في عالم الأحلام،
لكنّه، رغم توبيخي، بدا مستمتعًا، وضحك وهو يعانق خصري بخفّة.
“ريانا، يبدو أنّني وجدتُ العلاج لهذه اللعنة المزعجة.”
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 5"