“ما زلتُ هكذا.”
مرت ساعات منذ أن تركتُ إينوك، لكن لمَ ما زال قلبي يرفرف؟
أقلّ مما كان عليه، لكن شعورًا خفيفًا كفراشة ترفرف في معدتي ظلّ مستمرًا.
“هل أكلتُ شيئًا خاطئًا؟ هذا غريب.”
ربّما لو فركتُ بقوّة يتحسّن الأمر.
ضغطتُ على ملابسي بلا جدوى، ثم ابتسمتُ عندما رأيتُ أرييل تركض نحوي. “ماما!”
“أرييل، ماذا كنتِ تفعلين؟”
“هذا! هذا لأعطيه لماما!”
يبدو أنّها استمتعت بصنع خاتم الزهور لإينوك، فكانت يدها الصغيرة تمسك زهرة بيضاء صغيرة.
“هم…”
هم… هل هذا خاتم؟
لا، يبدو أكبر من ذلك. قلادة؟ أم سوار؟
نظرتُ إلى الزهور المتشابكة بشكل غريب، واخترتُ خيارًا بحذر.
“سوار…؟”
“صحيح!!”
“هم، إنّه جميل جدًا. أرييل لديها موهبة…”
خمنتُ بالصدفة، لكنّ خدّيها القرمزيّين احمرّا أكثر.
بدا منظرها لطيفًا للآخرين أيضًا، فابتسم دين، لكنّه نظر إليّ بغرابة.
“لمَ؟”
“عدتِ من القصر كدودة يرقيّة.”
“ماذا؟ ما الذي…”
نظرتُ إلى المرآة، فاحمرّ خدّاي.
“هل عدتُ إلى البيت هكذا؟”
“نعم، يبدو كذلك.”
كنتُ ملفوفة ببطانيّة صفراء كما لفّها إينوك، كدودة يرقيّة حقًا.
أن أتجوّل هكذا!
هززتُ وجهي المحمرّ، وفككتُ البطانيّة بسرعة، فأصبح تعبير دين جديًا.
“لكن، سيّدتي ريانا، هل أنتِ مريضة؟”
“ماذا؟ لا، لمَ؟”
“بدا أنّ معدتكِ مضطربة.”
“آه، هذا…”
تبعتُ نظرته، فرأيتُ يدي على صدري مرة أخرى.
“ليس هذا، لكنّه غريب. أشعر ببعض الغثيان.”
استمع دين بهدوء، ومرّر يده على لحيته المرتبة.
ثم قال بشيء منطقي.
“ربّما تكونين متخمة؟”
“ماذا؟ هل هذا-”
“ألم يكن إفطاركِ ثقيلًا؟ ديك رومي مشوي، يخنة لحم الضأن، تارت، و-”
غطّيتُ وجهي بخجل وهو يعدّد ما أكلته بلا تردّد.
حسنًا، قد يأكل الإنسان كثيرًا أحيانًا.
عبستُ وأدرتُ عينيّ.
“ربّما تكون متخمة حقًا.”
أكلتُ كثيرًا، ثم تناولتُ الحلوى أثناء حديث إينوك وكارهيل.
نظرتُ إلى بطني المنتفخة قليلاً، ومددتُ يدي.
“دين، أحضر لي دواءً للهضم.”
* * * “هم.”
“سيّدتي الماركيزة؟ ماذا تفعلين؟”
كانت يدي على منطقة بين صدري وبطني.
وكان الشيخان يمسكان يدي أرييل من كلّ جانب.
“لا شيء، أتحقّق فقط.”
هل كان الطعام ثقيلًا كما قال دين؟
ضغطتُ على معدتي الهادئة الآن، ورفعتُ يدي دون تردّد.
“لكن، ما المناسبة؟”
“ماذا؟ ألم تدعونا لتناول العشاء معًا؟”
“آه؟ آه، آه!”
تغيّرت تعابير الشيخين مع صيحاتي المتتالية.
“هل نسيتِ؟ إذن، ماذا عن طعامي؟”
هل هذه هي المشكلة؟
بينما كان وجه الشيخ بالرداء الأسود يشحب، اقترب دين.
هزّ رأسه برفق.
“لقد أعددتُ كل شيء.”
“رائع! أنتَ حقًا خادمٌ مميّز.”
رفع الشيخ إبهامه، فاستدار دين بنزق وأعطاني زجاجة بنيّة.
“سيّدتي ريانا، إذا شعرتِ باضطراب مجدّدًا، تناولي هذا.”
“شكرًا، دين.”
“على الرحب. سأطلب إحضار الطعام.”
ابتسم دين قليلاً واستدار، فرفع الشيخ بالرداء الأسود يده.
“أيّها الخادم، هل يمكنني الحصول على مشروب قويّ قبل العشاء؟ النبيذ العادي ممل.”
ابتسم دين بأسنانٍ مشدودة، بعد أن سُرق مخزون النبيذ مرة.
“النبيذ المُعدّ له رائحة ورد قويّة تتماشى مع حموضته، لن يكون مملاً.”
“حقًا؟ إذا قلتَ ذلك! أحضره إذن!”
“… نعم، سأحضر الكثير.”
ارتجف شارب دين الرفيع، لكن الشيخ ضحك فقط، معجبًا بالخادم الماهر، وسأله إن كان يريد أن يكون صديق شراب.
كتمتُ ضحكتي عند ردّيهما المتناقضين، وصحّحتُ صوتي.
“كح، لكن، أين جلالته؟ ألن يأتي؟”
“جلالته؟ خلفكِ-”
“تبحثين عني؟”
“يا إلهي!”
متى جاء؟ رنّ صوته الجهوري فوق رأسي.
أمسك إينوك الكرسي الذي كدتُ أسقط منه، وعيناه مرفوعتان قليلاً.
