بينما كانت العربة المزيّنة بشعار عائلة دافني تتّجه نحو قصر الدوق، كان إينوك مواجهًا عينين بلا لون يشبهان عينيه، دون أن يدرك ما كانت تفكر فيه ريانا.
“لمَ أتيتَ إلى هنا؟” “…”
وقف صامتًا دون ردّ، فاستدار الإمبراطور السابق كأنّه لا يبالي.
“إن لم يكن لديك ما تقوله، ارجع، أو ادخل.”
“أبي.”
نظر إينوك إلى ظهر والده المهيب، والذي لا يُصدّق أنّ لديه ابنًا بالغًا، وقبض يده.
بررر.
صدر صوت مزعج من احتكاك قفازاته الجلديّة.
“في اليوم الذي هيجت فيه قوتي لأوّل مرة، لمَ ذهبتَ إلى المعبد؟”
“وهل يجب أن أخبرك بالسبب؟”
“كنتُ أعلم أنّك ستقول هذا. حسنًا، دعني أغيّر السؤال.”
ثبّت إينوك نظره على وجه والده الخالي من التعبير، وفتح فمه ببطء.
“هل أنتَ من عبث بسجلّات ظهور قوتي وقوة الدوقة؟”
* * * “هم، لا أرى إليشا.”
رفعتُ كعبيّ وأنا أتفحّص الممر المزخرف في قصر الدوق.
كان الجميع يرتدون ملابس فاخرة لحدث خيريّ، ممّا جعل البحث عن إليشا صعبًا بسبب الفساتين الطويلة وزخارف الشعر.
وقفتُ على أطراف أصابعي وسط الحشد، ثم جلستُ على كرسيّ، وطرقتُ ساقيّ.
“انها المنظّمة، لمَ لا تظهر؟”
قرّرتُ البحث في اتجاه آخر، ونهضتُ، لكنّني سمعت:
“يا إلهي، هل رأيتِ؟”
خرجت امرأتان متحمّستان من الزاوية.
“نعم! يا إلهي، ما نوع العلاقة التي تجعلهما يلتقيان بسريّة؟ بدا وديًّا جدًا.”
مالتُ نحو الصوت بفضول.
“لم أتخيّل أنّ الدوقة قريبة منه.”
“شش، احذري، لا يجب الحديث عن هذا.”
اختفت المرأتان في الحشد بسرعة، واستدرتُ نحو الاتجاه الذي جاءتا منه.
“هل إليشا هناك؟”
لكن مع من كانتا تقصدان؟
“… سأبحث!” * * * “اليسار؟ أم اليمين؟”
على عكس حماسي قبل دقائق، تحرّك رأسي يمنة ويسرة.
“ما هذا القصر الكبير المعقّد؟ هل يمكنني العودة؟” بعد دوران بضع زوايا، تغيّر المشهد تمامًا.
“هم… هل ضللتُ؟ يجب أن أذهب هناك-”
صرخة خرجت من فمي عندما اصطدمتُ بأنفي بعمود بسبب عدم انتباهي.
“آه… يؤلم…”
كان الاصطدام قويًا لدرجة أنّه ترك أثرًا على العمود العاجيّ.
أمسكتُ أنفي المؤلم، ومسحتُ المكياج عن العمود، فسمعتهم يتمتمون مع الريح.
“القوة… الخطة…”
“مهلاً؟ هذا صوت إليشا.”
لحسن الحظ، لم أضلّ تمامًا.
أصغتُ باهتمام لأثر إليشا.
“من أين يأتي الصوت؟”
وضعتُ يدي على أذني، ونظرتُ إلى غرفة في نهاية الممر.
كان الباب مألوفًا رغم عدم تناسبه مع فخامة القصر، ومن خلفه خرج صوت مألوف آخر.
“ابقَ هادئًا… لا داعي…”
“كارهيل؟ لمَ هو هنا…؟”
تفاجأتُ، وتقدّمتُ خطوة، لكنّني توقّفتُ بكعبي فقط.
“لا، لا يمكنني الذهاب هكذا.”
كان الطريق إلى الغرفة مرصوفًا بحجارة باهظة.
كنتُ على عشب، لكن المكان هادئ، وصوت كعبي العالي سيملأ الممر.
لا أريد إعلان وجودي.
نظرتُ إلى حذائي المزخرف بالكريستال، وانحنيتُ، وخلعته، وحملته، وسارتُ بحذر.
“آه، بارد!”
كان الحجر البارد أكثر برودة ممّا توقّعتُ.
كتمتُ صوتي، وضممتُ الحذاء، ووصلتُ إلى الباب، فرأيتُ ظهر إليشا في ضوء أحمر خافت.
بسس. “!”
تفاجأتُ بصوت أوراق متمايلة، وعبرتُ العتبة دون قصد.
لم أخطّط للدخول، وحاولتُ الخروج، لكن حديثهما أوقفني.
“لحسن الحظ، عاد والدي أسرع ممّا توقّعنا.”
“بفضلي.”
“لا تتفاخر، لقد استفدتَ أيضًا.”
“ما أهميّة بضع عملات إضافيّة؟ المهم أنّني كنتُ منزعجًا.”
“ما هذا…؟”
كان لقاءً سريًا وخطيرًا أكثر من مجرّد موعد.