“تركتِني دون التفاتة، والآن تبحثين عني؟”
“ماذا تركتُ…”
“حقًا؟ بدوتِ نافرة وهربتِ.”
أدرتُ عينيّ عند نبرته العابسة.
“ليس هذا، أنا…”
“إن لم يكن، فماذا؟”
“حسنًا… نسيتُ! نعم، نسيتُ!”
“نسيان ماذا؟”
“ربطة العنق. طلبتَ ربطة معقّدة، لكن نسيتُ فجأة.”
“آه.”
لم يتوقّع ردّي، فعادت عيناه إلى طبيعتها.
“هذا ما كان؟”
“نعم، كان محرجًا. تفاخرتُ بأنّني تعلّمتُ جيدًا…”
‘ماذا أقول؟’
أمسكتُ تنورتي بقوّة، وأنا أتحدّث دون تفكير.
كانت معدتي هادئة حتّى لحظة مضت، لكن عندما ظهر إينوك، بدأت تتقلب مجدّدًا.
“إن كان كذلك، لا داعي للقلق. كما قلتِ، أحبّ البساطة.”
نظر إليّ مباشرة، وطرق عنقه.
“كيف تبدو؟ تناسبني؟”
“نعم، تناسبك جدًا.”
أومأتُ بحماس، وقرّرتُ النهوض، محتاجة لدواء الهضم.
لكن إينوك وضع علبة صغيرة على الطاولة.
“ماذا هذا؟”
“شمعة معطّرة.”
“شمعة معطّرة؟ لمَ فجأة…”
“قيل إنّها جيّدة للصداع. آه، دين، لا حاجة لطبقي.”
لوّح إينوك لدين، الذي كان يضع الطعام.
“ماذا؟ ألن تتناول العشاء؟”
“للأسف، لديّ أمر عاجل.”
رفعتُ رأسي وأنا أمدّ يدي للعلبة.
“لن تأكل؟ ما هذا الأمر العاجل…”
“ليس أمرًا كبيرًا. سيد البرج السحريّ يطالبني بالحضور.”
عبس جبينه المستقيم بنزق.
قد يحدث هذا أحيانًا، لكنّه أضاف أنّه سيذهب للاحتياط، وطرق العلبة.
“جئتُ لأعطيكِ هذا. كنتُ سأعطيكِ إيّاه قبلًا، لكنّكِ تركتِني.”
“لم أتركك.”
“الرائحة تهدّئ الصداع، ستكون مفيدة.”
ضغط على رأسي برفق وهو يغادر، ثم استدار.
“آه، ريانا.”
“نعم؟”
“إن حدث شيء غدًا، ناديني بالقلادة.”
“هل هذا جائز؟ يبدو أنّ الغرض تغيّر…”
ألم تُعطَ القلادة لاستدعائي إذا هيج إينوك في غيابي؟
عبثتُ بقلادته، فضحك إينوك وهزّ كتفيه.
“ليس غدًا فقط، بل أي وقت تريدين. استخدميها متى شئتِ، لذلك أعطيتكِ إيّاها.”
* * * طقطق.
أعتذر لدين عن جهده، لكن بعد لمس الطعام قليلاً، تنهّدتُ وأنا أرى مكان إينوك الفارغ.
شعرتُ بالحزن، فبرزت شفتاي دون قصد.
“سيّدتي الماركيزة، رأيتُ دين يعطيكِ دواء هضم، هل معدتكِ مضطربة؟”
لاحظ الشيخ بالرداء الأبيض تردّدي، فسأل بحذر.
“ماذا؟ لا… كنتُ كذلك، لكنّني بخير الآن.”
عندما غاب إينوك، هدأت معدتي بشكل مذهل.
عبستُ قليلاً، متسائلة لمَ هذا، وأظهرتُ تعبيرًا آسفًا.
“أعتذر، جعلتكم قلقين. لا تهتمّوا بي، تناولوا طعامكم براحة.”
“هم… آه! سيّدتي، هل فتحتِ الشمعة؟”
“لا؟ هل أفتحها؟”
“نعم، افتحيها.”
فتحتُ غطاء الكرة الصغيرة، فانتشر عطر منعش.
“واو، ما هذا؟”
نظرتُ إلى الشمعة المزخرفة بعيون مندهشة، فداعب الشيخ بالرداء الأبيض لحيته بلطف.
“جميلة، أليس كذلك؟”
“نعم، والرائحة رائعة.”
عبثتُ بسطح الزجاج الناعم، ففاجأني الشيخ بالرداء الأسود.
“صنعها جلالته بنفسه.”
“ماذا؟ هذه؟”
اتّسعت عيناي وأنا أمسك الشمعة التي كادت تنزلق.
“بدا مشغولًا، متى صنعها…”
“لا تقلقي! لم ينم وهو يصنعها-”
استمتع الشيخ بالنبيذ الذي أعدّه دين، وتحدّث بصوت مرتفع عن أمور مختلفة.
مع صوته كخلفيّة، تنفّستُ بعمق، فتسلّل العطر الهادئ.
كان مجرّد عطر جيّد قبل لحظة.
‘هل لأنّ إينوك صنعه؟’
بكلمة أنّه صنعه، بدا العطر يأخذ شكلًا أوضح.
عطر منعش، كرائحة الغابة بعد المطر، رائحة إينوك.
“مهلاً؟”
وضعتُ الشمعة بسرعة، وتناولتُ دواء الهضم.
“سيّدتي؟ ماذا تفعلين فجأة…”
“أنا، أظنّني متخمة بشدّة!”
امتدّ اضطراب معدتي إلى قلبي النابض،
وكأنّني ركضتُ حتّى نفد نفسي، فتحوّل وجهي إلى عبوس.
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 43"