“خطّة لتقييد الإمبراطور، وينتهي الأمر بتقييد نفسك؟ أيّ غباء هذا؟”
تقييد الإمبراطور في الحرب…
“إذن، في القصة الأصليّة، عندما استغلّوا غياب إينوك لإضعاف السلطة الإمبراطوريّة…”
لم يكن ذلك صدفة، بل خطّة مدبرة.
اتّسعت عيناي وأنا أتبع ظلال إليشا وكارهيل في الظلام.
غريب، الصوت هو صوت كارهيل، لكن…
“لمَ لون شعره مختلف؟”
رأيتُ جانبه، وفركتُ عينيّ، وأغمضتهما وافتتحتهما.
ربّما أخطأتُ الرؤية.
لكن، حتّى بعد التأكّد، لم يكن شعره المتعرّج بنيًّا داكنًا كالمعتاد.
كان الضوء خافتًا، لكن…
“ورديّ…؟ هل بسبب الضوء؟”
نعم، شعر الرجل كان ورديًا تقريبًا.
هل هو وهم بسبب الضوء الأحمر؟
تحرّكتُ لأرى بوضوح، لكن…
دكّ.
ارتطم كوعي بشيء، فصدح صوت.
“!”
لم يفوته كارهيل الصوت، فأدار رأسه، وانخفضتُ بسرعة.
“يجب أن أخرج من هنا…!”
لحسن الحظ، الباب خلفي مباشرة، فلن يكون الخروج صعبًا.
تذكّرتُ الطريق، وخطّطتُ للاختباء بعد الخروج، لكن جفنيّ ارتعشا.
الباب، الذي كان مفتوحًا خلفي، اختفى كالسحر.
“هل تمزح؟”
حتّى في عالم مليء بالسحر، هل يعقل أن يختفي بابٌ كبير فجأة؟
“ربّما أغلقته الريح.”
لم أسمع صوت إغلاق، لكن هذا أكثر منطقيّة من اختفائه.
بحثتُ عن المقبض، لكن لمستُ جدارًا خشنًا فقط.
“يبدو أنّنا لسنا وحدنا هنا.”
اقترب صوت خطوات كارهيل.
“هل يربّون الفئران في قصر الإمبراطوريّة؟ زق زق؟”
“لمَ هو هكذا دائمًا؟”
كيف يكون غريبًا بهذا الثبات؟
سمعتُه يقلّد صوت فأر، فتخلّيتُ عن الباب، واختبأتُ خلف شيء يشبه رفًّا.
“أين أنتَ، أيّها الفأر؟ اخرج، لنلعب.”
لا أعرف لمَ كان متحمّسًا، لكن صوته المرتفع كنغمة جعلني أمسك صدغيّ بنفور.
“هل جننتُ لألعب معك؟ فكّر، كيف أخرج من هنا…؟”
كرّرتُ أنّني لا يجب أن يقبض عليّ، وبحثتُ عن مخرج، فتسلّل صوت إينوك إلى ذهني.
[“إن حدث شيء غدًا، ناديني بالقلادة.”]
“صحيح، قلادة إينوك!”
تذكّرتُ القلادة، فتألّقت عيناي.
لم أستخدمها من قبل، لكن إينوك قال إنّها تحمل سحر النقل.
يمكنني الهرب بسهولة بها.
“قال إنّ تفعيل السحر ينقلني إليه، أضغط هنا، صحيح؟”
بحثتُ عن الزرّ خلف القلادة بحاسّة اللمس، لكن يدي الأخرى لمست شيئًا.
“؟”
نظرتُ إلى دفء خفيف في كفّي، وكدتُ أرميه. كان خاتم إليشا.
“يا إلهي، ما هذا؟”
لمَ هو هنا؟
كان يجب أن أقاوم وأبقى بعيدًا.
لعنتُ ساقيّ اللتين استسلمتا لصوت الريح، وأغلقتُ عينيّ، متوقّعة شعورًا مقززًا بفقدان القوة. “؟”
تمنّيتُ أن ينتهي سريعًا لأهرب، لكن لم يتغيّر شيء في جسدي.
كلّ ما شعرتُ به هو الدفء في الجوهرة الصغيرة بيدي.
شعرتُ بغرابة، وفتحتُ عينيّ، فأصبحت رؤيتي أوضح في الظلام.
“هذا ليس خاتم إليشا؟ ألم يكن واحدًا؟”
كان الجوهرة تشبه خاتم إليشا، لكن لونها أغمق وأوضح.
تذكّرتُ أنّ خاتم إليشا كان باهتًا عندما شعرتُ بضعف، لكن هذه الجوهرة كانت مملوءة بالقوة، بلون أحمر ناصع.
لهذا شعرتُ بشيء مختلف؟
“لنرى، هل هو هنا؟” “!” توقّفتُ عن التفكير عند صوت كارهيل القريب، ودفعتُ الجوهرة إلى كمّي.
في لحظة اقتراب يده مع ضحكة مقززة،
“نجحت…!”
فعّلتُ سحر النقل في القلادة.
“لكن، إلى أين ينقلني بالضبط؟”
قال إنّني سأنتقل إلى مكانه، لكن هل قريبًا منه أم بجانبه؟
شعرتُ بأنّني أُسحب، وبدأتُ أقلق متأخرة، بينما صوت كارهيل يبتعد.
“ما هذا؟ ليس هنا؟”
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 45"